قراقع يوجه رسالة الى الأمين العام للأمم المتحدة ويدعوه فيها الى لقاء ممثلي الأسرى وعائلاتهم والإستماع منهم لما يتعرضون له من معاملة قاسية وانتهاكات فظة وجرائم متعددة
السيد/ أنطونيو غوتيريش المحترم
الأمين العام للأمم المتحدة
تحية طيبة وبعد،
بالأصالة عن نفسي، وبالنيابة عن الأسرى وأهالي الأسرى الفلسطينيين القابعين في سجون الاحتلال الإسرائيلي، نرحب بك في فلسطين، أرض الرسالات السماوية، آملين أن تشكل زيارتك لبلادنا المقدسة خطوة إلى الأمام نحو تعزيز حقوق الإنسان الفلسطيني، وأن تساهم في ترسيخ أسس السلام العادل في المنطقة وإنهاء الصراع الدامي الذي دفع شعبنا الفلسطيني خلاله ثمنا غاليا وقاسيا.
السيد/ أنطونيو غوتيريش
تحتل قضية الأسرى والمعتقلين الفلسطينيين مكانة هامة وأساسية في وجدان المجتمع الفلسطيني، وتعتبر ركنا اساسيا من أركان القضية الفلسطينية، وأن الإفراج عن الأسرى القابعين في سجون الاحتلال الإسرائيلي يُشكل مفتاح السلام الحقيقي وأحد أهم استحقاقاته الأساسية الذي يعزز الأمل والقناعة لدى شعبنا بأهمية عملية السلام. لذا فهي من القضايا المصيرية في مفاوضات الحل النهائي وأحد أركان عملية السلام في المنطقة، ولا يمكن للسلام أن يتحقق في ظل استمرار الاعتقالات وبقاء الآلاف من الفلسطينيين في سجون الاحتلال الذين اعتقلوا ولا ذنب لهم، أو لأنهم اعتقلوا بسبب مقاومتهم المشروعة للاحتلال. تلك المقاومة التي أجازتها كافة المواثيق والأعراف الدولية.
السيد/ أنطونيو غوتيريش
إن السعي لتوفير حقوق الإنسان كان أحد أهم الأسباب التي قامت من أجلها الأمم المتحدة، وأن ميثاق الأمم المتحدة يُلزم كل الدول تشجيع الاحترام العالمي ومراعاة حقوق الإنسان، على قاعدة أن تلك الحقوق تُمنح للإنسان أينما وجد، وبدون تمييز، بغض النظر عن لونه و دينه، أو جنسه وجنسيته، أو آرائه ومعتقداته السياسية. لذا كنا نأمل أن يُدرج على جدول زيارتكم لفلسطين لقاء يجمع سيادتكم بممثلين عن الأسرى وأهاليهم، لتطلعوا من خلالهم على قسوة المعاملة التي يتعرضون لها، وحجم المعاناة الهائلة التي يعانونها جراء الاعتقال والسجن والمحاكم الجائرة والغرامات المالية الباهظة، ولتستمعوا منهم كذلك إلى حجم الانتهاكات الفظة والجسيمة لأبسط قواعد حقوق الإنسان، والجرائم العديدة التي تقترفها قوات الاحتلال بحقهم جميعا، على اختلاف فئاتهم العمرية والجنسية.
السيد/ أنطونيو غوتيريش
لعل ما صدمنا واثار غضبنا ما ذكر عن لقائكم بعائلات أهالي الجنود الإسرائيليين المحتجزين في قطاع غزة؛ دون لقاء ممثلي ذوي آلاف الأسرى الفلسطينيين المحتجزين في سجون الاحتلال الإسرائيلي في ظروف قاسية ويعانون اشد العذاب. لذا فإننا نرى بأن هذا الاجراء من قبلكم يُعكس تمييزا واضحا في التعامل مع قضايا حقوق الإنسان، بخلاف ما تنص عليه المواثيق الخاصة بالأمم المتحدة. هذا التمييز الذي نعبر لكم عن رفضه وعدم قبوله، ولم نكن نتوقعه من قبلكم ومن قبل الأمم المتحدة التي تقفون على رأس الهرم فيها والتي لطالما نادت وناشدت بتحقيق العدالة والمساواة وعدم التمييز في القضايا ذات العلاقة بحقوق الإنسان. فالفرصة مازالت سانحة أمامكم لتصويب المسار وتحقيق المساواة ولقاء ممثلي الأسرى وذويهم في أي بقعة من الأراضي الفلسطينية.
