فلسطين خلف القضبان www.palestinebehindbars.org
|
الشعبية وحشد غير مسبوق قُدر بمئة ألف مشارك ..
* بقلم / عبد الناصر عوني فروانة
14-12-2009
مائة ألف مواطن ، أكثر أو أقل من ذلك بقليل ، زحفوا أول أمس الى ملعب فلسطين وسط مدينة غزة .. للمشاركة في مهرجان الانطلاقة الذي نظم لإحياء الذكرى الـ42 لإنطلاقة " الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين " تحت شعار " بالوحدة والمقاومة والصمود .. سننتصر " .
فوكالات الأنباء المستقلة قدرت المشاركين داخل ساحة وفوق مدرجات الملعب بقرابة سبعين ألف مشارك ، فيما قُدر عدد من هم خارج الأسوار وبعيداً عن الأضواء والكاميرات بثلاثين ألفاً .
وبتقديري فيما لو سُمح بتنظيم هذا المهرجان في ساحة كبيرة ومفتوحة كالكتيبة ، وأجيد تنظيمه من حيث توزيع الكراسي والمساحات والممرات فيما بينها ، لظهر هذا الزحف وكأنه ربع مليون مواطن .
مائة ألف مواطن ، هو حشد ليس بالقليل في قطاع غزة في ظل الظروف القائمة والمعقدة ، وهو حشد غير مسبوق على الإطلاق لتنظيم مقاوم كالجبهة الشعبية ، فقير لا يملك من الإمكانيات المادية سوى القليل القليل ، ويعاني دوماً من أزمات مالية ، ومستهدف دائماً من قبل الإحتلال الإسرائيلي .
لهذا شكَّل هذا الحشد مفاجأة للجميع ، بل وربما البعض ذُهل به ولم يتوقعه ، ولربما أيضاً فاجأ قيادة الجبهة الشعبية التي لم تكن تتخيل أنها ستستقبل هذا الزحف الهائل جداً من أعضائها وأنصارها ومؤيديها وأصدقائها ، وإلا لما وافقت بتقديري على تنظيمه في ملعب مغلق لم يتسع للزاحفين من كل أنحاء القطاع ، وبقيّ الآلاف خارج أسواره .
رجالاً ونساءً ، شباناً وشيوخاً، شبيبة وشيبة ، أطفالاً وفتيةً وفتيات ، زحفوا حباً واخلاصاً ووفاءً للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين ، وتعبيراً عن رفضهم للواقع المرير الذي يحياه قطاع غزة والذي لم يعد يُحتمل ، ورفضاً للإنقسام وتداعياته وتأثيراته المدمرة وما أحدثه من شرخ عميق في النسيج الإجتماعي ككل .
زحفوا وفاءاً لدماء شهدائها جورج حبش ، أبو علي مصطفى ، غسان كنفاني ، وديع حداد ، جيفارا غزة .. ولمعاناة أسراها رموز المقاومة الرفاق أحمد سعدات وأبطال عملية السابع عشر من أكتوبر عاهد أبو غلمة ، مجدي الريماوي ، باسل الأسمر وحمدي قرعان .
زحفوا وفي عيونهم نظرات التحدي والإصرار ، لمن حاول التقليل من حجمهم ، والتشكيك في قدراتهم وشعبيتهم ، ولمن نعي جبهتهم سابقاً ، ورداً على من حرمهم ومنعهم من الإحتفاء مع الجماهير العريضة الواسعة التي تزداد وتتسع يوماً بعد يوم ، في فناء " الكتيبة " ، وكأن لسان حالهم كان يقول : أن ملعب فلسطين لن يقيد حضورنا ولن يوقف زحفنا وأن ساحة الكتيبة كان يفترض أن تكون قبلتنا .
الشعبية عصية على الانكسار أو الاندثار ، ويُصعب تغييبها أو تهميشها
ولهذا زحف عشرات الآلاف من أعضاء وأنصار ومؤيدي الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين ، وهم يحملون الرايات الحمراء ، في مسيرات ومشاهد لم يعتد عليها القطاع منذ زمن بعيد ، لا لشيء ، سوى لأن يقولوا للجميع بأن الجبهة الشعبية لم ولن تمت ، وأنها عصية على الإنكسار أو الإندثار أو التغييب والتهميش ، وأن مطالبتهم باقامة المهرجان في ساحة الكتيبة كان له دوافعه وما يبرره ، وهم ليسوا أقل شأناً أو حجماً أو حشداً من الآخرين .
وبهذه المناسبة لا يسعني إلا أن أهنئ الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين قيادة وكوادر وأعضاء وأنصار ومؤيدين في الوطن والشتات بالذكرى الثانية والأربعين لإنطلاقتها ، باعتبارها تاريخ ساطع وارث نضالي عريق ليس للشعبية فحسب ، بل وللشعب الفلسطيني كافة .
وأثمن عالياً كل الجهود التي بُذلت لإخراج هذا المهرجان بهذا الشكل الرائع من حيث الحشد والحضور الهائل ، على الرغم مما تخلل المهرجان من ثغرات يمكن أن تُسجل في موضوع التنظيم الداخلي وبروز بعض مظاهر الفوضى أحياناً، والتي من الممكن أن تكون بسبب التدفق والتوافد الجماهيري الهائل .
ولطالما أننا نتحدث عن الإنطلاقة والمهرجان والزحف الهائل فاسمحوا لي أن أتقدم ببعض الملاحظات التي أرى بأنها ضرورية للجبهة الشعبية :
- أولاً : عدم تنظيم أية مهرجانات كبيرة لاحقة في أماكن مغلقة مهما كان مساحتها وسعتها ، والإصرار على إقامتها وتنظيمها في أماكن وساحات مفتوحة ، وساحة الكتيبة هي ليست حكراً لأحد .
