هنيئاً لنا ولكم بالجبهة الشعبية لتحرير فلسطين
*بقلم / عبد الناصر فروانة
10-12-2011
مَن مِنا ( لا ) يعرف الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين و أمجادها وبطولاتها وعظمتها ، أو لم يسمع عن مؤسسيها وشهدائها جورج حبش ، وديع حداد ، غسان كنفاني ، ابو علي مصطفى ، جيقارا غزة ... ؟ أو لم يقرأ عن أبطالها الأحياء الشهداء مع وقف التنفيذ أحمد سعدات ، ليلى خالد ، حمدي قرعان وعاهد أبو غلمة ؟، مَن مِنا لم يتردد لمسامعه أسماء الفنزويلي كارلوس أخطر رجل في العالم والياباني كوزوموتو بطل عملية مطار اللد وعلاقتهم المباشرة بالجبهة الشعبية ونضالهم في اطارها دعما لكفاح شعبنا الفلسطيني...
ومَنْ مِنْ شرفاء وأحرار وثوار العالم أجمع ( لا ) يحترم مسيرتها الطويلة وتاريخها الساطع ، وارثها النضالي والكفاحي العريق ، ومؤسسوها وقادتها ، الشهداء منهم ، أم الأحياء أمثال أمينها العام أحمد سعدات الذي يقبع في زنازين العزل في سحون الإحنلال الإسرائيلي ، والمناضلة العريقة ليلى خالد ...
فهي – أي الحبهة الشعبية لتحرير فلسطين - اسم غني عن التعريف ، في ساحة النضال الأرحب ضد الإحتلال والظلم والإضطهاد ، وفي عالم الصمود والكفاح ، وهي بالتأكيد ليست بحاجة لكاتب متواضع مثلي كي يكتب عنها ، وإنما هي بحاجة لمفكرين كبار كي يؤرخوا ذاك التاريخ الرائع ، ويوثقوا مسيرتها المظفرة ، وفلسفتها الخاصة وتجربتها في مواجهة السجان ، هي بحاجة لمن يوثق تجاربها النضالية والكفاحية المتعددة لا سيما تلك التي ( لا ) تزال ماركة مسجلة حصرياً بإسمها .
في الوقت ذاته هي بحاجة لنقاد الفكر والسياسة كي يقيموا آدائها ومسيرتها الطويلة على مدار أكثر من أربعة عقود مضت ، وما اعتراها من سلبيات واخفاقات ، وما حملته من اشكال وصور متنوعة ، لاستخلاص العبر والدروس ، خاصة وأن منسوب مسيرتها على كافة الصعد لم يكن تصاعديا ، جراء ما تعرضت له من هزات كثيرة موضوعية وذاتية أدت لتراجعها في بعض المواقع والميادين ، وأضعف قدرتها بهذا القدر أو ذاك على الإنتاجية والتأثير مما يستدعي التوقف طويلا أمام ذلك ، للنهوض بمستوى فعلها وتأثيرها ، واتساع رقعة وجودها وحضورها .
وفي هذا السياق انصح من لا يزال من القراء ( لا ) يعرف من هي الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين أن يبحث ويقرأ عنها وعن مؤسسيها وتاريخها ، أن يطلع على أدبياتها وتاريخها وسيرة حياة شهدائها وأبطالها ، وأن يقرأ أدب غسان كنفاني ، وحينها سيعلم كم هي الجبهة الشعبية عظيمة ، ويجب العمل من أجل حمايتها وصون عظمتها .
ومع ذلك ورغم وجودي خارج قطاع غزة وانشغالي ، إلا أنني أكتب انطلاقاً من حقها علينا ، وواجبنا تجاهها وتجاه أعضائها ورفاقها الأحبة ، وتجاه تاريخها والذي هو جزء أصيل من تاريخنا كفلسطينيين ، على قاعدة أنها ليست ملكاً لأعضائها أو لمن ناضلوا تحت لوائها فحسب ، أو لمن لا يزال منتظماً في صفوفها وفاعلاً في أطرها التنظيمية ، وانما هي ملك لنا جميعا ومفخرة لكل فلسطيني ، ومن حقنا كما ومن حق أعضائها الإحتفاء بها في ذكرى انطلاقتها الـ 44 .
ونسجل بهذه المناسبة العظيمة جل احترامنا وبالغ تقديرنا للجبهة الشعبية ، وعميق فخرنا بمسيرتها الرائدة ، ونعتز بفلسفتها ومدرستها الخاصة داخل السجون وخارجها ، ونحترم كل من انتمى إليها وناضل في صفوفها وتحت لوائها ، ولمن انتسب إليها وأمضي ولو يوما واحداً في إطارها وساهم بهذا القدر أو ذاك في تقدمها ورقيها ، ونعتز بمن عرفناهم من شهدائها وقياداتها ورفاقها خلال مسيرتنا النضالية وداخل سجون الإحتلال وهم كُثر ,,، فهنيئا لنا بالجبهة الشعبية لتحرير فلسطين ، وهنيئاً لشهدائها وأسراها القابعين في سجون الإحتلال الإسرائيلي وقيادتها وكوادرها وأعضائها وأنصارها لمن عرفناهم ولمن لم نتشرف بمعرفتهم ، أكانوا في الوطن أم في الشتات .. عاشت الذكرى ايها الرفاق ، فمن حقكم أن تفخروا بجبهتكم كما عرفناها.. عاشت الإنطلاقة .. عاشت الثورة .
