التعذيب محاولة لكسرالأسير نفسياً وضرب البنى الثورية للمقاتلين

آلاف القصص والروايات يعيشها الأسير محاصراً بالتعذيب النفسي والجسدي

 

فروانه: رغم تحررنا ...لا زال السجن يحيا فينا ونعيش فيه ويتواصل معنا ويلاحقنا ويؤلمنا

الأسرى نت / تقرير - جمعه يونس

6 آذار 2006

ما بين لحظة الاعتقال ويوم الإفراج .. تتفتح آلاف القصص والحكايا المؤلمة... إلا ما ندر، يعيش الاسير في سجنه محاطا بضغوط نفسية تنهش نفسيته وجسده في آن معا نتيجة ما يلاقيه من التعذيب النفسي والجسدي... وللسجن ألف رواية ورواية بداخله... وغيرها لا تعد خارجه،  بين الذين تركهم ورائه.. ألام أو الزوجة أو الأطفال... سنسير جنبا الى جانب مع روح أحد الذين عايشوا التعذيب في سجون الاحتلال..ولا زالت ذكرياته بعد سنوات تنقط دما وألما...

لم يزر اسمي شفاه زوجتي

كم هم الذين يعيشون حياة الأسر لحظة بلحظة روحهم اسيره مع اخوانهم لكن أجسادهم طليقة، هذه فتاة لم تبلغ الثامنة عشر من عمرها كتبت وحملتني أمانة أن أوصل كلمات قلبها المجروح، وتكتب على لسان أسير خلف الشمس والأمل تقول "رائحة شبه واقعية تقتحم ثنايا أغلفتي المائية لترافق المطر.. ولع آخر يحملني لعري الحياة ويرميني في عتمة النهار.. أدم بمسميات أخرى ".قرأت ذات مرة أنه كلما كثرت أسماءنا كلما كثر أحبائنا والأن وفي هذه اللحظة عرفت لماذا لم يزر اسمي شفاه زوجتي...أطفالي الأعزاء أعلم أنكم تجلسون خلف أرحام أمهاتكم وأعلم أنكم ما زلتم تصرخون تلك الصرخة الغريبة ..ويضيف :"ذات مرة وأنا طفل صغير سألت ذات الأنثى التي زرتها في أحشائها لماذا بكيت في وجه النور ... هل لأن الليل كان أقوى من شمس حياة ام لأني ولدت هاهنا في ذات الجدران وفي ذات الكتاب ...فلتنتظري يا زهرة تشرين هذه رسالتي اليك هذه كلماتي الليك ... وعند قارعة الطريق تواعدت أنا وأردية السماء لتلبسني كذبا من واقع رافقني لمضجعي الأنثوي.. وقبل أن أشعر بلذة البرد تحسس جسدي.. انتشلت لحديقة ألواني، اعتزلت الربيع.. وعقدت هدنة هي ورماد الشوارع لأنشودة ذكرى نسيان لا يستذكر

رحلة التعذيب عند لحظة الاعتقال...و عند اقتحام المنزل يعيث الغرباء بوجوه ملوثة، فساداً في أثاثه ومحتوياته، ويفتشون دولاب الملابس والمكاتب، ويقومون غالبا بضرب الفريسة "المعتقل" أمام أهله ، ثم يستمر السيناريو ذاته.."بعد الخروج من المنزل تُقيد يدا المعتقل وتعصب عينيه ويوضع على رأسه كيساً برائحته كريهة، لا يمكن الرؤية من خلاله.. ومن ثم يلقى الجنود في على برد حديد السيارة عسكرية، .. وفي الطريق إلى السجن ينهالون عليه بالضرب مستخدمين الخوذ الفولاذية وأعقاب البنادق ويدوسون عليه بأرجلهم ويشتمونه بأقذر الكلمات.وعند الوصول الى مركز التحقيق، في الغالب، تقوم إدارة السجن بتفتيشه وأخذ ما بحوزته والطلب منه أن يلبس ملابس السجن وعادة ما تكون بالية وممزقة وبدون أزرار ورائحتها كريهة ومقاسها غير مناسب. ثم يأتي دورالممرض أو الطبيب الذي يحاول التأكد من الوضع الصحي للمعتقل وتوصيات الطبيب هنا مهمة جداً لرجل المخابرات لأنها تساعده في تحديد نقاط الضعف الصحية الموجودة عند المعتقل والتي يمكن استغلالها، كما تحدد نوعية وطبيعة التعذيب المناسب لهذا المعتقل، وإذا كان المجال لا يتسع هنا لعرض كافة أشكال التعذيب المستخدمة في أقبية التحقيق والتي وصلت الى 76 شكلاً..