- ثانياً : الاحتفال بذكرى الانطلاقة الـ 42 ، يجب أن لا تنتهي بانتهاء المهرجان المركزي ، وبالتالي يجب أن يستمر إقامة وتنظيم المهرجانات والفعاليات في مناطق متعددة هنا وهناك .
- ثالثاً : كان يجب على اللجنة المنظمة للمهرجان أن تقلل وتختصر من الكلمات وأن تنتقي متحدثين أكفاء .
- رابعاً : على الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين أن تتقدم رسمياً بالشكر والتقدير لكل من شارك في المهرجان من حركة فتح وبغض النظر عن أعدادهم ، فمشاركتهم عكست عمق العلاقة وأواصرها ومتانتها .
- خامساً : على الجبهة الشعبية أن تتقدم رسمياً بالشكر أيضاً الى تلفزيون فلسطين الذي أفرد مساحات واسعة لهذه المناسبة من حيث عرض بعض الفقرات اراعة والأغاني والأناشيد والصور المؤثرة واللقاءات خلال الأيام الماضية ، بالإضافة الى بث المهرجان كاملاً مساء ذاك اليوم .
- سادساً : أدعو قيادة الشعبية الى التفكير جدياً في كيفية الاستفادة من هذا الحشد والبحث عن آليات للتواصل معه ، وإعادة النظر بالنظام الداخلي الخاص بالجبهة والذي مضى عليه عقود ، وتحديداً بالصيغ التنظيمية القديمة التي تربط وتنظم العلاقات الداخلية فيما بين الأعضاء والرفاق ككل ، وإيجاد آليات تنظيمية وجماهيرية مستحدثة تراعي الوضع القائم وحالة العمل شبه العلني ، وتكفل وتضمن التواصل والتشابك مع كل من انتمى يوما للجبهة دون المساس بجوهر العمل التنظيمي وأبجدياته ومعاييره ومحاذيره الأمنية.
وفي السياق ذاته إطلاق حملة تحت عنوان " التواصل الاجتماعي الرفاقي " بهدف تعزيز العلاقات الاجتماعية والرفاقية فيما بين جميع من شاركوا ومن لم يشاركوا ، من خلال زيارات مكوكية لهم وخاصة لمن شاركوا في المهرجان ، على أن تتوجه لهم وفود رفاقية رسمية تضم نخبة من الرفاق والشخصيات القيادية ، لما لذلك من آثار معنوية ايجابية على الجميع .
حيث لوحظ مشاركة عدد كبير جداً من الرفاق القدامى ، ممن انتموا للجبهة منذ عشرات السنين وابتعدوا عنها لأسباب مختلفة ، وعدد هائل من الرفاق ممن يطلق عليهم " المستنكفين " أو البعيدين عن العمل التنظيمي وخارج الأطر التنظيمية والشعبية الرسمية ، وهذا يعكس مدى عمق انتماء الرفاق وارتباطهم المصيري الأبدي بالجبهة الشعبية لتحرير فلسطين ، وهذا يعني أيضاً ان من انتمى يوماً للشعبية ليس من السهل أن يتخلى عن انتمائه هذا .
- الحذر من الاستمرار في التعامل مع من هم خارج الإطار والعمل التنظيمي على أنهم خارج إطار الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين ، فالمهرجان والمناسبات والتجارب السابقة أثبتت عدم صوابية ذلك ، حيث أن أعداد من هم خارج الإطار التنظيمي تفوق من هم داخل التنظيم بعشرات المرات وهم ليسوا أقل إخلاصا للجبهة ودماء الشهداء ومعاناة الأسرى من أولئك الفاعلين في الأطر التنظيمية .
وفي الختام نقول بأن غزة التي انتفضت أول أمس لم ولن تخون دماء جيفارا غزة الذي لقن الإحتلال دروساً في المقاومة المسلحة وجعل من غزة مقبرة للغزاة ومن رمالها ألغاماً تتفجر تحت أقدامهم ، غزة التي كانت دوماً منبع الثوار ، تنتفض من جديد وتلد مائة ألف جيفارا .
وليس مهماً حجم ومساحة اتفاقنا أو اختلافنا مع الجبهة الشعبية ، فإنها ستظل إرثاُ عريقاً ، واسماً ساطعاً ومسيرة رائدة ، وتاريخاً مشرقاً ، لا يمكن تجاوزه أو القفز عنه .
ستبقى تاجاً على رؤوسنا ، و سيبقى لها فينا مكانة ، وفي قلوبنا متسع كبير من المساحة ، نعتز بها ، بتاريخها وموقعها النضالي ، بإرثها ومكانتها التاريخية ، بدورها في تعزيز الوحدة الوطنية ، بمسيرتها وتجاربها خلف قضبان سجون الإحتلال ، بماضيها البعيد والقريب ، وبحاضرها ، ونأمل أن نراها كما يفترض أن تكون دوماً فاعلة ومؤثرة ، ناشطة وقوية ، وفية لدماء الشهداء ومعاناة وآمال الأسرى ، وأن تساهم مع باقي الفصائل الوطنية بفاعلية أكثر في الحفاظ على منظمة التحرير الفلسطينية وتفعيلها ، وفي صون المشروع الوطني الفلسطيني ، واستمرارية النضال حتى تحقيق أهداف شعبنا الكاملة والمشروعة .