فلسطين خلف القضبان

www.palestinebehindbars.org

 

 

   

أرشيف الكاتب

افكار متناثرة من رسائل سرية مهربة

طبيبة الاسنان

حين تكون في السجن وبين اربعة جدران مغلقة باحكام ،فانك لن

تستطيع ان تكون حرا في اختياراتك ومتطلبات حياتك باستثناء

حريتك في التفكير وحفاظك على قوة وصلابة ارادتك واختيار

الفكر الذي يحدد علاقاتك وتوجهاتك وارتباطاتك،لان كل الاسياء

الاخرى مرهونة بسياستهم وخططهم واهدافهم اتجاهك ...

وحين يتألم الاسير في المعتقل ،لن يكون بمقدوره الذهاب الى طبيب

اوعيادة او مشفى ،وكثيرون هم المناضلين الذين قضوا نحبهم نتيجة

الاهمال الطبي وعدم توفر الدواء اللازم وعدم معالجة المرضى المحتاجين

في الوقت المناسب ..فكل المطالبات والاحتجاجات والاضرابات والدق

على الابواب بالاحذية والملاعق لم تحرك ساكناً لدى حارسأً على بوابة

زنزانة في السجن..

واذا ما اراد الواحد منا مقابلة الطبيب او الخروج الى ما اسمونها عيادة

السجن ،فان عليه ان يسجل اسمه لدى من اعطوه صفة الممرض قبل

اسبوع او اسبوعين او ثلاثة اسابيع او الى ما شاء الله وقد لا براه مطلقاً..

لذلك تتفاقم الامراض والاوجاع والالام ،والله اعلم الى اين ستؤدي

بالمريض في نهاية المطاف...!!؟

احد المناضلين ،محكوم باكثر من دزينة من السنوات ،كان يعاني من

الاَم مبرحة نتيجة لمرض البواسير عنده ،وكثيرا ما كان يسبب له نزيفاً

حاداً وتضخماً، وعدم القدرة على الجلوس او المشي او الذهاب الى الحمام

وامام كل اشكال رفض علاجه ان كان بالادوية او العملية الجراحية ..

لم يجد وسيلة يرتاح منها من اوجاعه ،سوى اللجوء الى استخدام شفرة

الحلاقة يقص بها بواسيره المتدلية من فتحة شرجه ..مما تسبب له بنزيف

حاد وتسمم في الدم وكل اماكن جسده فيما بعد..وهو ما دفع بالعدو الى

اتخاذ قرار للافراج عن المناضل المذكور،لأنه ادرك ان هذا المناضل لن

يعيش طويلا بعد ذلك ،وفعلا فقد توفي المناضل بعد شهر واحد فقط بعد

الافراج عنه...رحمة الله عليه..

ان من اسوأ الألام التي نعاني منها في الاسر،هي الام الاسنان والاضراس،

فقد كانت تسبب لنا وجعا وازعاجا لا حدود له..ولا تستغربو اذا ما قلت

لكم اننا نلجأاحياناً الى انتزاع الضرس بواسطة خيطٍ نربطه به ونشده الى

خارج الفم..لاننا نرى في ذلك وسيلة لتهدئة الاوجاع ..وعلى رأي المثل:

" وجع ساعة ولا وجع كل ساعة " ..وقد عانيت من الام الاسنان كالبقية،

ومن شدة الالم اقترحوا علي التسجيل الى عيادة طب الاسنان، وقد كنت

محظوظا اذ استطعت الخروج للعيادة بعد ثلاثة ايام..وفي العيادة لم اجد

الكثيرين امامي حيث انهم لا يتعدوا العشرة مراجعين ، وقد يصلني الدور

لمقابلة الطبيب،وفعلا جاء دوري لدخول العيادة ..ولكن المفاجأة هي ان

الطبيب ليس ذكرا وانما هي انثى ..ولكنها سمينة بشكل ملفت للانتباه..

واجزم ان وزنها يفوق الماية واربعون كيلو غراما ..لها ارداف ممتلئة،

وتتحرك ببطئ.. وتتثائب بين الحين والاخر ..كأنها اتية من جبهة قتال

لا مجال فيها للنوم ..جلست على الكرسي المخصص للمريض..وجلست

هي على كرسي اخر..وكم كان الموقف مدهشا ومثيرا للضحك والسخرية

حين مالت بكل نصفها العلوي على كتفي القريب منها.. سالتها..

- من اين انت ؟؟

-اجابت من قروزيا ( احدى جمهوريات الاتحاد السوفيتي السابق)..

قلت - ماذا تشتغلين؟؟

قالت - لماذا تسأل،الا ترى ماذا اعمل؟..

قلت- انا اسف ,لقد اعتقدت انك تعملين في قلع وخلع وتكسير الحجارة ..

الا يوجد في قروزيا مقالع حجارة مثل التي عندنا؟؟

قالت -انا لا افهم اللغة العبرية كثيرا لانني جديدة في اسرائيل..

قلت منذ متى انت في اسرائيل؟

قالت -منذ سنة فقط...

قلت - ولماذا اتيت الى هنا؟؟

قالت - هناك لا يوجد اكل..

قلت - ومن اين لك بكل هذه الاطنان من الهبر التي تحملينها؟؟

لقد كسرت كتفي بثقلك ..

ضحكت وقالت - لا استطيع الوقوف او الجلوس دون الاتكاء..

قلت - وهل انا ركاية او مخدة او حائط..؟؟

لا ادري ماذا فعلت بضرسي ..ولكنها قالت - سجل اسمك للمراجعة

في الاسبوع القادم ..

لقد كنت معتاداً على ممارسة الرياضة في صباح كل يوم لمدة ساعة

من الزمن ،ولكنني قررت زيادتها الى ساعة ونصف..وحين سألني

احد الرفاق الذين كنت العب معه التمارين عن ذلك،قلت له،لقد زدت

الفترة الرياضية لكي اكون قادراً على تحمل اكبر كمية من الاثقال ..

لانني ساخرج الى عيادة طب الاسنان والطبيبة سمينة جدا ،وهي بحاجة

الى قوة مضادة لوزنها الكبير حتى لا تهد حيلي حين اجلس على كرسي

العيادة ..

ولكنني والحمد لله لم اعود الى تلك العيادة..لانني خلعت ضرسي بيدي

حين زادت علي الاوجاع والالام...

--- بقلم محمود التعمري

من افكار متناثرة من رسائل سرية مهربة

سجن بئر السبع

1980

أرشيف الكاتب