نعم لم يكن الحادي عشر من كانون أول / ديسمبر عام 1967 يوما عادياً في تاريخ الشعب الفلسطيني وثورته المعاصرة ، ففيه أعلن عن تأسيس وانطلاقة الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين على أيدي مجموعة من قيادات حركة القوميين وفي مقدمتهم د. جورج حبش ، كامتداد لحركة القوميين العرب ، والتي شكلت رافعة أساسية هامة للنضال الوطني الفلسطيني ، وغدت الفصيل الثاني على الساحة الفلسطينية وداخل منظمة التحرير الفلسطينية الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني ، واستطاعت بتميزها الفكري والسياسي والعسكري أن تسطر لنفسها ولشعبها وقضاياه العادلة تاريخاً مشرقاً ، حافلاً بالعطاء المتميز والمواقف البطولية والعمليات الفدائية الجريئة النوعية ، وقدمت خلال مسيرتها العريقة آلاف الشهداء والجرحى والأسرى في كافة الميادين والأزمنة والمواقع .
ليس هذا فحسب ، وانما لعبت أيضا دوراً مركزياً في تعزيز وحدة فصائل منظمة التحرير الفلسطينية من ناحية ، والوحدة الداخلية للفصائل من ناحية ثانية، ولم تغذِ يوماً أي خلاف داخل إحدى الفصائل ، ويحضرني هنا ما قاله الشهيد الرئيس أبو عمار " لكل ثورة حكيم وحكيم ثورتنا هو الحكيم جورج حبش " ، حيث كانت تعتبر أن الصراع الأساسي هو دائما مع الاحتلال ، ولم تتدخل يوماً في صراع مع فتح التي اختلفت معها كثيراً ، أو أي من الفصائل الأخرى ، وللحكيم في هذا الصدد مقولة مشهورة " مجرم كل من يفتعل الإقتتال ومن يغذيه ، فالإقتتال خط أحمر لا يمكن تجاوزه " ، لهذا بقيت وستبقى بتقديري بنادقها نظيفة ، وسيبقى سلاحها مشرَّع في وجه الاحتلال.
ولا شك بأنها تميزت داخل سجون الإحتلال بمواقفها وثقافة وصمود أعضائها ، وشكلت أحد الأعمدة الأساسية للحركة الأسيرة ، فيما لعبت دوراً ريادياً وقيادياً في النضال من أجل انتزاع حقوق الحركة الأسيرة وتحقيق العديد من الانتصارات جنباً إلى جنب مع حركة فتح وباقي الفصائل الأخرى ، كما وتميزت في أقبية التحقيق وسجلت تجارب فردية وجماعية كثيرة في الصمود وعدم الإعتراف ، ونسجت لنفسها فلسفة خاصة بها ، استطاعت من خلالها أن تجعل من الاعتراف خيانة ، ومن الصمود " قاعدة " ، وجعلته منظومة وثقافة فيما بين كوادرها وأعضائها كافة ، وسطر رفاقها صوراً رائعة ومشرقة في الصمود بشكل فردي وجماعي ، و حملوا أوسمة العز والفخار من أكاديمية الصمود الأسطوري ، وفي بعض " الاعتقالات الجماعية " كان الصمود هو القاعدة والإعتراف استثناء ، واضحى الصمود ماركة مسجلة باسم الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين .. وهذا لا ينفي التجارب الفردية المميزة التي سطرها أسرى من حركة فتح ومن الفصائل الأخرى .
ومن حقها أن تفخر أيضا بأنها أول من بدأت صفقات تبادل الأسرى على الصعيد الفلسطيني ، وذلك في 23 تموز 1968 ، بعد أن تمكنت إحدى مجموعاتها بقيادة الرفيق المناضل يوسف الرضيع من خطف إحدى طائرات العال الإسرائيلية ، وإجبارها على الهبوط في الجزائر وتحرر بموجب هذه العملية ( 37 أسيراً ) مقابل الإفراج عن الرهائن وتمت العملية برعاية الصليب الأحمر الدولي ، وحاولت مرارا تكرار التجربة في الداخل والخارج بهدف تحرير الأسرى ، ومن حقها ... ومن حقها .....الكثير مما يمكن تسجيله هنا .
لكنها أخطأت مراراُ ، وهذا أمر طبيعي في عالم السياسة ، و اختلفنا معها كثيراً ، وانتقدنا مواقفها وبعض قياداتها مراراً في السر وعلانيةً ، إلا أن ذلك لا يقلل أبداً من احترامنا لها وتقديرنا لتاريخها ، فهي ستبقى مغروسة فينا ، وجزء من حياتنا ، وسيبقى لها مكانة مرموقة وواسعة في قلوبنا ومساحة كبيرة في عقولنا ووجداننا، وكيف يمكن لنا أن ننساها وهي جزء وجزء أصيل من تاريخنا الفلسطيني .
لكننا نأمل أن نراها كما عرفناها ، وكما يفترض أن تكون ، فاعلة ومؤثرة ، ناشطة وقوية وأن تساهم مع باقي الفصائل الفلسطينية بفاعلية أكثر لإستعادة وحدة الشعب الفلسطيني ، وفي الحفاظ على منظمة التحرير الفلسطينية وتفعيلها ، وفي صون المشروع الوطني الفلسطيني على طريق تحقيق أهداف شعبنا المشروعة .
نأمل أن تنهض بمستواها وحضورها وتأثيرها ، وأن نراها يوما كما أرادها الحكيم و تمناها وديع وأن يكون مستقبلها كما رسمه غسان كنفاني ، وكما حلمت به ليلى خالد وكما سعى لتجسيده سعدات ... عاشت الذكرى أيها الرفاق .. عاشت الثورة .. والى الأمام تقدموا يا شعلة حمراء في ليل بهيم .. يا شموساً يا رفاق الحكيم .... فهنيئاً لنا ولكم بالجبهة الشعبية لتحرير فلسطين .