سامر الفلسطيني والتعذيب الإسرائيلي

 

 

بقلم/عبد الناصر عوني فروانة

3-10-2019

 

نعود مجددا ونكتب عن (سامر الفلسطيني والتعذيب الإسرائيلي). "سامر عربيد". ذاك الشاب الفلسطيني الذي يبلغ من العمر (44 عاما)، وهو متزوج من سيدة مقدسية فاضلة ولديه منها ثلاثة أبناء، وهو صاحب تجربة اعتقالية غنية، حيث سبق واعتقل عدة مرات، ويُعتبر من كوادر الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين. ومن المؤكد أنه قرأ "فلسفة المواجهة خلف القضبان" وحفظ "تحت أعواد المشانق"، ودرس سيرة ابراهيم الراعي ومصطفى العكاوي ويوليوس فوتشيك وغيرهم.

اعتقل "سامر" في الخامس والعشرين من أيلول/سبتمبر الماضي من قبل قوات الاحتلال الإسرائيلي، وهو سليم تماما، وذلك على خلفية اتهامه بقيادة مجموعة فدائية تنتمي للجبهة الشعبية. ووصفه جهاز الأمن العام الإسرائيلي (الشاباك) بـ "القنبلة الموقوتة"،. فلجأ الى تعذيبه منذ لحظة اعتقاله، ومارس الضغط الشديد عليه واستخدام اشكال قاسية واساليب عنيفة ضده في قسم التحقيق بسجن المسكوبية، في محاولة لإجباره على الاعتراف والادلاء بمعلومات عن رفاقه وحزبه ومقاومته.

وصفه (الشاباك) بـ "القنبلة الموقوتة" لتبرير استخدام أساليب تعذيب استثنائية خلال التحقيق معه. وهي ذات الأساليب التي كانت سبباً رئيسياً في تدهور حالة "سامر" الصحية، ومن ثم نقله الى مستشفى "هداسا" الإسرائيلي" وهو في وضع حرج جدا. وما يزال يرقد هناك مكبلا بالسلاسل. وكل الاحتمالات ممكنة.

وبذا فلقد اصبح "سامر" (قنبلة موقوتة)، وهو بذلك يعيد للواجهة هذا المصطلح، ويكشف بصموده ما يتعرض له من يصفهم جهاز (الشاباك) بـ (القنابل الموقوتة)، بل هي فرصة لتسليط الضوء على أشكال واساليب التعذيب، الجسدية والنفسية، التي تستخدم ضد كل من يتم اعتقاله من الفلسطينيين.

لا شك بأن مصطلح (القنابل الموقوتة)، الذي أطلقته محكمة العدل العليا عام 1996، هو من إنتاج الأجهزة الأمنية الإسرائيلية. فهذه ليست لغة القانون، بل لغة الجلادين أنفسهم. ويُطلق هذا المصطلح على من تدعي الأجهزة الأمنية بأنه يخفي معلومات خطيرة، من شأن الكشف عنها حماية أمن "الدولة وضمان سلامة المواطنين". وهو بذلك يشكل لهم غطاء قانونيا حين يمارسون تعذيبهم للفلسطينيين دون ان يعرضهم لأي مسؤولية جنائية في حال اللجوء الى استخدام اساليب ضغط استثنائية اثناء التحقيق مع المتهم الذي وصف بـ (القنبلة الموقوتة). هذا ما حصل بالفعل مع المعتقل "سامر عربيد". وهذا يعني أن حياته ما زالت في خطر.!

وهنا لا بد من التوضيح بأن التعذيب في سجون الاحتلال الإسرائيلي، لا يتوقف على من يوصفون من قبل (الشاباك) على أنهم (قنابل موقوتة) فقط. فكل الشهادات وكافة التقارير تؤكد على أن هناك تلازما خطيرا ما بين الاعتقال والتعذيب، وأن جميع من مرّوا من الفلسطينيين بتجربة الاعتقال، قد تعرضوا للتعذيب، الجسدي أو النفسي.

ان التعذيب سياسة إسرائيلية رسمية وممارسة مؤسسية ونهجاً اساسيا وثابتاً في التعامل مع المعتقلين، تستخدمها قوات الاحتلال منذ اللحظة الأولى للاعتقال، وأن اشكال التعذيب تجاوزت الثمانين شكلا. وما من فرد فلسطيني تعرض للاعتقال، إلاّ ومورس بحقه واحد أو أكثر من اشكال التعذيب، وما من معتقل عُذب إلا وقد بقيت صورة المُعذِب عالقة في وجدانه، محفورة في ذاكرته.

إن التعذيب لا يهدف -كما هو معلن - إلى انتزاع الاعترافات فقط، بل يهدف أيضاً إلى هدم الذات الفلسطينية والوطنية، وتدمير الإنسان جسدا وروحاً، وتحطيم شخصيته، وتغيير سلوكه ونمط تفكيره وحياته، ومعتقداته السياسية، لتبقى آثار التعذيب وتوابعه ملازمة له طوال فترة اعتقاله، ثم تلاحقه إلى ما بعد خروجه من السجن.

ومنذ العام1967 - ووفقا لما أمكن توثيقه فقط - فقد نتج عن التعذيب، في سجون الاحتلال الإسرائيلي، استشهاد (73) أسيراً فلسطينيا بعد تعرضهم لصنوف قاسية من التعذيب، الجسدي والنفسي. هذا إضافة إلى إصابة عدد كبير لم يتم إحصاؤهم من الأسرى الذين خرجوا من السجون بعاهات مستديمة. ولا يدخل في هذا الإحصاء عشرات من الأسرى الذين توفوا بعد خروجهم من السجن، متأثرين بأمراض ورثوها جراء التعذيب.

وهذه أمثلة فقط، لبعض حالات الاستشهاد تحت التعذيب في سجون الاحتلال الإسرائيلي: قاسم أبو عكر، خضر الترزي، ابراهيم الراعي، جمال أبو شرخ، خالد الشيخ علي، عطية الزعانين، مصطفى العكاوي، عبد الصمد حريزات، عرفات جرادات.

إن التعذيب- جسدياً كان أم نفسياً- تحت ذريعة الحصول على معلومات، أو بحجة القضاء على (القنابل الموقوتة)، يُعتبر انتهاكاً أساسياً وخطيراً لحقوق الإنسان، وجرما فظيعا وبشعا يرتكب بحق الإنسانية. وإن استمراره يعتبر بمثابة وصمة قبيحة تدنس ضمير الإنسانية، والحضارة العصرية والديمقراطية المنشودة والسلام المأمول. ومهما حاولت "إسرائيل" إقناع العالم، بأنها دولة ديمقراطية وإنسانية، فإن (سامر عربيد) ومئات الآلاف من المواطنين الفلسطينيين والعرب، الذين ذاقوا مرارة التعذيب في سجونها، سيبقون شواهد حية على كذب وزيف ادعاءاتها.

 

ليس التعذيب ما يخيفني، ولا السقوط النهائي للجسد، يقلقني. إن ما يؤلمني هو صمت المؤسسات الحقوقية والإنسانية وغياب ما يُسمى في عالم اليوم، بالعدالة الدولية. لذا آن الأوان للتحرك الجاد وإطلاق حملة دولية لإنقاذ حياة "سامر الفلسطيني" ورفضا للتعذيب الإسرائيلي في سجون الاحتلال باعتباره جريمة ضد الإنسانية.