هم يستشهدون ونحن فقط نفخر باستشهادهم ... !!

سياسة الإهمال الطبي بدأت مع بداية الإحتلال ولا زالت مستمرة ..؟

واستخدام الأسرى حقول تجارب لأدوية خطيرة يزداد ويتسع دون رادع ؟

 

*اعداد / عبد الناصر عوني فروانة

1 أيلول / سبتمبر 2007

 

هم يستشهدون ونحن فقط نفخر باستشهادهم ، ونتغنى بصمودهم ، دون أن نفعل شيئاً جوهرياً يوقف معاناتهم وينقذ حياتهم من الاستهتار المتواصل من قبل إدارة مصلحة السجون ومن خلفها سلطات الاحتلال الإسرائيلي ، وتمضي السنوات ويستمر هذا المسلسل دون أن نضع حداً لتزايد أعدادهم وامتداد قائمتهم ، ومنذ العام 1967 ولغاية الآن استشهد في السجون الإسرائيلية نتيجة الإهمال الطبي فقط ( 46 ) أسيراً منهم ( 15 ) أسير خلال انتفاضة الأقصى ، وكان آخر من استشهد نتيجة الإهمال الطبي هو الأسير عمر المسالمة بتاريخ 25 آب الماضي ، وقبله بأيام كان الأسير الشهيد شادي السعايدة ، ومن قبلهما وخلال هذا العام كانا الشهيدان ماهر دندن وجمال السراحين ومن قبلهم العشرات ، ولا أعرف مَن مِن الأسرى سيحمل الرقم 47 ؟ .. لكن من المؤكد إذا بقيت الأمور على حالها ، وردة الفعل كما نراها سنرى قريباً مَن يحمل الرقم 47 و48 و49 ..!!

وكنت قد حذرت في أعقاب استشهاد الأسير السعايدة بتاريخ  31 تموز الماضي ، وقلت آنذاك إذا ما بقيت الأوضاع على حالها فإننا مقبلون على استقبال المزيد من الأسرى على توابيت الموت ، وبعد أقل من شهر وبتاريخ 25 آب استشهد الأسير عمر المسالمة ، وقلت حينها بأن الاستهتار بحياة الأسرى وصل ذروته ، وأصبح يشكل ظاهرة ، نتيجة لغياب الرادع الحقيقي في ظل الصمت الدولي وغياب المؤسسات الحقوقية والدولية وفي مقدمتها منظمة الصليب الأحمر الدولي .

 ولكن ما أخشاه اليوم هو أن يصبح استقبال الأسرى على توابيت الموت أمراً طبيعياً ، ومشهداً مألوفاًً و خبراً صحافياً سهل استقباله ! 

الأوضاع الصحية استثنائية وخطيرة

ولا يخفى على أحد طبيعة الأوضاع المأساوية التي تشهدها السجون بشكل عام ، والأوضاع الصحية الخطيرة بشكل خاص ، والتي تندرج في إطار سياسة الإهمال الطبي المتعمد والمبرمج بهدف تفاقم معاناة الأسرى و قتلهم ببطء ، أو تحويلهم لأجساد فارغة هشة مريضة وعالة على أسرهم وشعبهم بعد التحرر ، بعد أن فشل الاحتلال من إفراغهم من محتواهم الوطني والثوري .

وسجل الانتهاكات الصحية طويل جداً

وسجل الانتهاكات الصحية طويل جداً وعلى سبيل المثال لا الحصر ،افتقار السجون لعيادات كاملة ومجهزة والموجودة ما هي إلا عيادات شكلية تفتقر إلى الأدوية المناسبة وغير الناجعة كما وتفتقر إلى أطباء اختصاصيين، ولمشرفين ومعالجين نفسيين ..الخ

، هذا بالإضافة لسوء الأوضاع وسوء التغذية كماً ونوعاً وقلة العناصر الغذائية الأساسية وشحة المواد المحتوية على الكالسيوم ، و الدور اللاإنساني للطبيب الذي يقوم بدور المُعَذِب والمُحَقِق ويتحول لرجل أمن ويتعامل مع الأسير المريض على أنه عدو ، وتتحول " العيادة " إلى مكان للإبتزاز والمساومة والضغط بهدف الإعترافات أو التعامل مع سلطات الإحتلال وتقديم معلومات عن الآخرين ، وبالمناسبة الجندي يمكن أن يتحول إلى ممرض بعد دورة 6 شهور فقط ، وكثيراً ما تجد جندياً أو شرطياً يغيب عن السجن ستة شهور ليعود بعدها بزي ممرض ؟.

