فلسطين خلف القضبان

www.palestinebehindbars.org

 

 

   

 أرشيف الكاتب

ملحمة انسانية في حياة المناضل

علاء الدين البازيان

 

قلت لك ذات مرةَِ .. انت تبصر كل الاشياء .. وتعرف كل الالوان .. وترى كل وجوه

السجانين..وتعرف كيف يصير عناق الثوار.. يومها،ضحكت.. ضحكت..ضحكت..

ووضعت يدك فوق كتفي ...وقلت بهمس..انا اراكم بقدر محبتي لكم..واراهم بقدر

حقدي عليهم ...وقلت ايضا ،النظر يا صاحبي ،وسيلة لرؤية بعض الاشياء..اما

الاشياء الاخرى،فيراها العقل والقلب والوجدان..من حينها،صرت اعرف ان عيونك ،

تعرف كل خبايا المكان..

كم هو قبيح هذا السجان الذي، يعتقد ان حدود العالم تنتهي بمجرد ان تطأ قدماك بوابة

السجن ..او ان يرى نفسه وكأنه يجلس في صالة عرض، لافلامَ رعب امريكية..يتثائب بين

الفينة والاخرى، مثل سائبة مسعورة..تستفزه وقع خطواتك على الارض..وجلجلة

ضحكاتك عليه ..انه شعور الضعيف امام القوي ..لانك انت القوي..فثلاثون عاما لم

تنل منك ..وصدأت قيودهم واصلب عودك ..ويموت من غيظه لساعات يحرس فيها

مهجعك وابواب سجنك ..وانت منذ ثلاثون عاما تحرس فيها روحك وارواح رفقتك ..

وتحرس فيها ذكريات الطفولة والازقة والصحاب...ووجه امك وابوك وبقية الاحباب..

وامك ما زالت كعادتها، تجدد ورد المزهرية عند كل صباح..لعل الحبيب يأتي، ويشتم ما

جمعت له الأم..كما هي مدينتك التي تجدد اثوابها كعروس تقسم ان العرس سوف يتم..!!

-اين والدي يا عبير ؟؟

- في البيت لا يستطيع المجئ ..

- قبليه عني وسلمي عليه..وقولي له، لقائنا قريب...

وعند صباح ذات اليوم، وبعد ان غادرت ابنته

عبيرمدينة القدس، في طريقها لزيارة شقيقها علاء،

اعلنوا ان الحاج رضا.. قد فارق الحياة ،

منتقلاً الى جوار الرفيق الاعلى .....

نستميحك عذرا يا سيد الثوار ..فقد حاول الحاج رضا الانتظار ..ولكن،دون جدوى،

ولكنه ترك اليك معنا الوصية ..

ولدي الغالي ..لقد عشقت تراب القدس ،وحيثما وطأت قدماك..وكم حاولت احتضانك

رغم القيد وسماكة الجدران وبشاعة وجه السجان..وكم مرة مددت اليك اصبع يدي رغم

ضيق فتحات الاسلاك ..ليلامس قدسية اصبعك الحبيب ..وطلبت مني الانتظار ..لانك

تعرف ان السجن والسجان الى زوال..واطعت امرك، وانتظرتك على الدرب مرة ،

وفي البستان مرة..وفوق الشرفة مرة ..وعند سريرك وامام صورتك مرات ومرات ..

ولكني ،انتظرتك في الحلم، مليون مرة ...

ولدي الحبيب..الذي ما ازال من كثرة ذكراه ،كأنني منه على ميعاد ،ترى صوتي يبلغ

اليك،وبيننا هذا القدر من عمر الزمان ..كأنه من البعد وانفساح المدى ،سنوات وسنوات..

انا راحل ..ولك عندي كلام ..البيت في القدس العتيقة ..ووجه امك والمكان ..وكل صبايا

الحي ..وشبان المدينة ،يقرأونك السلام..ويكتب الاطفال اسمك فوق دفاتر الرسم وعلى

الجدار ،ويطل وجهك بعيون تبصر الحياة ..ويخطئ من قال انك قد نسيت الزمان....!!

وهناك في المدى ،اراك يا علاء ..كسوسنة باسقة ،تتحدى الريح والاهوال، وعجائب الدنيا..