أسرى الألم دوما..

 ويستمر هذا التعذيب أثناء فترة الاعتقال ويزداد بين فترة وأخرى وعند خروجه من السجن ، يسير الأسير المحرر الى أمه وزوجته وقلوب من أحب يوما..مثقلا بالتعذيب وذكرياته، وفي مخيلته أنه " ربما يقوى يوما على نفض غبار السجن العالق في أحشائه...لكن متى..بعد عام ..بعد عامين وجيل..؟ 

يقول الأسير المحرر عبد الناصر فراونه الناشط في مجال حقوق الأسرى ومدير دائرة الإحصاء بوزارة شؤون الأسرى " رغم مرور السنوات على تحررنا مازلنا نتعرض للتعذيب ونعاني من اثاره ولا زال السجن يحيا فينا ونعيش فيه ويستمر التعذيب بداخلنا ويتواصل معنا ويلاحقنا يوخذنا ويؤلمنا.. لا زلنا أسرى للذكريات المريرة ولم نتحرر بعد...".

وحول أساليب التحقيق يقول الأسير المحرر فروانه أنها ترتكز على الضغط النفسي أكثر من الجسدي والتي تهدف إلى تحطيم سلامة وشخصية المعرض للتعذيب، لأن الآثار النفسية التي يتركها الضغط النفسي أبعد مدى من الآثار الناتجة عن الضغط الجسدي،  لأنها تستمر لفترات أطول حتى إلى ما بعد الخروج من السجن كتذكر فترة التعذيب أو حتى نوبات الذعر، فالغرض الأساسي من التعذيب في السجون الإسرائيلية ليس إنتزاع الإعترافات فحسب، بل هدم الذات الفلسطينية والوطنية و تدمير الإنسان وتحطيم شخصيته ليكون عالة على أسرته ومجتمعه وعبرة لغيره، بل من أجل الحاق التعذيب النفسي والأذى بأسرة السجين وأبنائه وحتى أصدقائه ومجتمعه والحاق الخيبة بآمال ومستقبل الأطفال.

وشهدت أقبية التحقيق الإسرائيلية صراعاً قاسياً ومريراً بين الأسير والمحقق استخدم خلالها شتى الأساليب النفسية الضاغطة في محاولة لكسر الأسير نفسياً وتطويعه للإستجابة لإرادة المحققين والكشف عن معلومات تؤدي إلى مزيد من الاعتقالات وضرب البنى الثورية للمقاتلين.ولعلّ التجربة الفلسطينية مليئة بالحالات التي أصيبت "بعاهات" نفسية وعقلية بسبب التعذيب بوسيلة الضغط النفسي أثناء استجوابها، فالكثير من المعتقلين أصيبوا بأمراض عصبية وترك هذا الأسلوب آثاراً على حياتهم، بل دمرت وسحقت حياة الكثيرين وقضي على مستقبلهم وأصبحوا معاقين نفسياً وعقلياً بسبب ما تعرضوا له من تعذيب نفسيّ أثناء اعتقالهم.إن أعراض التعذيب النفسي خطيرة جداً، والمئات من الأسرى لا زالوا يعانون من اضطرابات نفسية، وتوترات، وانفصام شخصية، وقلق، وعدم الثقة، والخوف، وقلّة النوم وغير ذلك.

حقل تجارب لأفكار واختراعات المحققين

سنوات طويلة داخل الأسر يتعرض الأسير خلالها الى شتى أنواع التعذيب والذي أصبح حقل تجارب المحققين الاسرائيليين فعلاجهم يحتاج الى جهد كبير من قبل المؤسسات الحكومية والأهلية للتحقيق من معاناتهم ومحاولة دمجهم في المجتمع.

 وبهذا الخصوص يقول د.حكمي الرومي، أخصائي الطب النفسي في وزارة الصحة أنه يتم التعامل مع ضحايا التعذيب حسب الحالة وتنقسم نوع المعاملة الى نوعين الأثر الجسدي والأثر العقلي ...فالأثر الجسدي يتم التعامل معه من خلال تقديم العلاج المناسب لكل حالة ويتراوح ذلك ما بين العلاج الدوائي والجراحي.

