فلسطين خلف القضبان www.palestinebehindbars.org
|
" أفكار متناثرة من رسائل سرية مهربة "
سجل في مفكرتك
الزيارة الأولى
بقلم محمود التعمري
سجن عسقلان – 1970
لم اصدق ما رأته عيناي في بداية الأمر ، كانت يداي مقيـدتان بقيد حديدي من الخلف ، وعيناي معصوبتان بقماشـه سوداء لها رائحة نتنه ، وجنديان يضغـطان على ذراعي حـين
أدخلـوني إلى حيث اسمع ضجيجا ادمي وأصوات بكاء ونشيـج ، رفعوا العصابة عن عيني وفكوا القيد ، وأوقفوني بين عدد من رفاق القيد والمصير .
وكان كل واحد منهم يقابله شخصـان أو ثلاثة من أهلة وذويه بين كبير وصغير ، فحسب قوانينهم ، غير مسموح لأحد أن يأتي لزيارة الأسـير سوى الأهل من الـدرجة الأولى فقط ، بما لا يتعدى اثنان كبار وواحد صغير .
كانت غرفة الزيارة مستطيلة الحجم وليست بالواسعة ، وكان يتوسطها جدار بعلو المتر تقريبا ، يتوسطه شيكين متقابلـين من الأسلاك ذات المربعات الصغيرة,بارتفاع نصف متر ، ثم يكتـمل الجدار ليصـل إلى السقف ، تفصـل بين السلـكان مسـافة عشرة سنتيمترات,بحيث لا تستطيـع الأصابـع – إلا من وهبة الله أصابع طويلة – ملامسة الأصابع المقابلة .. ومن الخلف الزائـر والمـزار, يقف الحراس يعتمرون الخوذ ويحملون الهراوات ،كأنهم في ساحـة معركة ….
كان الموقف شديد الوقع .. تتدفق المشاعر وتصل ذروتها من الاضطراب ، فهذه هي المرة الأولى التي أقابل فيهـا احد من أهلي منذ سنـوات ، وبعد شهور من اسري ، وبعد أن وصل إلى علمهم أنني سقطت شهيدا في معركة مع العدو .
أمـــــــــــي وأبـــــــــــي
يقفون في الطرف المقابل على شبك الزيارة أمامي .
لا اصدق ذلك,من الذي أوصل لهم خبر وجودي هنا ؟؟ هل هم بعض الأقارب ؟
أم أن منظمة الصليب الأحمر هي من قام بهذه المهمة ؟ ؟إنهم ينشجون من البكاء .. هذه هي المـرة الأولى التي أرى فيها والـدي يبـكي, لم استطـع منع دموعي من عبـور النهر ، كما عبرت أنا النهر قبل شهـور .. تمنيت لو أني استطيع تحطيـم هذا الجـدار بيني وبينهم .. لأقـبل اطهـر الأيادي ، واضـع راسي على صدر أمي ... بعد سنين الغـربة والحرمان والعيـش في الخـطر ... كانت دموعهم هي التي تحـدثني وتسألني وتحمد الله على رؤيتهم لي سالما بعد هذه السنين, " شـد حيـلك .. تماسـك .. لا تضعف .. لا تجعلهم يتألمون أكثر .. "
قلـت ذلك بينـي وبيـن ذاتي . شكرا لله ، أخيرا نطقت ، قلت لهما ضعـوا أيديكـم علـى الشبــك حتى اقبلـها .. أنا أحبـكم ......
اقسم أنني لم اقل غير هذه الكلمات – حين جذبني الحراس واضعـين القـيد في معصمي وأخرجاني قبل بلـوغ الزيارة نهايتها – ربـع ساعـة – فقط في ذلك الحـين . ولكن الشيء الوحـيد الذي اذكـره ، ولن أنسـاه ما حيـيت ، هو أنني التفـت إلى الخلف قبل الخـروج ، فرأيت ويا للهـول .. أمي تسقط على الأرض ، مغشـيا عليـها .. صرخت وحاولت العودة ، ولكنهم سارعوا بوضع العصابة السوداء على عيــناي ، ليعـيدونني إلى جمـوع الرفاق ، أضيف لصرختهم صرختي ....