|
في الذكرى الثانية لعملية " الوهم المتبدد " وأسر " شاليط " ..
*بقلم / عبد الناصر عوني فروانة
25-6-2008
تاريخ الثورة الفلسطينية المعاصر حافل بالبطولات النوعية ، حافل بالمفاخر والمآثر ، حافل بالتواريخ البارزة والأحداث النوعية ، ويوم الخامس والعشرين من حزيران من عام ألفين وستة ، اعتبر يوماً مميزاً وشَّكل قفزة نوعية في مسيرة المقاومة الفلسطينية ، وهو واحد من تلك التواريخ التي سُجل خلالها عملية نوعية داخل الأراضي الفلسطينية المحتلة لتضاف لآلاف العمليات الرائعة ، عرفت بعملية " الوهم المتبدد " ، والتي نجحت خلالها ثلاثة فصائل فلسطينية مقاومة هي كتائب الشهيد عز الدين القسام الذراع العسكري لحركة حماس وجيش الإسلام ولجان المقاومة الشعبية من تنفيذ عملية عسكرية جريئة ونوعية ضد موقع عسكري اسرائيلي قتلوا فيها ثلاثة جنود اسرائيليين حسب ما أُعلن آنذاك ، ونجحوا في أسر الجندي الإسرائيلي " جلعاد شاليط " ، واستشهد خلالها المقاتلان محمد عزمي فروانة ، وحامد الرنتيسي ، وأفخر بأن أحد الشهيدين هو أحد أبناء عائلة فروانة التي أنتمي لها وأعتز بها وأفخر بأنها قدمت خمسة شهداء خلال إنتفاضة الأقصى فقط .
وهذه ليست المرة الأولى التي تنجح فيها فصائل المقاومة الفلسطينية من أسر جنود ومستوطنين ومواطنين إسرائيليين بهدف مبادلتهم بأسرى ، فمنذ العام 1967 نجحت فصائل منظمة التحرير الفلسطينية وتحديداً الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين وحركة فتح والجبهة الشعبية القيادة العامة في تنفيذ العشرات من عمليات الخطف والأسر لجنود ومواطنين اسرائيليين ولطائرات خارج حدود فلسطين ، ونجحت في إطلاق سراح آلاف الأسرى الفلسطينيين والعرب والأجانب من سجون ومعتقلات الإحتلال الإسرائيلي وكان آخرها عملية التبادل الكبيرة عام 1985 ، فيما فشلت بعض العمليات في أحياناً كثيرة من تحقيق أهدافها المتمثلة باطلاق سراح أسرى .
أما داخل فلسطين فسِجِل غالبية الفصائل الفلسطينية حافل بالعديد من عمليات الخطف والأسر ، وكانت أولى تلك العمليات هي أسر الضابط الإسرائيلي " دافيد بن شموئيل شامير" عام 1979 واحتجازه لبضعة شهور في رفح ، وتلاها عمليات كثيرة ، ولكن جميع تلك المحاولات باءت بالفشل ولم تنجح في تحرير أيٍ من الأسرى .
ويمكن تلخيص أسباب فشل تلك المحاولات بأنها ذاتية وموضوعية ، ذاتية مرتبطة بأجندة الفصائل وعدم اصرارها على ذلك أحياناً ، و بخبرة منفذي العمليات ومحتجزي الجنود أحياناً أخرى ، وموضوعية تتعلق بالوضع الجغرافي والوجود العسكري المباشر لقوات الإحتلال في كل مدن ومخيمات وشوارع فلسطين مما صَّعب من مهمة نجاحها ، ومن ناحية أخرى طبيعة حكومات الإحتلال المتعاقبة التي ترفض مبدأ التبادل ، أو التفاوض من أجل التبادل والرهان على القدرات الأمنية والعسكرية وانتهاج القوة في تحرير المحتجزين لدى المقاومة كما حدث في عنتيبي ومعالوت ، أو الباص رقم 300 ، وقضية الجندي الإسرائيلي " نحشون فاكسمان " وغيرها .
وللأمانة المهنية يمكن القول بأن حركة "حماس" تميزت عن غيرها من الفصائل الفلسطينية خلال الإنتفاضة الأولى وكانت الأكثر محاولة وتنفيذاً لعمليات أسر جنود ومستوطنين إسرائيليين ، فيما تراجعت غالبية الفصائل عن هذا النهج ، أما حركة فتح والسلطة الوطنية فركزت اهتمامها ومنذ اعلان المبادئ في أوسلو بتاريخ 13سبتمبر 1993 ، على تحرير الأسرى من خلال العملية السلمية والمفاوضات المباشرة ، وبالرغم مما سجلناه من تحفظات وملاحظات على ما تخلل أوسلو والإتفاقيات اللاحقة وما واكب العملية التفاوضية من أخطاء ذات علاقة بقضية الأسرى ، إلا أنها نجحت فعلياً خلال الفترة الممتدة ما بين أوسلو سبتمبر 1993 وحتى انتفاضة الأقصى سبتمبر 2000 في تحرير الآلاف من الأسرى الفلسطينيين والعرب ، وصلت نسبتهم الى قرابة 90 % من الأسرى ، وحتى خلال انتفاضة الأقصى تم اطلاق سراح أكثر من ألف وخمسمائة معتقل تحت عنوان " حسن النية " أو تعزيز الثقة .
