الرئيس أبو مازن... خطاب الكرامة والكبرياء
بقلم / عيسى قراقع
وزير شؤون الأسرى والمحررين
26-9-2011
الخطاب التاريخي الذي ألقاه الرئيس الفلسطيني أبو مازن على منبر الأمم المتحدة، كان خطاب الكرامة والكبرياء الفلسطيني، كرامة المعذبين والمضطهدين على ارض فلسطين، بداية جديدة ومرحلة مختلفة في صراعنا الطويل مع المحتل الجاثم على أرضنا منذ أكثر من 63 عاماً.
القلوب والحناجر والعيون في كل مكان، تابعت واستمعت الى الرئيس الفلسطيني وهو يعلن عن تقديم طلب انضمام فلسطين كدولة حرة وسيدة الى الأسرة الدولية، دولة كاملة العضوية والجسد والروح، دولة القانون والشهداء والأسرى والمفقودين والمبعدين والمحاصرين، دولة الحياة والمستقبل لشعب لا يريد سوى ان يكون كغيره من شعوب الأرض.
هي فلسطين الدولة التي نجت من الاغتيال والانقراض أكثر من مرة، فلسطين الدولة التي قتلوها وعاشت وكبرت وتفوقت وصمدت وبعثت الآن من جديد في يوم قيامة الشعب الفلسطيني، يوم النفير والاستفتاء الإنساني والوطني الذي عبرت عنه الملايين من أبناء شعبنا في الوطن والشتات.
خطاب الرئيس أبو مازن أمام هيئة الأمم المتحدة رفض بشدة وعناد تطهير ذاكرتنا مما علق بها من لغة الصراع، ورفض تعديل روايتنا التاريخية بما ينسجم مع روايتهم العدوانية المبنية على أسس عنصرية وتطهير عرقي.
لقد وضع الرئيس القضية الفلسطينية في حضن الشرعية الدولية، وأمام محك تطبيق التزاماتها، وقراراتها ومبادئها لإنهاء أطول احتلال في العصر الحديث، ولوضع حد للجرافة الاسرائيلية التي تنهب الأرض وتدمر الحقول وتهود القدس وتجفف فيها صلاة المؤمنين والعباد.
أعلن الرئيس أبو مازن عن دولة الحرية، دولة الاسرى العائدين من ظلمات السجون البغيضة الى أطفالهم وعائلاتهم، أسرى الحرية الذين ضحوا من اجل تحرير وطنهم وعدالة قضيتهم، أسرى شرعيين وفق القانون الدولي، وليسو مجرمين وإرهابيين كما تدعي دولة الاحتلال.
وقد مد الرئيس يده بصبر عجيب الى السلام العادل، وخاض مفاوضات طويلة مع الإسرائيليين قائلا لهم: لقد قبلنا رغم الظلم التاريخي مبدأ التعايش المتكافئ على ارض وطننا التاريخي، ليكون هذا الوطن بلداً لشعبين يعيشان بسلام وعدل وأمانة، لا ان يتحول السلام الى وسيلة لتعميق وتكريس الاحتلال.
الإسرائيليون شلوا يد الشراكة والحوار الممدودة لهم.. استهتروا بالإنسانية جمعاء، وعربدوا كدولة فوق القانون الدولي، مستوطنات تكبر وتنمو، ومستوطنين يبطشون ويقتلون، انها حرب القضاء على حلم الدولتين، وتحويل هذا الحلم الى كابوس ولعنة على الحالمين...
ان خطاب الرئيس وضع حداُ نهائياً لمخططات إعادة هندسة الاحتلال جغرافيا ونفسياً وسياسياً وثقافياً، رافضاً ان يتحول شعبنا الى عبيد يعيشون في جيتوات ومعازل ومأجورين تحت سلطة الاحتلال.
رفض في خطابه الاعتراف بإسرائيل كدولة يهودية، ليس المطلوب من الضحية أن تعرَف جلادها، وليس المطلوب من الأمم المتحدة ان تقبل دولة عنصرية طائفية في صفها.
انها دولة احتلال، دولة بلا دستور يوضح ماهيتها وحدودها، دولة تسعى للتنصل من مسؤوليتها الأخلاقية والقانونية عن نكبة شعبنا عام 1948، وتحويل حياة اللاجئين الى حياة بائسة في الشتات والمخيمات، بلا ذاكرة وبلا مفاتيح العودة الى المستقبل.
كشف الرئيس في خطابه ان دولة اسرائيل تحولت الى دولة ابرتهايد في المنطقة، وان دولة اسرائيل التي تدعي الديمقراطية ليست أكثر من دولة بوليسية، دولة المعسكرات والمخابرات وقمع الشعوب.
انه ربيع فلسطيني آخر، استراتيجية قانونية وسياسية ودبلوماسية جديدة، قواعد وأسس لإعادة الاعتبار لحق تقرير مصير شعبنا الفلسطيني، ولسلام عادل تحت رعاية الأمم المتحدة وليس تحت رعاية الشروط الأمريكية الاسرائيلية.
خطاب الرئيس قال للعالم: ان دولة اسرائيل لا تحمل سوى ذاكرة موت وليس ذاكرة حياة، تاريخها تاريخ حروب وكراهية، تستدعي الماضي والمحرقة لتبرير قمعها واحتلالها لشعبنا الفلسطيني، مهووسة بالأمن تعيش في حالة طوارئ وخوف دائم من الآخرين.
انه خطاب الكبرياء الفلسطيني، الرواية الفلسطينية التي أعادت لفلسطين اسمها بعد الطمس والتهويد والتزوير،اعادت لمحمود درويش احلامه وامنياته وهو يقول: نريد ان نحيا كما نحن نريد، بشراً عاديين وطبيعيين فوق أرضنا التي هي أرضنا وتحت سمائنا الزرقاء.