استثنائية ....   إليها حيث تكون

مهداة إلى الأخت والرفيقة والصديقة المناضلة بثينة  دقماق  ............

من كان يصدق أن امرأة تلبس أثواب السجن طواعية..؟ وتتحمل كل بذاءات السجانين؟ وتواجه كل صنوف القمع والمنع والحـرمان..؟

ومن لا يعرف امـرأة مثقلة بهمـوم الكرة الأرضية,تتحدى الأهـوال والنكبات وتصمد ..؟

لقد كانت تتشكل فينا امرأة,نغلق عليها العيون, حتى لا تهرب منا, أو طفلا نهدهده عند الفجر وقبل النوم..وأحيانا تتشكل فينا جيشا يحارب معنا الأعداء...!!

من كان ينتظر رؤيتها,كان يعرف أي يد تمتد إليه ,لتوقد شمعة في عتمة ليل حالك..ومن كان يحدثها أو يسمع رنين صوتها,يعرف أي دفئ تبعثه في الأوصال والأفئدة...ومن كان ينظر في عينيها,أو يلمس يدها,يعرف أي عشق وأي شوق يشده إليها,كما لو أن قانون الجاذبية لم يخلق إلا في ثناياها ومعها..!

يلفني الصمت عند رؤيتها..مأخوذا بهيبتها وقدسية اللقاء. تراودني كل الأفكار,وأصرخ من الداخل للداخل ,ليـدمر هذا المكان وتتحطم الجدران والقضـبان والأسلاك,لأقتحـم لأجلها كل الفواصل ونقاط التفتيش وألقاها..أتمنى لو أني عصفـورا أحط بين يديها,أو أن تتسع هذه الفتحات الضيقة اللعينـة,لأشد الرحال إليـها حيث تكون.. قلت لها ذات مرة,ألا يتعبك طول الطـريق وكثر السفر..؟

قالت,أنا تقتلـني الغـربة, ويقتلـني سكون الأمـوات,ويقهـرني ذاك المتثائب عند سياج المـوت..وقالت,أنا أبحث عن طفل يولد في العتمة دون قابلـة خلـف الأبـواب ..وأبحث عن شيـخ اقتلعـوا أظافره دون طبيب..وأبحث عن امـرأة تتـألم وراء الجـدران دون معيـن.. وأبحث عنك يا صدري النابض بالحياة.....!!!!

يسود الصمـت..أنظر في عينيـها,أحاول أن ألمس أطراف أناملها..أتلمـس دربا لا أعبره,ولا أعرف أين ومتى وكيف نهايتـه.

سيدتي,حين تشرع الأبواب, ويفتح هذا الوحـش فكيـه,سأقول لكل الدنيا,أن امرأة تأتي من غربتـها,في وطن الغـربة,لتقول لنا أن نهر الدمع وبحر الدم..لن يمنعها من أن تأتي للناطـرين على الدرب لتزرع البسمة فوق شفاهـنا,أو أن تضئ في العتمـة شمعة ترسم فينا

معالم الطريق ..!!  حيث تتجمع هنا، كل الأبعاد في المكان والزمان،وانتظار الحبيبة، والوجه القبيح،لسجان لا يعرف اسم أبيه.... هذه هي المرأة الفلسطينية المناضلة  "بثيــنة مطـر دقمــــاق"....

(من/ أفكار متناثرة من رسائل سرية مهربة).

بقلم / محمود تعمري

 سجن جنين  1984

أرشيف الكاتب