وعودة الى بدء فان عملية أسر الجندي الإسرائيلي " جلعاد شاليط " كانت مغايرة تماماً ومختلفة عن كل سابقاتها من محاولات الأسر التي جرت في فلسطين ، فهي عملية نوعية وغير مسبوقة ، لأنها ناجحة وتمت داخل فلسطين وسلطت الضوء على قضية الأسرى من جديد ، ونجحت خلالها فصائل المقاومة الفلسطينية من الإستمرار باحتجازه في الأسير لفترة عامين من الزمن ، بعيداً عن الأعين الإسرائيلية ، واستطاعوا آسريه افشال كل المراهنات الإسرائيلية التي كانت تماطل في اجراء المفاوضات ، وتراهن على الوقت وعلى قدرات أجهزتها الإمنية والعسكرية وتكنولوجيتها المتطورة وعملائها من الفلسطينيين الأنذال ، أوبروز أخطاء من قبل آسريه يمكنها من معرفة مكان أسره والوصول اليه وتحريره بالقوة .
وبعد مرور عامين على أسره والنجاح الباهر في الإستمرار في احتجازه فان ذلك يدفعنا للقول بأن آسري الجندي الإسرائيلي في غزة اثبتوا بأنهم يمتلكون خبرة عالية في التكتيك والإختفاء والسرية ، وما ساعدهم على ذلك طبيعة الوضع السياسي في قطاعنا الصامد وانتهاء الوجود العسكري المباشر في قطاع غزة ، مما يدفعنا أيضاً لأن نسجل جل احترامنا وتقديرنا واعجابنا بهم وبنجاحهم وانتصارهم على الأجهزة الأمنية الإسرائيلية التي فشلت لغاية اليوم في إحداث أي اختراق على هذا الصعيد ..
مما يعني وحسب توقعاتي أن عملية " الوهم المتبدد " ستكون العملية الأولى التي تنفذ داخل فلسطين و يُؤسر فيها جندي اسرائيلي ، وستضطر " حكومة الإحتلال " في النهاية الى الموافقة على التبادل و اطلاق سراح أسرى فلسطينيين بعد اقرارها بفشلها في تحريره بالقوة .
ويبقى التساؤل حول حجم الثمن الذي يمكن أن تدفعه حكومة الإحتلال مقابل ذلك .. وصراحة أعتقد أن حكومة الإحتلال في هذه الآونة غير جاهزة لدفع ثمن باهظ مقابل اطلاق سراح شاليط ، ثمنا يوازي حجم الثمن الذي دفعناه مقابل ذلك .
وبغض النظر عن الإختلافات والإنتماءات السياسية ، وما قامت به حركة حماس من انقلاب أو حسم أو سيطرة في قطاع غزة ، فاننا كفلسطينيين موحدون حول ضرورة تحرير أسرانا بكل الوسائل المشروعة ، وننتظر ومعنا آلاف الأسرى والأسيرات وذويهم وأطفالهم اتمام صفقة التبادل على أحر من الجمر وفقاً للمعاير والشروط الفلسطينية وبما يلبي طوحاتنا وآمالنا التي حلمنا بتحقيقها منذ اللحظات الأولى لأسر " شاليط " .
و اسمحوا لي في هذه المناسبة أن أناشد آسري الجندي بالحفاظ على حياته والإستفادة من تجربتهم الخاصة السابقة خشية من أية اختراقات اسرائيلية وبما يمكنهم من الإستمرار في احتجازه لفترة أطول ، والإستفادة من عمليات التبادل السابقة ، و التمسك بشروطهم بضرورة مبادلته بالأسرى والأسيرات والتركيز على النوعية أكثر من العدد .
وبتقديري أية عملية تبادل ستتجاوز الأسرى القدامى المعتقلين منذ ما قبل أوسلو وعددهم ( 349 أسير ) من جميع المناطق بدون تمييز أو استثناء وممن أمضى منهم أكثر من عشرين عاماً وعددهم ( 82 أسير ) ، أو أن تتجاهل أسرى القدس وأسرى 48 ، هي عملية منقوصة ، لا معنى لها ، اذا ما نظرنا الى حجم الخسائر التي تكبدها الشعب الفلسطيني جراء أسر " شاليط " بدءاً باختطاف عشرات الوزراء والنواب ومرورا باعتقال أكثر من خمسة عشر أف مواطن ، واستشهاد ثمانية أسرى في سجون الإحتلال وليس انتهاءا بتدمير البنية التحتية بقطاع غزة وكل مقومات الحياة فيها ، واقتلاع وتجريف آلاف الدونمات وقتل مئات المواطنين .
وفي الختام ومن خلال متابعتنا للشأن الإسرائيلي الداخلي نستخلص أن حكومة الإحتلال جادة في اعادة " شاليط " لأهله ، وربط ذلك في مجمل القضايا الأخرى كالتهدئة أو الهدنة ورفع الحصار الظالم عن قطاع غزة ، وما يرافقه من فتح للمعابر كافة بمن فيها معبر رفح .
الأمر الذي يستوجب وبشكل عاجل الإستجابة لدعوة السيد الرئيس " أبو مازن " ، وعودة الوحدة للشعب الفلسطيني ولشطري الوطن وانهاء حالة الإنقسام السياسي والجغرافي ، والتوحد والتوافق على آلية موحدة لادارة الأزمة وعملية التفاوض الجارية لضمان رفع الحصار الظالم عن قطاع غزة وضمان تحرير جزء كبير من الأسرى والأسيرات وهذا حُلم أسرانا وذويهم وشعبنا البطل .
الحرية لأسرى الحرية بدون قيد أو شرط أو تمييز
* أسير سابق وباحث مختص بقضايا الأسرى ومدير دائرة الإحصاء بوزارة الأسرى والمحررين
الموقع الشخصي : فلسطين خلف القضبان www.palestinebehindbars.org