ونظراً للأوضاع البائسة التي يعيشها الأسرى عموماً ، والتي تفتقد للحد الأدنى من المقومات الإنسانية والمعيشية والصحية، فان غالبية المعتقلين إن لم نقل جميعهم يعانون من أمراض مختلفة ، لكن الملفت أن هناك ما يزيد عن ( 1000 ) ألف معتقل بينهم من يعانى من أمراض خطيرة جداً كأمراض القلب والسرطان والفشل الكلى والسكري والشلل النصفي ، وهناك حالات عديدة مصابة بأمراض عصبية ونفسية وعدد كبير من الجرحى والمصابين بالشلل والمبتورة أياديهم أو أقدامهم وأرجلهم ، وهؤلاء جميعاً لا يتلقون الرعاية الصحية المناسبة .

وهناك الكثير من المعتقلين كانوا يعانون من أعراض مرضية بسيطة ، ولكن نتيجة المماطلة في إجراء  التحاليل الطبية والتسويف في تقديم العلاج ، تفاقمت تلك الأعراض و استفحلت وتحولت لعاهات مستديمة وأمراض خطيرة ومزمنة يصعب علاجها .

الأسـرى حقول تجارب لأدوية خطيرة

ولم يقتصر الأمر على سياسة الإهمال الطبي ، بل امتد الإجرام إلى استخدام الأسرى حقول لتجارب بعض الأدوية  ، فلقد كشفت عضو الكنيست الإسرائيلي ورئيس لجنة العلوم البرلمانية الإسرائيلية سابقاً ( داليا ايزيك) النقاب في تموز 1997  - أي قبل عشر سنوات - ، عن وجود (1000) ألف تجربة لأدوية خطيرة تحت الاختبار الطبي تجري سنوياً على الأسرى الفلسطينيين والعرب ، وأضافت في حينه أن بين يديها وفي حيازة مكتبها ألف تصريح منفصل من وزارة الصحة الإسرائيلية لشركات الأدوية الإسرائيلية الكبرى لإجراء ألف تجربة دوائية على معتقلين فلسطينيين وعرباً داخل السجون الإسرائيلية.

كما كشفت ( أمي لفتات) رئيس شعبة الأدوية في وزارة الصحة الإسرائيلية أمام الكنيست في ذات الجلسة أن هناك زيادة سنوية قدرها 15% في حجم التصريحات التي تمنحها وزارتها لإجراء المزيد من تجارب الأدوية الخطيرة على الفلسطينيين والعرب في السجون الإسرائيلية كل عام .

 وهذا يعني أن الأمور تسير باتجاه توسيع الجريمة وتزايد عدد المُعرَضين لها ، وليس العكس ، وبغطاء قانوني وبواسطة وزارة الصحة الاسرائيلية التي تمارس الإشراف والمتابعة وإعداد الدراسات العلمية حول مدى استجابة المعتقلين للأدوية والحقن والمواد الكيميائية التي يتعرضون لها ، وهذه الممارسات تعكس وبصورة واضحة مقدار العنصرية التي يشهدها النظام الإسرائيلي ككل ، إذ ان استخدام الأجساد البشرية عنوة ودون معرفة الشخص المعني لأغراض التجارب تعد تجاوزاً خطيراً لإنسانية الإنسان وانتهاكا لكرامته، واعتداء على حقه في الحياة وامتهان لكرامته .

وهناك أمثلة كثيرة لأسرى وأسيرات حقنوا بإبر لم يروها من قبل ، أدت لتساقط شعرهم وشعر وجههم للأبد ، وهناك أسرى فقدوا أبصارهم وشعورهم ، وآخرون فقدوا عقولهم ، وآخرون حالتهم النفسية في تدهور مستمر ، وآخرون يعانون من العقم وعدم القدرة على الإنجاب وآخرون ... الخ  

وإذا كان الحديث يدور عن ألف تجربة قبل عشر سنوات ، وزيادة مقدارها 15 % سنوياً ، فاليوم يدور الحديث عن أكثر من ثلاثة آلاف تجربة سنوياً ، خاصة مع التضاعف الكبير لأعداد المعتقلين خلال انتفاضة الأقصى والذي وصل عددهم إلى أكثر من ستين ألف معتقل ، بقىَّ منهم في السجون والمعتقلات لغاية الآن قرابة ( 11000 ) معتقل  .

