إضراب المعتقلين الإداريين إلى أين..؟؟
بقلم/ عبد الناصر فروانة
أسير محرر ومختص بشؤون الأسرى
22-6-2014
الإضراب عن الطعام شكل من أشكال النضال والمواجهة والمقاومة السلمية التي لجأ إليها الأسرى الفلسطينيون والعرب ضد السجان الإسرائيلي، للذود عن كرامتهم، ومن أجل الدفاع عن حقوقهم المشروعة، ولانتزاع الحقوق الأساسية المسلوبة الخاصة بالفرد أو الجماعة.
ولم يكن الإضراب عن الطعام مجرد موقف ضد إدارة السجون، لتحسين أوضاع بائسة وكسب مواقع وحسب، وإنما كان تعبيراً عن قيم وأخلاق المقاومة، وفرض الذات، والتأكيد على الحق في الوجود والتنظيم والحياة بكرامة وعزة.
ورغم علم الأسرى بأن الإضرابات عن الطعام المختلفة وخاصة المفتوحة منها، قد تؤذي صحتهم وتؤدي إلى تدهورها، أو إلى موت بعضهم، كما حدث مع أبو الفحم وحلاوة والجعفري واسحق مراغة وغيرهم، إلا أنهم واصلوا إضراباتهم كخيارات أخيرة لا بديل عنها، كلما شعروا بفشل الوسائل النضالية الأخرى الأقل ألماً وقسوة.
ومعركة الإضراب عن الطعام، معركة ضد السجان وما يمثله، مثلها مثل أي معركة أخرى، وهي ليست هدفاً بحد ذاته، بل هي الخيار الأخير، الذي يلجأ له الأسرى رغماً عنهم، ويتوجب عليهم الإعداد لها وتوفير عوامل وعناصر إستمراريتها وصولاً لانتصارها ، ولا يستطيع الأسرى خوضها دون أن يتقنوا أدواتها.
وفي الرابع والعشرين من نيسان/إبريل الماضي لجأ نحو (120) معتقلاً فلسطينياً إلى خيار الإضراب المفتوح عن الطعام وبدأوا معركتهم ضد السجان احتجاجاً على استمرار اعتقالهم إدارياً دون تهمة أو محاكمة، ومطالبين إلغاء سياسة الاعتقال الإداري. وانضم إليهم في أوقات لاحقة العشرات من الأسرى الإداريين والمحكومين كخطوة تضامنية وإسنادية لمعركتهم.
ولا شك بأن إضرابهم عن الطعام - بالرغم مما كان ينقصه وما تخلل مسيرته خلال الشهرين الماضيين من ثغرات - قد أحدث حراكاً نضاليا داخل السجون وخارجها، وأعاد بقضيتهم إلى صدارة الاهتمامات الفلسطينية، وفتح ملف الاعتقال الإداري أمام المؤسسات الدولية.
وإسرائيل جندت كل طاقاتها ووظفت كل إمكانياتها، ليس لوقف الإضراب وإفشاله فقط، وإنما للقضاء على روح المواجهة وثقافة المقاومة خلف قضبان سجون المحتل، ولم تنجح في تحقيق ذلك أمام صمود وإصرار الأسرى المضربين وقوة إرادتهم.
واليوم وبعد شهرين من بدء المعركة، لا بد من وقفة شاملة، على ضوء المستجدات السياسية والأمنية التي شهدتها المنطقة لا سيما في الضفة الغربية، وحملة الاعتقالات الواسعة التي شنتها قوات الاحتلال الإسرائيلي وطالت المئات من المواطنين ومحرري صفقة "شاليط" والنواب والوزراء السابقين وتحويل العشرات منهم إلى الاعتقال الإداري، بالإضافة إلى التعاطف الدولي مع قضية المستوطنين الثلاثة (المختفيين)، أرى بأنه لا بد من وقفة شاملة وجريئة من قبل الحركة الأسيرة كافة، وقيادة الإضراب خاصة، لدراسة وتقييم مسيرة الإضراب والظروف الراهنة على كافة الصعد، واتخاذ القرارات المناسبة ووضع آلية لاستيعاب المعتقلين الجدد، ومواجهة التحديات الجديدة والمستجدات الأخيرة والإجراءات القمعية التي اتخذتها إدارة السجون وتهدد بتطبيقها على الأسرى كافة على اختلاف انتماءاتهم للتضييق عليهم والانتقام منهم على أثر عملية اختفاء المستوطنين الثلاثة في الخليل.