و في حالة وجود تشوهات او كسور او اي أثار جسدية ظاهرية يتم علاجها.أما العلاج النفسي فيتم حسب حالة الأسير من حيث تقديم الخدمة سواء بالتفريغ الأنفعالي اذا كان الأثر النفسي حيث التكوين أما الحالات القديمة فيتم تصنيفها حسب الاضطراب النفسي وشخصية الأسير وبالتالي يتم التعالمل معها بالعلاج النفسي وبالأدوية والجلسات العلاجية المناسبة.

الدور القانوني

وحول الدور القانوني للتخفيف من المعاناة والتعذيب يقول محامي مؤسسة الضمير لرعاية المعتقلين وحقوق الإنسان الأستاذ حازم هنية" دورنا يقتصر على متابعة ملفاتهم وتكليف محامي الدفاع من أجل تسهيل الزيارات والتخفيف عن الأسرى لا سيما التعذيب الذي يتعرضون له ...كما أننا نقوم بالتوجه الى محكمة العدل الإسرائيلية في حالات التعذيب الموثقة من قبل الأسرى، والمحكمة بدورها تستدعي النيابة العامة ، وتجرم هذا العمل وفي بعض الأحيان تتخذ المحكمة قرارً بتغيير شكلي للمحققين ولكن حالات نادرة ، ولكن هذه القرارات تنبع من مبدأ تحسين صورتها الخارجية ولتظهر بالمظهر الديموقراطي المزيف في حين أنها تقر التعذيب . وشدد هنية على دور الأهل في خدمة أبنائهم والذين يقع على عاتقهم دور استحقاقي داخلي في طريقة تعاطيهم مع ملف أبنائهم، مطالباً بزيادة المشروعات التي تستهدف أهل الأسرى بتوعيتهم بالاعتقال وبالشق القانوني للقضايا أبنائهم .

الإجراءات المتبعة لتأهيل ضحايا التعذيب

مشاهد التعذيب، وذكريات الحرمان تلاحق الأسير في كل لحظة، تفتح صفحات لم يكن بحاجة إليها. ويقول د. حكمي الرومي أن إجراءات التخفيف وتأهيل ضحايا التعذيب تتم من خلال ثلاثة مراحل منها التأهيل النفسي والتأهيل المجتمعي، والتأهيل المهني والوظيفي. فالتأهيل النفسي يهدف الى تخفيف الآثار النفسية التي لحقت بالأسير نتيجة التعذيب وكذلك حين عودته لأحضان أسرته بعدة طرق. ثم يأتي دور التأهيل المجتمعي والذي يشمل برامج متنوعة لإعادة دمج الأسير داخل أسرته الصغيرة أولاً، لكي يحدث التوافق والشعور بالرضا، ثم تأتي أدوار أخرى مثل تأهيله داخل الأسرة الكبيرة والحي، والذي يحتاج لتضافر جهود مكثفة من المجتمع المحلي والمدني من أجل تخفيف ذلك مثل عقد ندوات وورشات عمل للتعرف على مشاكل الأسير ووضع الخطط السليمة لحل تلك المشكلات.

ويضيف د. الرومي: " بعد شعور الأسير بالاندماج الكامل مجتمعياً يأتي دور التأهيل المهني والوظيفي وذلك من خلال وضع عدة خيارات للأسير لمواصلة التعليم أو انتقاله للتعليم المهني حسب قدراته وإمكانياته حتى يتمكن من إيجاد فرصة عمل مناسبة له ولأسرته.

المدة الزمنية للعلاج

وحول الوقت الكافي لإعادة دمج الأسير في المجتمع وعلاجه يقول د. الرومي " يختلف الوقت حسب الحالة ومدى تأثرها بالتعذيب فمنهم من يحتاج لأشهر ومنهم من يحتاج علاجه وتأهيله سنوات، ويقف ذلك على مدى تقبل الأسرة والمجتمع لحالة الأسير وقت خروجه من الأسر، مؤكداً بأن معظم الحالات يعودون لحالاتهم الطبيعية خلال شهور إذا توفرت الظروف الاجتماعية المناسبة مع التأكيد على حاجتهم للعمل كي تتحسن حالاتهم بشكل واضح . ويقدر الرومي نسبة الذين يعودون لممارسة حياتهم بشكل عادي ب60% من الحالات إذا توفر التأهيل النفسي والاجتماعي والمهني المناسب.