وهذا يتناقض بشكل فاضح مع كافة المواثيق والأعراف والإتفاقيات الدولية وخاصة اتفاقية جنيف الرابعة في مادتها الثالثة عشر  من الباب الثاني ( يجب معاملة أسرى الحرب معاملة إنسانية في جميع الأوقات ويحظر أن تقترف الدولة الحاجزة أى فعل أو اهمال غير مشروع يسبب موت أسير في عهدها ، ويعتبر انتهاكاً جسيماً لهذه الإتفاقية ، وعلى الأخص لا يجوز تعريض أي أسير حرب للتشويه البدني أو التجارب الطبية أو العلمية من أي نوع كان مما لا تبرره المعالجة الطبية للأسير المعني أو لا يكون في مصلحته ) .

الأسرى المحررون يعانون من أمراض ورثوها عن السجون

وبالمناسبة الأمر لا يقتصر على الأسرى داخل الأسر ،  بل تمتد آثاره إلى ما بعد التحرر وهذا ما أكدته بعض الدراسات العلمية التي أثبتت أن الأمراض التي بدأت تظهر على الأسرى السابقين لها علاقة دالة إحصائياً بالسجن وأمراضه وسياسة الإهمال الطبي ، بمعنى أنه من المحتمل أن آثار تلك المواد التي تستخدم في تلك التجارب ، بالإضافة إلى آثار سياسة الإهمال الطبي التي تفاقم الأعراض ومع الوقت تصبح مزمنة ومستعصية ، هي السبب في وفاة المئات من الأسرى السابقين بعد تحررهم .

ولهذا فالأمر يستوجب منح جميع الأسرى المحررين الإعفاء الكامل لعمل فحوصات كاملة وشاملة وبصورة دورية ، مرة كل عام للتأكد من خلوهم من الأمراض وإذا ما ظهرت بعض الأمراض فمن الواجب توفير العلاج الضروري لهم .

النازيون أول من استخدموا الأسرى في التجارب

وأول من استخدم الأسرى للتجارب هم النازيون ، وأسهبوا في ذلك داخل معسكرات الاعتقال والأسر التابعة للجيش الألماني خلال الحرب العالمية الثانية ، ويعتبر الطبيب الألماني النازي " جوزف مينجيلي " أشهرهم ، ومع نهاية الحرب العالمية الثانية ، نجح في الهرب إلى الأرجنتين وعاش متخفيا طوال الوقت وانتقل إلى الباراجواي ثم استقر في ايمبو وهي مدينة صغيرة قرب ساوباولو بالبرازيل وتوفي عام 1979 دون أن يعاقب على جرائمه ، وفي أواخر العام 2004 م تم اكتشاف 85 رسالة ومذكرة كتبها مينجيلي لكن حتى الآن لم يتم الإفصاح عن فحواها والأمثلة كثيرة ولا مجال لسردها هنا .

وجميع الأشخاص الذين تعرضوا للتجارب فإما تم قتلهم لتحليل النتائج والبيانات ، أو ماتوا لاحقاً متأثرين بآثار تلك العمليات .

وبالرغم من أن لدينا أمثلة كثيرة من تجارب النازيين ، إلا أنني أسوق مثالاً واحداً يحمل تشابه كبيراً ، حيث أنه كان يتم ضخ السموم في طعام الأسرى آنذاك لمعرفة مدى تأثير أنواع السموم على البشر ولتشريح أجساد من يتوفوا منهم ، وهنا  يحضرني حالات كثيرة جرى خلالها تسمم جماعي للأسرى الفلسطينيين والعرب في بعض السجون والمعتقلات الإسرائيلية  ، ولا استبعد بأن تكون الأحداث قد حدثت عمداً .

 

الخلاصة :

سياسة الإهمال الطبي بدأت مع بدايات الإحتلال واستمرت ليومنا هذا وبوتائر متصاعدة ، والكشف عن إجراء تجارب لأدوية خطيرة على الأسرى مرَ عليه عشر سنوات ؟ وكنا قد تطرقنا لذلك في دراستنا حول شهداء الحركة الأسيرة في أغسطس عام 2005 ،  وحذرنا من استمرارها ومن استمرار تسخير الأسرى لتنفيذ تلك التجارب عليهم وناشدنا بضرورة العمل على وقفها وملاحقتها قانونياً والعمل على إنقاذ الأسرى .

و السؤال ماذا فعلنا من أجل وقف سياسة الإهمال الطبي ؟ بدءاً من تاريخ استشهاد الأسير أبو الفحم عام 1970 ، ومروراً باستشهاد الأسرى الجعفري وحلاوة ومراغة وعمرالقاسم والعرعير وأبو هدوان وليس انتهاءاً بالسعايدة والمسالمة ؟

ماذا فعلنا للحد من تأثيرات تلك السياسة على الأسرى المحررين الذين رحل منهم المئات نتيجة لظروف مرضية صعبة أمثال فايز بدوي وأبو مذكور ونافذ الخالدي وشيبوب ومنصور ثابت وأبو رفعت نعيرات وعبد الرحيم عراقي ومراد أبو ساكوت وهايل أبو زيد .. إلخ ، وبقىَّ الآلاف منهم يعانون من أمراض مختلفة .

