فلسطين خلف القضبان

www.palestinebehindbars.org

 

 

   

سجل في مفكرتك .. إلى روح الصديقة

                                                                                              أرشيف الكاتب

 

   سأرفع قبعتي وانحني إجلالا وإكبارا لك أيتها  الصديقة، التي ما عدنا نراها أمام ناظرنا ، لقد افتقدناك بحق في زمن نحن بأمس الحاجة فيه إليك ....فكم هو صعب ومؤلم فراق عزيز على النفس..

   لقد كنت خير معين لنا في زمن الشدة وإغلاق الأبواب والمنافذ .. ولم يكن بمقدورنا تقديم أي عون لك خاصة عند اللحظة التي، نراك فيها تؤدين حية ...

   إنها بشاعة السجان الذي يمارس فيها ساديته على كائن مثلك ، دون رحمة أو شفقة لا لشيء ،سوى انه أدرك مدى إحساسك بنا والوقوف بجانبنا عند الحاجة ... وهناك فرق شاسع بينك وبينه ، كما هو الفرق بين القاتل والمقتول ، أو بين السجان والمسجون ، أو بين الآسر والمأسور ...

لقد اصدر قرار حكمه ونفذه عليك بوسيلة يندى لها الجبين ... وحين سألناه بعد تنفيذ جريمته..لماذا فعلت ذلك..؟؟؟ قال " لا فرق بينكم وبينها ، انتم مخربون وهي مخربة ، لقد نظمتموها إلى صفوفكم وقد صارت تشكل خطرا على أمننا ..،،.. وأضاف " كان من المفروض أن يحكم عليكم الحاكم الإسرائيلي بالإعدام كما أنا أعدمت صديقتكم"

  أنا متأكد إنكم تتساءلون عما أتحدث لغاية ألان ومن هي هذه الصديقة التي اتحدث عنها بهذا الشغف من الحب .. ولكنني لن أجعلكم تحتارون في أمركم،و سأحدثكم بالتأكيد عن صديقتنا هذه ..

 حينما قررنا آن نخوض إضرابا طويلا ضد السياسات الصهيونية التي تمارس علينا كل أشكال القمع والقتل والاضطهاد كجزء من سياسة عامة ضد شعبنا وقضيتنا،بعد أن نكون قد استنفذنا كل الخيارات الأخرى المتاحة لنا،وهي محدودة بطبيعة الحال،وفي أقصاها لا تتعدى الإضراب عن الطعام،لأيام أو أسابيع،ونكون مجبرين على ذلك من اجل تحقيق بعضا من عشرات أن لم يكن المئات من المطالب التي لها ارتباط مباشر بوجودنا وظروف حياتنا داخل الأسر،باعتبارنا ووفق القانون الدولي-الذي لا يعترف بها الكيان الصهيوني-أسرى حرب،يفترض أن تطبق علينا قوانين وشروط أسرى الحروب.....

 لهذا فقد قررنا أن يكون الإضراب عن الطعام ملاذا أخير نلجأ إليه عند الحاجة..وان نلجأ في هذه المرة إلى إشكالا أخرى من نضالاتنا المطلبية التي حصرناها بداية في:

   1-الامتناع عن زيارة الأهل ،التي كانت تتم كل شهر مرة واحدة ولمدة لا تزيد في أقصاها عن نصف ساعة.

   2-الامتناع عن الخروج إلى الفسحة اليومية –الفورة- .

   3-الامتناع عن الخروج إلى الحمام الساخن الذي نفتقده في غرفنا ،وزنازيننا ، وهي معزولة عنا..

