قضية الأسرى والاعتراف بالدولة الفلسطينية في الأمم المتحدة

 

بقلم عيسى قراقع

وزير شؤون الأسرى والمحررين

17-9-2011

 الساعة : 11:00

يؤكد كافة فقهاء القانون الدولي الإنساني أن التوجه الفلسطيني الى الأمم المتحدة للإعتراف بدولة فلسطين على حدود العام 1967 يتوافق مع القانون الدولي وكسب شرعية من قرارات الأمم المتحدة التي اعتبرت أن الأراضي الفلسطينية الواقعة تحت الاحتلال الإسرائيلي هي أراضي محتلة.

إن الخطوة الفلسطينية ذات الطابع الإستراتيجي قانونيا وسياسيا هي تأكيد أن إجراءات الأمر الواقع التي قام بها الاحتلال في فلسطين لم تغير من الوضع القانوني الدولي للدولة الفلسطينية المعترف بها من عصبة الأمم عام 1924 حيث كانت خاضعة للانتداب البريطاني، وبتصنيف عصبة الأمم من نوع ( درجة A) أي أنها من الدول التي كانت جاهزة بعد فترة قصيرة للاستقلال.

ويؤكد الخبير القانوني الأمريكي  "جون كويغلي" بأنها كانت دولة منذ البدء حتى انتهاء الانتداب حيث كانت تتمتع بالشروط المطلوبة لبناء دولة، وأن إعلان اسرائيل قيام دولة على جزء من أراضي فلسطين لم يغير من الوضع القانوني الأساسي للدولة الفلسطينية، بل أن التغيير كان في السياسة الدولية في الاعتراف  بدولة تسمى اسرائيل حصل عليها اليهود بالتحايل على منطق حق الشعب الفلسطيني العربي من خلال وعد بلفور، وبسبب هذا التحايل على القانون الدولي كانت فلسطين هي الدولة الوحيدة التي لم تحصل على استقلالها بعد إلغاء عصبة الأمم وقيام هيئة الأمم المتحدة كبديل .

الدولة الفلسطينية لم تولد عندما قام الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات بإعلانها يوم 15 تشرين الثاني 1988 في دورة المجلس الوطني الفلسطيني التي عقدت في الجزائر، بل في 29/11/1947 بموجب قرار الجمعية العامة رقم 181 المعروف بقرار التقسيم الذي ينص على إنشاء دولة يهودية وأخرى عربية ووضع خاص لمدينة القدس، واستنادا الى قرار الجمعية العامة رقم 177/43 الصادر في 15 كانون الأول 1988 الذي يؤكد ضرورة تمكين الشعب الفلسطيني من ممارسة سيادته على أرضه المحتلة منذ 1967.

وتأتي خطوة القيادة الفلسطينية  بالتوجه الى الأمم المتحدة لوضع حدّ لاستهتار حكومة اسرائيل بالشرعية الدولية و قراراتها ومواثيقها، ولإعادة الاعتبار للمكانة القانونية لفلسطين والشعب الفلسطيني في صراعه ضد الاحتلال وفق القانون الدولي.

 

إن الاعتراف بدولة فلسطين المستقلة في حدود الرابع من حزيران يعكس نفسه على مجمل الوضع القانوني للأسرى الفلسطينيين القابعين في سجون الاحتلال والذين لا تعترف اسرائيل بانطباق اتفاقيات جنيف الرابعة والثالثة عليهم، وتتعامل معهم كمجرمين و إرهابيين ووفق قوانينها العسكرية الداخلية.

ولعلّ عدم اعتراف اسرائيل بالصفة القانونية للأسرى باعتبارهم أسرى حركة تحرر وطني قاوموا الاحتلال بشكل مشروع استنادا الى قرارات الأمم المتحدة ورأي أغلبية فقهاء القانون الدولي الذين أقروا بمشروعية ثورة سكان الأراضي المحتلة، ترك آثارا خطيرة إنسانيا ومعيشيا على واقع المعتقلين حيث ارتكبت جرائم حرب وانتهاكات كبيرة وكثيرة بحق الأسرى الذين جردوا من صفتهم الإنسانية والقانونية.

ومع أن القانون الدولي يؤكد حق اكتساب المعتقلين مركز المحارب القانوني، فإن الاعتراف بالدولة الفلسطينية تعزز هذه المكانة وشرعيتها وتنتزع الغطاء القانوني عن دولة الاحتلال في تعاملها مع الأسرى وتضع دولة اسرائيل في مواجهة المجتمع الدولي.

القلق الإسرائيلي ينبع من كون الاعتراف بدولة فلسطين وبعضوية كاملة في الأمم المتحدة يفتح المجال واسعا لملاحقة دولة اسرائيل ومسؤوليها بسبب ارتكابهم أعمالا ضد الإنسانية وجرائم حرب بحق الشعب الفلسطيني وبحق الأسرى، وخاصة أن دولة فلسطين ستكون عضوا في محكمة الجنايات الدولية.

ويخشى الإسرائيليون أن يقدم كبار قادتهم وضباطهم أمام المحاكم الدولية بسبب إصدار أوامر وتعليمات لأفراد قواتهم المسلحة تقضي بضرورة امتناعهم عن معاملة أفراد المقاومة الذين يسقطون في أيديهم كأسرى حرب، إضافة الى فتح المجال أمام ملاحقة المجرمين الإسرائيليين أمام المحاكم الوطنية للدول التي قبلت بفتح ولايتها القضائية أمام هذه القضايا.

ويكتسب الأسرى الفلسطينيون في حالة الاعتراف الدولي بالدولة الفلسطينية المستقلة عدة مميزات أولها الصفة الشرعية القانونية باعتبارهم أسرى حرب ومقاتلين شرعيين، والثانية أسرى دولة مستقلة محتجزين كرهائن يتوجب إطلاق سراحهم فورا وإلغاء كافة الإجراءات والأحكام غير القانونية التي صدرت بحقهم، وثالثا حقهم في رفع دعاوى ضد اسرائيل عن ممارسات وانتهاكات ارتكبت بحقهم خلال اعتقالهم واحتجازهم.

 

ويشكل الاعتراف أهمية أخرى من حيث الضغط على المجتمع الدولي لعقد مؤتمر للدول الأطراف باتفاقيات جنيف الأربع لبحث موضوع المعتقلين الفلسطينيين وحقوقهم وطبيعة الالتزامات القانونية الناشئة على عاتق المحتل الإسرائيلي، وخاصة بعدم قانونية استمرار احتجاز أسرى في أراضي الدولة المحتلة.

التوجه للأمم المتحدة خطوة الى الأمام ، وخطوة تضع الكرة في ملعب المجتمع الدولي ومؤسساته، ولهذا تعتبرها اسرائيل كارثة ، وأن أبواب جهنم ستفتح أمامها حتى لو اتخذ مجلس الأمن من خلال الفيتو الأمريكي موقفا ضد الاعتراف بالدولة ، فحق تقرير المصير للشعب الفلسطيني يصبح العنوان الأساسي والأهم الذي على كافة الدول تحديد مسؤولياتها ودورها لتحقيقه وتنفيذه على أرض الواقع.