مع الأخذ بعين الاعتبار ضعف الدعم والمساندة الرسمية والشعبية والفصائلية والمؤسساتية، وانشغال القادة ورجال السياسة في المصالحة والمحاصصة وحكومة التوافق واستحقاقات المرحلة، فيما الشباب وحتى الكبار تجذبهم شاشات كأس العالم وتشد اهتماماتهم الكرة المستديرة، والطلاب منهمكون في امتحانات الثانوية العامة، وباقي أبناء الشعب يتابعون القصف على غزة، وتطورات الأحداث الأمنية والقمع الإسرائيلي والاعتقالات الجماعية في القدس والضفة الغربية.
وبالرغم مما ينفذ هنا وهناك من فعاليات وأنشطة تضامنية وما تفرده وسائل الإعلام من مساحات لقضيتهم، وجميعها تُقدر وتُحترم، إلا أن حضور(الإضراب) قد تراجع بعد اختفاء المستوطنين الثلاثة وبدء الحملة الإسرائيلية الأخيرة، وقد يتراجع حضوره أكثر مع قادم الأيام في ظل اشتداد الهجمة الإسرائيلية ضد شعبنا و حلول شهر رمضان المبارك،.
كنت قد قلت قبل أسبوع (15-6) على صفحتي (الفيسبوك) إذا ثبتت عملية الخطف ، وتأكد أن الخاطفين يهدفون من ورائها إلى إسناد الأسرى والمطالبة بإطلاق سراحهم، فعلى المعتقلين الإداريين إنهاء إضرابهم بشكل كامل ومن طرف واحد، لأسباب كثيرة يمكن تلخيصها بأن قواعد وظروف المواجهة قد تغيرت !.
واليوم وبعدما أكدت إسرائيل أنها عملية اختطاف، أرى بان رسالة المضربين قد وصلت وأهداف الإضراب قد تحققت وقواعد اللعبة قد تغيرت، وملف الاعتقال الإداري انتقل من أمعاء المضربين إلى أيدي الخاطفين، وأن إنهاء الإضراب أو تعليقه على قاعدة أن الانسحاب من المعركة لترتيب الأوراق المبعثرة والحفاظ على المقدرات وتجنب الضربات القادمة والمتوقعة، لا يعتبر هزيمة في عالم الحروب وساحات المعارك .
وبتقديري الظروف اليوم تتشابه مع تلك التي واكبت إضراب الأسرى عام 2004، وأخشى أن تكون النتائج على الحركة الأسيرة برمتها أسوا من تلك التي أعقبت ذاك الإضراب فيما لو استمر الإضراب بظروفه الحالية، واشتدت الهجمة على الأسرى كافة والمضربين خاصة، دون أن ننجح - ولن ننجح- في تفعيل العوامل الذاتية والعناصر الأساسية وأهمها وحدة الموقف داخل السجون واتساع أعداد وفئات المضربين،من جهة، وتفعيل المساندة خارج السجون على كافة الصعد والمستويات من جهة ثانية.
أدرك بأن رأيي هذا مؤلم ولربما يدفع البعض للمزاودة، ولكن لا بأس، فحرية الرأي مكفولة ، والجرأة في بعض الأوقات مطلوبة، والاختلاف في الرأي لا يفسد للود قضية، وعلينا أن ندق جدران الخزان دون أن نسمح لأنفسنا بالتدخل في شؤونهم أو التأثير على قرارهم، فهم الأقدر على تقييم ظروفهم والأجدر منا على اتخاذ القرار المناسب، ونحن ملزمون بتبني ما يصدر عنهم ودعم ما يقررونه من خطوات، حتى وان خالفت قناعاتنا الشخصية.
وفي الختام لا بد من التأكيد الدائم، أبدا ودوما، على أن قرار وقف الإضراب أو تعليقه أو الاستمرار به هو من حق المضربين في السجون الإسرائيلية بالدرجة الأولى، إذ لا يحق لأحد أن يقرر في هذا الشأن سوى قيادة الإضراب، ونحن ملزمون بدعم المضربين عن الطعام وإسنادهم حتى لو بقىّ أسير واحد مضرب عن الطعام، انطلاقاً من واجبنا الوطني والإسلامي والأخلاقي تجاههم، ولا يمكن أن نتنصل منه أو نتخلى عنه، بأي حال من الأحوال، فقضية الأسرى هي قضيتنا، ومعركتهم هي معركتنا جميعا.
- مقابلة أجرتها مجلة عسقلان مع عبد الناصر فروانة حول الإعتقال الإداري وإضراب الأسرى 28/5
- فروانة : المعتقلون المضربون انتصروا لقضيتهم وكرامتهم
- أكثر من ثلاثين يوما ومعركة الأسرى مستمرة بقلم/ عبد الناصر فروانة (عربي-انجليزي) 24/5