   4-الامتناع عن حلاقة الرأس والذقن .. وهذا كان يجعلهم يتفننون بالحلاقة لنا حيث كانوا يلجأن إلى مادة الزرنيخ السامة والمؤذية وذات الرائحة الكريهة، بالإضافة إلى قيام حرس السجن بحلاقة ذقوننا بعد أن يكونوا قد استخدموا القيود والسلاسل لضبط حركتنا ،حيث أن الحراس كانوا يسرحون ويمرحون في وجوهنا بالشفرة التي تكون قد مرت على عدد من الذقون الأخرى ، والنتيجة دماء غزيرة تنزفها وجوهنا ..

 

   ولما كنا نعيش في أقسام متفرقة وكبيرة ولان ساحة كبيرة تفصل كل قسم عن الأخر، فان ذلك قد خلق لنا إشكالية كبيرة في قضية إجراء الاتصالات ونقل الرسائل والبيانات والتعاميم الخاصة والعامة .. وقد تفتقت أدمغتنا عن أكثر من وسيلة للاتصال أهمها الشفرة الرقمية , بحيث أن كل رقم يمثل حرف باللغة, ويتم نقله إلى القسم الأخر بواسطة المناداة بصوت مرتفع , ولكن هذه الوسيلة أثبتت عدم جدواها لان الحراس نفسهم صاروا يقلدوننا في المناداة ... لذلك لا بد لنا من وسيلة أخرى تلبي حاجتنا في الاتصال ...

 

وقد تبين أن احد الزملاء كان قد اكتشف أن قطة قد وضعت مواليدها في حفرة صغيرة تحت طرف إحدى بلاطات الساحة الإسمنتية, وانه كان يأخذ حصته من السمك أو اللحمة ( 50غم ) ليطعمها هي وصغارها, فتعودت عليه وصارت كلما تراه تبدأ بالمواء وإعلان الولاء..

لذلك قلنا انه لا بد من الاستفادة من القطة , فصرنا نخبئ حصصنا من اللحمة أو السمك وننادي عليها فتأتي مسرعة لتأخذ حصتها من(الزفر) وصار يفعل الزملاء في القسم الأخر نفس الشيء ,, وعندما تأكدنا أنها بدأت تتجاوب معنا , وتلبي نداءاتنا عندها بدأنا بالبداية بإرسال أوراق فارغة عن طريق ربطها بخيط ووضعها برقبة القطة التي تذهب حيث تكون الوجبة معدة وحاضرة لها في القسم الأخر, فيأخذها احد الزملاء المكلفين بالتعامل مع القطة إلى أن تطورت الأمور وصرنا نرسل أوراقنا بأمان بواسطة الصديقة الجديدة ,,  وقد استمر هذا الوضع اكثر من ثلاثة شهور..إلى أن قام احد الحراس باكتشاف أمرها, ومحاولا التصدي وقد رآها وهي تدخل في الحفرة تحت البلاطة ,, حينها قام بإبلاغ ضابط امن السجن, الذي حاول أن ينصب لها كمين ولم يفلح في ضبطها متلبسة مما جعلهم يتخذوا قرارهم بإغلاق الحفرة بالاسمنت المسلح عندما تكون هي وصغارها في داخلها .. ولم تنفع معهم كل محاولاتنا لإقناعهم بعدم فعل ذلك بحجة انه حرام قتلها , لدرجة إننا تمنينا لو أن برجيت باردو حاضرة لتشاهد فعلتهم الإجرامية أو أن أحدا يخبرها بذلك ..

ونحن ولكوننا في حالة إضراب مفتوح, لم نتمكن من تقديم يد العون والمساعدة لصديقتنا العزيزة التي نسجل لها فخرنا واعتزازنا وصدق مشاعرنا ..

لقد استمر  إضرابنا المذكور تسعة شهور بأكملها, ولكننا لم نعدم وسائل الاتصال بيننا , بعد إن قام حراس السجن بإعدام قطتنا الغالية , التي لازلنا نذكرها بكل المحبة والخير والمودة...

                                                                                 (من/أفكار متناثرة من رسائل سرية مهربة)

بقلم / محمود تعمري  

 سجن بئر السبع-1979