السيد/ أنطونيو غوتيريش
تُعتبر قضية الأسرى هي قصة وطن محتل وحكاية شعب يقاوم من أجل دحر الاحتلال وانتزاع حقه المشروع بالعيش بحرية وسلام، فالأسرى في الوعي الجمعي الفلسطيني ليسوا مجرد أشخاص غائبين بفعل القهر، بل هم أبطال ناضلوا وضحوا من أجل تحقيق السلام في بلد السلام، وخلال مسيرة كفاحهم ضد الاحتلال اعتقلت قوات الاحتلال منهم نحو مليون فلسطيني، من جميع المستويات والطبقات والفئات، ذكوراً وإناثاً، أطفالاً ورجالاً، صغاراً وشيوخاً، حتى باتت الاعتقالات وسيلة للعقاب الجماعي وسلوك يومي بهدف السيطرة على الشعب الفلسطيني وبث الرعب والخوف في نفوس الفلسطينيين والحاق الخراب بالمجتمع الفلسطيني.
ولقد تزايدت الاعتقالات خلال السنوات القليلة الماضية بشكل لافت، وارتفعت أكثر خلال الشهور الماضية وأن مجموع ما سُجل من اعتقالات منذ مطلع العام الجاري 2017 فقط قد بلغ نحو (4000) حالة اعتقال، وأن أكثر من (850) حالة اعتقال منهم كانت من نصيب الأطفال , وان بين الأطفال المعتقلين 25 طفلا اصيبوا بجروح بسبب اطلاق الرصاص عليهم خلال اعتقالهم وملاحقتهم.
و(90) حالة اعتقال في صفوف الفتيات والنساء. والأخطر من ذلك، وجود هذا التلازم المقيت والقاسي، بين الاعتقالات والتعذيب، بحيث يمكن القول بأن جميع من مروا بتجربة الاعتقال، من الفلسطينيين، قد تعرضوا - على الأقل - إلى واحد من أحد أشكال التعذيب النفسي أو الجسدي والمعاملة المهينة والحاطة بالكرامة.
السيد/ أنطونيو غوتيريش
الأمين العام للأمم المتحدة
تشكل عمليات الاعتقال اليومية التي تنفذها قوات الاحتلال الإسرائيلي بحق الفلسطينيين، انتهاكاً صارخاً لقواعد القانون الدولي الإنساني، والقانون الدولي لحقوق الإنسان. حيث أن سلطات الاحتلال لم تلتزم بالضمانات الخاصة بحماية السكان المدنيين، ولم تلتزم كذلك بالقواعد الناظمة لحقوق المحتجزين وأوضاعهم. تلك الضمانات والقواعد التي تناولها القانون الدولي وأكد عليها وألزم دولة الاحتلال بالإيفاء بالتزاماتها في تعاملها مع الأسرى والمعتقلين المحتجزين لديها بما يُلزم احتجازهم داخل المناطق المحتلة ويحفظ حقوقهم وكرامتهم الإنسانية في تلقي الرعاية الصحية اللازمة والمأكل المناسب، وتمكين عوائلهم من زيارتهم والتواصل الإنساني الدائم معهم، ومنع التعذيب وسوء المعاملة وعدم تعريضهم للاعتقال التعسفي، وكذلك حظر الاستخدام المطلق لأوامر الاعتقال الإداري وفقا للمادة (78) من اتفاقية جنيف الرابعة. لذلك فان سلوك قوات الاحتلال وادارة السجون والمعتقلات مع الأسرى والمعتقلين الفلسطينيين يؤكد على أن دولة الاحتلال جعلت من السجن مكاناً للقمع وساحة للتعذيب وزرع الأمراض وإلحاق الأذى الجسدي والنفسي بهم.