ماذا فعلنا من أجل توثيق مجمل تلك الحالات ؟

ماذا فعلنا لوقف تجارب الأدوية وملاحقة المجرمين ؟ وأين دور أعضاء الكنيست العرب والمنظمات القانونية وحقوق الإنسان في فلسطين وفي العالم أجمع ؟

أعتقد ومن خلال متابعتي الشخصية ليس هناك شيئاً فُعل ويستحق الذكر هنا ، ولم أسمع أن قُدم أحد المجرمين لمحاكمة دولية ، ولم أسمع بأنه سبق وأن أجريت ولو مرة واحدة محاكمة لمجرمي الحرب الإسرائيليين على ما اقترفوه ويقترفونه من جرائم بحق الأسرى المرضى وإجراء التجارب على الأسرى ، ولو محاكمة صورية !

ولهذا استمر المجتمع الدولي في تخاذله وانحيازه ،واستمرت سياسة الإهمال الطبي وتمادت سلطات الإحتلال باستهتارها بحياة الأسرى ، واستمرت التجارب على الأسرى ، واستمرت قافلة الشهداء من الأسرى في المضي والتزايد .

 فحجم الفعل الوطني والقومي لا يساوي حجم المعاناة التي يعانيها الأسرى ولا يوازي حجم المخاطر التي يتعرضون لها .

تحرك وزارة الأسرى يؤمل منه أن يشكل بداية عهد جديد في التعامل مع قضيا الأسرى

 وسُعدت قبل ايام بتصريح وزير الأسرى أشرف العجرمي ، حينما قال لقد شكلنا لجنة من قانونيين وأطباء ومختصين للتحقيق في ظروف استشهاد مسالمة والسعايدة والظروف الصحية التي يعيشها الأسرى بشكل عام ، وأتابع عن كثب نشاطات الوزارة المميزة في الآونة الأخيرة والتي تستحق الإشادة .

وآمل أن يشكل ذلك خطوة إلى الأمام وأن يشكل بداية عهد جديد في التعامل مع قضايا الأسرى ، وآمل أن تتوحد كافة الجهود الوطنية والقومية على اعتبار أن قضية الأسرى هي قضية وطنية وقومية ، وذلك بهدف الضغط على المجتمع الدولي لإجباره على التحرك العاجل وتحمل مسؤولياته الأخلاقية والإنسانية ، لإنقاذ الأسرى وخاصة المرضى منهم ، وإجراء العمليات الجراحية عاجلة لمن هم بحاجة لها ، والتحقيق في الظروف الصحية الخطيرة التي تشهدها السجون والمعتقلات الإسرائيلية ، وملاحقة مجرمي الحرب أمام المحاكم الدولية  .

 

* أسير سابق وباحث متخصص بقضايا الأسرى ومدير دائرة الإحصاء بوزارة شؤون الأسرى والمحررين

 

مواضيع ذات صلة حول الإهمال الطبي والتجارب

( فروانة : إدارة مصلحة السجون تتبع سياسة الإهمال الطبي بهدف قتل الأسرى )  

 

في تقرير شامل عن الشهداء فروانة : الإهمال الطبي خطر خبيث يهدد حياة المئات من الأسرى المرضى

 

الأسرى المرضى لا زالوا يكبلون بالأصفاد داخل المستشفيات

 

واضغط هنا للإطلاع على ملف كامل عن شهداء الحركة الأسيرة

 

نشر اليوم الأحد 15-3-2009 على الصفحة الثامنة من صحيفة الحياة الفلسطينية

تنويه : نشر تقرير في عدد يوم الجمعة الموافق 13-3-2009 من جريدة الحياة الجديدة بعنوان ( الأسرى الفلسطينيون "فئران تجارب" للأدوية الإسرائيلية ) ، وللإنصاف فان الباحث المختص في شؤون الأسرى، مدير دائرة الإحصاء بوزارة الأسرى عبد الناصر فروانة، قد ساهم فيه بشكل يستحق عليه التقدير ... لذا فاقتضى التنويه 

 

- خلال مشاركته في ملتقى الجزائر فروانة : اسرائيل تواصل استخدام الأسرى كحقول لتجارب الأدوية 6-12-2010