ويجلجل صوتك معانقا اذان الفجر..ودقات اجراس كنائس مدينتنا ..تدعو النائمين للنهوض ..

وفوق الصخرة اثار القدم النبوية ..وعلى الارض بقايا صليب المسيح وملحمة الحياة..

تزهر اوراق الاشجار في الخريف ..حين يحدثنا الرسول انك عائد للمدينة والبيت وحارة

السعدية ...

يا ايها الفدائي ،عند عودتك عرج على مدينتنا ،واقرأ عليها السلام ،وفي دربك ،مرَ على

امرأة ثكلت بحبيبها،وقل لها ،ان النهر ينبت اشعارا وحكايا ومزيدا من قصص الثوار....

وقل لطفلة،ما زالت تجلس عند باب الدار،تنتظر الغائب البعيد،سيأتيك المنفيين باثواب

وحلوى العيد..وكفكف الدمع من عيون شيخ طاعن في العمر،له ابناء مثلك منذ سنين

وسنين وسنين....!!!

وتسقط الدمعة فوق وجنتيك يا علاء، ولا تنهزم ..ويقبلك الاخوان والرفاق والاصدقاء..

وتقسم ان لا يكتب غيرك رسالة الرثاء...

امي الغالية،ام عمر،يا أغلى واعز الناس على قلبي ..

السلام عليك ورحمة الله وبركاته،واسعد الله اوقاتك بكل الخير واليمن والبركات،،

يا حجتي يا حبيبتي ..انا علمت بوفاة الوالد بعد زيارة عبير مباشرة..اسأل الله ،اولا ان

يتغمده برحمته ويجمعنا معه في الجنة..

حجتي الغالية..اسمعيني انا متأكد بانك لست بحاجة لمن يرفع معنوياتك ،فانت اقوىمنا

جميعا بالايمان والعزيمة والارادة..فانا اعرفك جيدا واعرف انك توزعين معنويات على

اهل البلد كلها..فانا بحاجة لمعنويات منك يا حبيبتي .. الحمدلله ان ما اريده ،وصلني اليوم

عن طريق المحامية العزيزة " بثينة دقماق" التي اخبرتني عن معنوياتك وصلابتك وقوة

ايمانك ..فانا لم افاجأ يما قالته لي، فانت يا ام عمر تمتلكين من الخبرة والحكمة وطيبة

القلب ما يحصنك ويحصننا معك ..اسأل الله يا امي الغالية ان التقي بك قريبا في القدس

فجهزي نفسك فالتبادل قريب يا حبيبتي .. سأحتضنك وابوس خدودك..المهم خذي بالك على

حالك كويس وحافظي على صحتك قد ما بتقدري ولا تهكلي هم اي شئ ..كل ما تحتاجين

شئ ينفذ لك على طول ....والسلام عليك يا اغلى ام عمر

تحياتي للاخوة عمر وعثمان وجميع اخوتي واخواتي واعزيهم واعز نفسي

واسأل الله ان التقي بكم في القدس عن قريب.....

هذه هي رسالتك يا علاء .. حين حطت بين يدي امك، قبلتها ووضعتها فوق نبض القلب

وقالت ..."علاء.. مثل سيدنا يوسف عليه السلام، ما ان لمس عيون ابيه الضريرحتى، عاد

لابيه البصر..."....!!!!

وقد كانت امك يا سيد الشرفاء ،كما قلت عنها ..قوية ومتينة وصلبة ..وشقيقة الرجال،

وام المناضلين ... وقوة لاتلين .. وكانت تقول للمهنئين لا للمعزيين .. علاءالدين سيعود..

وسوف اراه من جديد ..حيث حرموني من رؤيته لسنين...!!

يا سيدي،انت هناك في زنزانة معتمة ومظلمة..محاطة بالاسلاك والحراس والبنادق..

حيث تعود بك الذكريات الى ما قبل فقدان البصر،تتذكر الاشياء والوجوه، وابتسامةٍ

على شفاه ابيك..وامام ناظريك، تتراءى ،كل انتصارات وانتكاسات الزمن ...

انتظر يا سيدي .. لانك المنتصر في النهاية.. والجلاد هو المهزوم....!!!

------------------------------------------------------

بقلم:محمود التعمري

بيت لحم

2009/10

 أرشيف الكاتب