السيد/ أنطونيو غوتيريش
الأمين العام للأمم المتحدة
لا يزال نحو (6400) أسير فلسطيني يقبعون في سجون الاحتلال الإسرائيلي، بينهم قرابة (300) طفل وطفلة، و(62) أسيرة فلسطينية بينهن أمهات وفتيات وقاصرات.
وهناك قرابة (480) معتقل إداري دون تهمة أو محاكمة، و(13) نائبا في المجـلس التشـريعي الفلسـطيني، أبرزهم مروان البرغوثي وأحمد سعدات، والنائبة خالدة جرار، بالإضافة إلى العشرات من الأكاديميين والكفاءات العلمية والرياضيين.
ولعل المقلق أكثر أن بين الأسرى نحو (1800) حالة مرضية، منهم قرابة (180) اسيرا يعانون من أمراض مزمنة وخطيرة وبحاجة الى تدخل عاجل لإنقاذ حياتهم وأن من بين هؤلاء (26) اسيرا يعانون من مرض السرطان، بالإضافة الى عشرات آخرين يعانون الاصابة أو الإعاقة الجسدية سواء كانت (الكاملة، الجزئية، الذهنية، النفسية والعصبية)، أو من الإعاقة الحسية (السمعية أو البصرية). وهؤلاء يعيشون ظروفاً مأساوية نتيجة الإهمال الطبي المتعمد وعدم توفير الأدوات المساعدة لهم، والاستهتار بآلامهم وأوجاعهم، وعدم الاكتراث بمعاناتهم واحتياجاتهم.
ويوجد من بين الأسرى (45) أسيراً مضى على اعتقالهم أكثر من عشرين سنة بشكل متواصل، وأن(29) أسيراً منهم معتقلين منذ ما قبل اتفاقية أوسلو، وهؤلاء ممن كان يفترض اطلاق سراحهم ضمن الدفعة الرابعة في آذار/مارس عام 2014، إلا أن دولة الاحتلال تنصلت من الاتفاقيات وأبقتهم رهائن في سجونها. وها هي السنوات والعقود تمضي من أعمارهم وأن (21) اسيرا منهم مضى على اعتقالهم أكثر من ربع قرن، و(9) منهم قد مضى على اعتقالهم أكثر من ثلاثين عاما بشكل متواصل، وأقدمهم الأسيران كريم وماهر يونس المعتقلان منذ (35) عاما.
وهناك في سجون الاحتلال (58) أسيراً ممن تحرروا في صفقة تبادل الأسرى والتي تُعرف بصفقة (شاليط) عام 2011، وأعيد اعتقالهم وفرضت عليهم سلطات الاحتلال الإسرائيلية إكمال سنوات السجن التي سبقت تحررهم في الصفقة بذريعة خرقهم لبنود الصفقة، في تحدي صارخ وانتهاك فاضح لما تم الاتفاق عليه في إطار الصفقة آنذاك. مع الإشارة الى أن الغالبية العظمى من هؤلاء كانوا قد أمضوا عشرين سنة وما يزيد في سجون الاحتلال قبل تحررهم في الصفقة وأبرزهم الأسير "نائل البرغوثي" الذي أمضى ما مجموعه (37) عاما في سجون الاحتلال.
السيد/ أنطونيو غوتيريش
نأسف لأن زيارتك تزامنت مع اليوم الوطني لاسترداد جثامين الشهداء المحتجزة لدى الاحتلال، لنؤكد لكم بأن دولة الاحتلال لم تعتقل الأحياء فحسب، وانما تحتجز جثامين الشهداء بشكل متعمد وفي إطار سياسة ممنهجة في واحدة من أبشع الجرائم الإنسانية والأخلاقية والدينية والقانونية في تحدي صارخ للقانون الدولي، ولا تزال تحتجز نحو (249) جثمان لشهداء فلسطينيين وعرب، بغرض العقاب الجماعي أو الضغط والابتزاز.