أثار التعذيب

 وقد |كدت دراسة أعدها الأخصائي محمد الزير من برنامج غزة للصحة النفسية الى ان الأعراض والأمراض المزمنة والمستعصية والتي ظهرت وبدأت تظهر على الأسرى المحررين لها علاقة بصورة دالة إحصائياً بخبرة السجن والتعذيب، حيث دعا الباحث الى ضرورة اخضاع كل أسير الى فحوصات كاملة دورية  بين الحين والأخر للتأكد من خلوهم من الأمراض .كما بينت الدراسة أن ثلاثة من كل أربعة من الناجين من التعذيب في السجون الإسرائيلية يعانون من أمراض في القلب مثل آلام ووخز في عضلات القلب ، الشعور بدقات القلب وصعوبة في التنفس ، كما أن هناك 70% من الناجين من التعذيب في السجون الإسرائيلية يشكون من اعراض في القناة الهضمية والشكاوي كانت امتداد لأعراض القرحة مثل آلام فم المعدة ، آلام عند الجوع يخفف بالأكل، تقيؤ ، يتضرع شيء حامض، غثيان وقيء وفقدان في الوزن . وهناك مشاكل في الرئتين تظهر بعد التعذيب عند بعض المعتقلين مثل سعال دائم وحساسية في الصدر ناتجة عن الروائح والكيس القذر الذي يوضع في الرأس . كما إن فقدان الوزن مع الوضع النفسي المجهد في السجن من الممكن أن يؤدي بعد مدة لإلتهابات مزمنة في الرئتين مع احتمال الإصابة بدرن الرئة .

الدولة الوحيدة التي تمارس التعذيب قانوناً

يقول فروانة بأن هناك دولٌ في العالم تشرّع قوانين من أجل الديمقراطية وحقوق الإنسان وتسعى لأن تكون نموذجاً على هذا الصعيد، وهناك دولٌ أخرى تسعى لتطوير ممارساتها وأنظمتها بما ينسجم والمواثيق الدولية المتعلقة بذلك، وهناك دولٌ كثيرة تنتهك وتتجاوز بعض تلك القوانين، لكنها تتنصل من إنتهاكاتها تلك وتدعي الالتزام. 

و في سياق تلك اللوحة نجد أنفسنا أمام حالة استثنائية، بل و شاذة، لأن الأمر مختلف تماماً حيث أن إسرائيل تمثل حالة فريدة من حيث ممارسة التعذيب قانوناً من بين دول العالم. و لا يوجد دولةٌ أخرى في العالم شرعّت التعذيب سوى إسرائيل، وبالرغم من أنه وفي عام 1986 وقعت إسرائيل على إتفاقية الأمم المتحدة لمناهضة التعذيب والتي بدأت بالتنفيذ الفعلي بتاريخ 26 حزيران عام 1987م، وفي عام 1991 صادقت " إسرائيل " عليها، وهذا يعني الإلتزام بـ " اتخاذ إجراءات تشريعية أو إدارية أو قضائية فعّالة أو أية إجراءات أخرى لمنع أعمال التعذيب في أي إقليم يخضع لاختصاصها القضائي" المادة الثانية البند الأول من الاتفاقية المذكورة.

دور الإعلام في إبراز القضية

 الإعلام جزء أساسي في نجاح أي قضية فمن خلال الإعلام نستطيع تشكيل رأي عام عالمي حول قضية ما . فقضية المعتقلين العراقيين وما تعرضوا له في السجون الأمريكية شكلت قضية رأي عام، واستدعت أنظار العالم باتجاه قضيتهم مع أن ما مورس ضدهم يمارس منذ عشرات السنوات ضد الأسرى الفلسطينيين في سجون الإحتلال الإسرائيلي، ولا يوجد من يصور وينشر فبالتالي لا يوجد من يندد ويستنكر، فهنا يبرز أهمية الاعلام في خدمة قضية الأسرى والتخفيف من الضغط والتعذيب الذي يتعرضون له من خلال التركيز على الاعلام وبناء مؤؤسات اعلامية تعنى بشؤون الأسرى ومعايشتهم لحظة بلحظة حتى يشعر الأسير أن هناك اهتماماً بقضيته الأمر الذي يرفع من روحه المعنويه ويجعله يقاوم العذاب والسجان.