"سامر عربيد" ما بين (القنبلة الموقوتة) و(دفاع الضرورة)!

 

 

بقلم/عبد الناصر عوني فروانة

29-9-2019

 

هل سمعتم عن سجن "المسكوبية" أو التقيتم بمن مرّوا به ؟ وهل روى أحداً منهم أمامكم تجربته في ذاك السجن وحكايته مع التعذيب في أقبية التحقيق القاتلة.؟ وهل استمعتم لشهادات تروي فظائع الموت من أناس قُدر لهم أن يخرجوا من السجن أحياء.؟

سجنٌ يقع في الجهة الغربية من مدينة القدس المحتلة عام 1948، بجوار مقر المخابرات الإسرائيلية (الشين بيت) ضمن المنطقة المسماة "ساحة الروس"، ويحتوي على قسم تحقيق شهير، يضم عدداً من الزنازين الضيقة، التي يفصل بينها ممر صغير. وتستخدم هذه الزنازين للتحقيق مع الأسرى الفلسطينيين، الذين هم في غالبيتهم من مدينة القدس، ويُعتبر واحداً من أقسى وأسوأ وأبشع أقسام التحقيق في كافة سجون الاحتلال الإسرائيلي، حيث يُطلق عليه الأسرى الفلسطينيون اسم "المسلخ"، نظرا لشدة التعذيب فيه. وقد استشهد بداخله عدد من الأسرى الفلسطينيين بعد تعرضهم لصنوف قاسية من التعذيب، الجسدي والنفسي.

وتُعتبر توصيات لجنة "لانداو" عام 1987، أول نص رسمي يؤسس للسماح باستخدام التعذيب، في السجون الإسرائيلية، وحماية مقترفيه، وبعد الضجة الإعلامية التي أثيرت حول استشهاد المعتقل عبد الصمد حريزات- في  25 نيسان1995، في "مسلخ" سجن المسكوبية، نتيجة الهز العنيف- أصدرت محكمة العدل العليا الإسرائيلية، عدة قرارات، تسمح لمحققي أجهزة الأمن الإسرائيلية باستخدام الضغط الجسدي، فيما إذا كان المحقق على يقين بأن المعتقل يشكل (قنبلة موقوتة)، بإخفائه معلومات خطيرة، من شأن الكشف عنها حماية أمن "الدولة". وبذا فقد أصبح مشروعا لجاز الشاباك، من الناحية القانونية، استخدام الضغط الجسدي وأسلوب الهز العنيف، ضد المعتقلين أثناء استجوابهم. ووضعت لذلك شرطا شكليا هو حصول المحقق على إذن من مسؤوليه.

وأمام الانتقادات الكثيرة التي وجهت لهذا القانون، اضطرت ذات المحكمة عام 1999إلى إدخال بعض التعديلات، إلاّ أنها تركت الباب مفتوحاً، أمام المحققين والمسؤولين الرسميين الإسرائيليين، المتهمين بممارسة التعذيب، للتهرب من المسؤولية الجنائية، بموجب ما أطلقت عليه (دفاع الضرورة)، الوارد في الفقرة 34(1) من قانون العقوبات الإسرائيلي للعام 1977.

ولا شك بأن مصطلح (القنابل الموقوتة)، الذي أطلقته محكمة العدل العليا، هو من إنتاج الأجهزة الأمنية الإسرائيلية. فهذه ليست لغة القانون، بل لغة الجلادين أنفسهم. من هنا يتضح بأن محققي أجهزة الأمن الإسرائيلية، قد نالوا جائزتهم، من المحكمة، على جرائمهم!. فهم لن يشعروا بأي حرج حين يمارسون تعذيبهم للفلسطينيين، وهم لن يتعرضوا لأي مسؤولية جنائية، في ذلك، بشرط أن يزعموا بأن المتهمين الواقعين تحت التعذيب هم (قنابل موقوتة)، وأنهم يلجأون إلى التعذيب بحجة ما يسمى بـ(دفاع الضرورة).

هذا ما حصل مع الكثيرين من المعتقلين الفلسطينيين الذين مرّوا بتجربة الاعتقال وتعرضوا للتعذيب في سجن المسكوبية. وهذا ما حصل بالفعل مع الأسير "سامر عربيد" الذي اعتقل منذ أيام وتعرض لتعذيب عنيف وقاسي أدى الى تدهور صحته ونقل على أثر ذلك الى المستشفى في حالة حرجة، وما زال يرقد هناك مكبلا بالسلاسل ووضعه الصحي مقلق جدا جدا. وكل الاحتمالات ممكنة.  

إذن التعديلات حظرت بعض اشكال التعذيب شكلياً، فيما سُمح بها واقعياً. هكذا تم إحباط أي محاولة، لأي صاحب ضمير أو حقوقي، للمطالبة بمحاسبة أي محقق أو مسؤول إسرائيلي، عبر المحاكم الإسرائيلية. لذا بات من الضرورة الملحة التوجه الى محكمة "الجنايات الدولية" لمحاكمة كل من كان مسؤولا عن جريمة تعذيب أو شارك في ارتكابها. على قاعدة أن التعذيب جريمة ضد الإنسانية.

ان استمرار الصمت الدولي تجاه جرائم التعذيب بحق المعتقلين الفلسطينيين، وغياب المسائلة والمحاسبة شجعت المحقق والمسؤول الإسرائيل على التمادي في ارتكاب المزيد من جرائم التعذيب.

وما بين القنابل الموقوتة ودفاع الضرورة. يستمر التعذيب القاسي والهز العنيف، وقد يفقد "سامر" وغيره من المعتقلين الفلسطينيين حياتهم ثمناً لغياب العدالة.

 

- موضوع ذو صلة: سامر الفلسطيني والتعذيب الإسرائيلي                      بقلم/عبد الناصر فروانة3/10