وناسف أيضا لأن نذكركم بأن زيارتكم تتزامن مع قدوم عيد الأضحى المبارك، هذه المناسبة السعيدة التي يحتفل بها العالم الإسلامي في كل أنحاء الأرض، بل هي مناسبة عظيمة بعظمة قيمتها ومكانتها. لكن الاحتلال جعل منها مناسبة مؤلمة وحزينة لآلاف العائلات، حيث الحياة والمشاعر مختلفة، داخل وخارج السجون، بالنسبة للاسرى والأسيرات وعائلاتهم، فالعيد يفترض أن يكون عيدا سعيدا لكافة المسلمين، لكنه مناسبة مؤلمة بالنسبة لآلاف الأسرى وعائلاتهم، قاسية على قلوبهم، ثقيلة على رؤوسهم. فالآباء والأمهات يملأون السجون، وآلاف الأطفال سيقضون العيد في بيوتهم بدون آباء أو أمهات، واحيانا الاثنين معا، بفعل السجن الذي غيبهما أو غيب أحدهما. وهناك الآلاف من أهالي الأسرى من كافة المحافظات الفلسطينية والممنوعين من زيارات أبنائهم الأسرى تحت ذريعة الأمن، يأملون ويناشدون المؤسسات الدولية للتدخل كي يُسمح لهم بالتوافد على بوابات السجون والمعتقلات لزيارة أبنائهم أبنائهم وأحبّتهم الأسرى.
السيد/ أنطونيو غوتيريش
ولأن الشعب الفلسطيني - مثل كل إنسان طبيعي - يعشق الحرية، كنتيجة طبيعية لواقع احتلاليٍ ظالم، فلقد عاش وما زال يعيش، حالة تحرر مؤجلة، ينشد تحقيقها بكل أشكال المقاومة المختلفة والمشروعة. ولقد عانى الكثير خلال مسيرته الكفاحية وآن الأوان أن ينسحب السجان من ساحتنا وأن يخرج الاحتلال من أرضنا. فلا حياة طبيعية في ظل وجود السجان، ولا حياة حرة وكريمة تحت الاحتلال.
السيد/ أنطونيو غوتيريش
إننا أمام دولة احتلال تنتهك القانون الدولي بشكل فظ في تعاملها مع المعتقلين، وتشرِّع انتهاكاتها بقوانين عنصرية يشارك فيها كافة مركبات النظام السياسي فيها، وتسعى إلى ترسيخ ثقافة "الإفلات من العقاب"، ليس فقط لدى العاملين في الأجهزة الأمنية وانما لدى كل الإسرائيليين، مما يدفعهم إلى التمادي في سلوكهم الشاذ والعنصري وانتهاكاتهم الجسيمة وجرائمهم البشعة.
لذا فإننا نتطلع إلى جهدكم ودوركم بما يضمن إلزام دولة الاحتلال باحترام الاتفاقيات الدولية في تعاملها مع الأسرى والمعتقلين الفلسطينيين في سجونها، وندعوكم الى التفكير بإيجابية للقاء ممثلين عن الأسرى وعائلاتهم والاستماع إليهم. فلا زال هناك متسع من الوقت لبرنامج زيارتكم للأراضي الفلسطينية، ولا زال أمامكم مزيد من الوقت لتعزيز ثقة شعبنا بعدالتكم ونزاهة مؤسستكم، ونأمل منكم مزيد من العمل لأجل تعزيز العدالة والمساواة ومبادئ حقوق الإنسان وترسيخ اسس السلام العادل بالمنطقة.
وتقبلوا فائق احترامي،
الوزير/ عيسى قراقع
رئيس هيئة شؤون الأسرى والمحررين
29-8-2017
موضعات ذات صلة:
- غزة.. دعوة لأمين عام الأمم المتحدة للقاء ذوي الأسرى الفلسطينيين28/8
- الأمين العام للأمم المتحدة" غوتيريش" يلتقى عدداً من عائلات الأسرى الفلسطينيين في سجون الاحتلال29/8