كانوا هادئين هادئين كالسحاب... ثم أمطروا
بقلم عيسى قراقع
وزير شؤون الأسرى والمحررين
5-10-2011
لا ينخفض زمن السجن بروح الأسير كما تنخفض زنزانة العزل الى قاع الأرض ، ترتفع الروح الى طبقات السماء العليا، ويوما يوما، وسنة سنة يصيرون سحابا، يقشرون جلودهم عن رعد ومطر ونبوءات.
انفجر خزان الصمت الآن، من النقب حتى شطة، خرجت الأيادي المشوية من فرن المعسكرات الموصدة، وسمع الناس صوتا يبشّر بقدوم الحق على جناح دولة وحرية وكبرياء.
انفجر هدوء الأسرى، هدوء الجسد بعد 35 عاما من الاحتجاز القسري، وهدوء الوقت بين صحوة نصوص أحكام القانون الدولي وبين آخر وأبشع احتلال يستهتر بالإنسانية جمعاء.
انفجر هدوء نائل البرغوثي وأكرم منصور وناصر أبو حميد وأحمد سعدات وأبو الناجي وسامي يونس، انفجرت الأسماء في ذاكرة مروان البرغوثي وهو يحاول أن يصنع هدنة بين الحي والميت ويحاور النسيان.
كانوا هادئين كالسحاب ثم أمطروا، استدعوا الملح والخنق و البؤس والظلام وأطبقوا على عنق النهار، أمطروا ثم أمطروا شهداء وجرحى ومعاقين وغائبين لم يخذلهم الشتاء.
كانوا هادئين هادئين يحرسون موتهم البطيء، ويرتدون ظلالهم، يكتفون بنشيد الختام في آخر الليل، وبما يهيج في دمهم كلما دخل السجان لقمع أحلام النائمين.
هم الأسرى، جوع يلمس الأوج، يسري في كل الثكنات ويتحرش بالموج، يسكبون الآن البرق في ضمائرنا وفي جفافنا الإنساني ويحلبون لنا السحاب.
أسرى يحرمون الجلاد من النوم في عيد العرش العبري، يعصرون مفردات لغتهم حتى يرشح الماء في الكون، وتلتقي الأمهات بأولادهن، ويرتفع الواقعي فوق الخيال.
لقد بقوا معلقين بين القيد والموت سنين طويلة، من ينزلهم الآن ويسمعهم أغاني جديدة، لا صوت ولا أقفال وقمع وصراخ وسعال، ومن يمد لهم يد الفجر ويسحب من دمهم آثارهم واضحين واضحين كالقدس في الصلاة.
هي الحرية، آخر الحلم وأول السلام، التمرد على العبودية والأغلال وإنقاذ الروح والمكان، وهي قيامة المعذبين المأسورين يدافعون عن الأخضر ووجه الحجر وحقهم في الحياة وفي الغناء.
كانوا هادئين يحملون على أكتافهم جنون دولة لا حدود لها سوى المعسكرات، فسقطوا، ثم نهضوا، ثم أطلقوا من شرايينهم زهرة القلب تتنفس على سياج الانتظار.
أسرى لم يتنازلوا عن عرشهم، لم يركعوا لحكومة اسرائيل التي حولتهم هدفا سياسيا، وفجرت في أجسادهم قنابل الغاز، وجردتهم من أسماءهم البشرية وانقضت على ذكرياتهم وأرقام الهوية .
أسرى من النقب حتى عسقلان، ومن عوفر حتى مجدو، يتحدون في الهواء والجوع والغيم والإرادة وشبق الطيران، ويمرون كنشيد عالمي لشعب كامل العضوية جسدا وحبا ولغة وأرضا ومكان.
كانوا هادئين هادئين كالسحاب ثم أمطروا، لم يتأخروا في الماضي ولم يفقدوا الغد، لهم وقت إضافي ليغتسلوا بشمس البعيد والقريب، فيهم المرأة والشيخ والطفل وأسرار الورد والليمون، الصوت والضوء، فضاء آخر مبلل بالماء.
مقالات أخرى
- الرئيس أبو مازن... خطاب الكرامة والكبرياء ... بقلم / عيسى قراقع وزير الأسرى والمحررين سبتمبر 2011
- أهلا بكم في دولة فلسطين الحرة الديمقراطية الجميلة .. بقلم / عيسى قراقع وزير الأسرى 19-9-2011
- قضية الأسرى والاعتراف بالدولة الفلسطينية في الأمم المتحدة / بقلم / عيسى قراقع 17-9-2011
- المنغولي ... كتب / عيسى قراقع وزير الأسرى 11-9-2011
- في صباح العيد..... لم أجده بين الأسماء بقلم : عيسى قراقع وزير الأسرى والمحررين 1/9
- الرياضي الأسير زكريا عيسى... كرة في مرمى الموت .. بقلم / عيسى قراقع وزير الأسرى والمحررين أغسطس2011
- لا تقل لأمي بأني أصبحت أعمى ... بقلم / عيسى قراقع- وزير الأسرى والمحررين 15/8