تعليق الإضراب .. إنتهاء أم بداية المعركـة ؟؟

 

* بقلم / عبد الناصـر عوني فروانـة

 

4/ 9/  2004 م

 

 

الإضراب ليس هدفاً بحد ذاته ، بل هو وسيلة نضالية لتحقيق أهداف معينة ، ولا يلجأ لها الأسرى إلاّ في حال فشل كافة الوسائل النضالية الأخرى والأقل قساوة كالإحتجاجات ، المناشدات ، المفاوضات ، والإضرابات الجزئية الهادفة لتحسين أوضاعهم وظروف حياتهم المعيشية ، كما وأن الإضراب عن الطعام هو شكل من أشكال المقاومة المشروعة ضد الظلم والإضطهاد ، وفي الوقت الذي قرر فيه الأسرى انتهاج هذا الشكل النضالي كانوا يراهنون على قوتهم وعزيمتهم وعدالة مطالبهم ومساندة الجماهير لهم ، وأصروا على المُضي في خطوتهم النضالية حتى تحقيق مطالب فعلية والتي تكفلها إتفاقية جنيف الرابعة التي تمنحهم شروط حياة انسانية داخل أماكن احتجازهم ، ومجمل المطالب التي تقدموا بها هي مطالب إنسانية بحتة وتكفلها - بل وأكثر منها - كافة المواثيق والأعراف الدولية ، والمتمعن فيها يدرك جيداً حجم معاناة ومأساة الحياة التي كانوا يعيشونها ، وجدلياً أينما وجد الظلم والإضطهاد وجدت المقاومة  …

 

تسعة عشر يوماً مرت وقد تكون أكثر بُطئاً من السلحفاة ، وفي كل ساعة منها سجل فيها الأسرى المضربون صفحات جديدة في سفر الحركة الأسيرة الحافل بالصفحات المضيئة ، ولا مبالغة لو قلنا بأن التاريخ البشري لم يُسطر من قبل صفحات مضيئة كالتي سطرتها الحركة الوطنية الأسيرة في سجون الإحتلال الإسرائيلي عبر تاريخها العريق ، كما لم نقرأ أو نسمع في التاريخ تجربة نضالية خلف قضبان سجون الإحتلال أكثر روعة من هذه التجربة  .

وها هم أسرانا يضيفون تجربة جديدة ويحققون إنتصاراً جديداً رغم قساوة السجان وتصريحات هنغبي الفاشي وتعليمات وزير الصحة داني نافية اللاإنسانية ، وحققوا مطالب فعلية بعد تسعةعشر يوماً من الإضراب المفتوح عن الطعام ،  وتُجبَر إدارة مصلحة السجون في إجتماعها مع ممثلي الأسرى وبتوجيهات من  القيادة السياسية الإسرائيلية على الموافقة على تنفيذ معظم مطالبهم ، ولم يكن لهذا أن يتحقق لولا المساندة الجماهيرية ، والتي أثبتت أن شعبنا الفلسطيني بكل فئاته وشرائحه و أطيافه السياسية موحد ، وسيبقى وفيَّاً للأسرى ، .

 

والمتتبع لأوضاع الأسرى يرى  المأساة والمعاناة و الإنتهاكات الفاضحة لحقوقهم الإنسانية ، ومئات المشاهد المريرة والمذلة ، ويسمع صرخات الموت ونداءات الإستغاثة ، ومن المفترض أن نُسمع العالم صرخاتهم واستغاثاتهم  … فلا يكفي أن نرى المعاناة بعيون فلسطينية ونشكي همومنا وآلامنا لبعضنا ونهتف بين أزقة مخيماتنا … فكلنا  شعب واحد نعيش تحت نفس الظروف ولم يبقَ شيءٌ في فلسطين ساكناً أو متحركاً ، بشراً أو حجراً أو شجراً إلاّ وأن ذاق مرارة الإحتلال ، وبالتالي علينا أن نفكر جدياً في كيفية مخاطبة العالم بكل أطيافه ، وأن نراكم ما أُنجز في الأيام المنصرمة .

 

وتعلق الإضراب لا يعني إنتهاء المعركة ، والتجارب علمتنا بأن لا نَثق بإدارة مصلحة السجون ومن ورائها حكومة الإحتلال ، والتي ستماطل وقد تتنصل من إلتزاماتها وتعهداتها في أي لحظة ، وعلينا أن لا نُفرط بالتفاؤل ، وحتى لو صدقت هذه المرة وإلتزمت ونَفذت كامل تعهداتها التي أُوقف الإضراب بسببها فهذا لا يعني بأن معاناة أسرانا قد إنتهت ، وأن حقوقهم الإنسانية المسلوبة قد أُعيدت لهم ، وأسرانا سيتوقفون عن نضالاتهم …  بل سيسعون مستقبلاً لخوض جولات نضالية جديدة لتحسين شروط حياتهم أكثر وبما يتوافق وإتفاقية جنيف الرابعة وكافة المواثيق الدولية … فما تحقق يعتبر إنتصاراً بكل المقاييس ، وأوقف الهجمة الشرسة التى شُنت عليهم وطالت إنجازاتهم التاريخية ، ولكنه يعتبر إنتصاراً في جولة نضالية وليس إنتصاراً في المعركة والتي لا تزال مستمرة ، فالمعركة بدأت ولم تنتهِ بَعد !!!.

 

ولهذا يتوجب علينا أن نكون مستعدين لجولات نضالية جديدة قد يخوضها الأسرى على المدى القريب ، وأن نواصل مساندتنا لأسرانا وقضاياهم العادلة ،  وأن تتواصل فعالياتنا لا سيما على المستويين العربي والدولي ، ومن خلال تقييمنا للأيام المنصرمة يمكن لنا القول بأن منسوب التفاعل المساند للأسرى على المستوى الدولي والجاليات العربية في أوروبا في إرتفاع مضطرد ،  ونحيي كل الناشطين في الجاليات العربية والذين تحركوا بجدية لنصرة أسرانا …  وبالمقابل للأسف الشديد وأقولها وبمرارة أن مستوى المساندة الجماهيرية العربية والإسلامية شبه معدوم ، وقنواتهم الفضائية شبه غائبة ، وعلينا أن نتواصل بجدية مع الأولى ونعمل على إتساع دائرتها وإرتقاء زخمها فهذا من شأنه أن يخدم قضايا الأسرى الإستراتيجية ويميط اللثام عن وجه الإحتلال القبيح ويسلط مزيداً من الضوء على ظروف سجون الإحتلال الإسرائيلي اللاإنسانية ومعاناة أسرانا التي يعجز القلم عن وصفها ، فهي تفوق بمرارتها وقساوتها عشرات المرات عما شاهده العالم من صور في سجن أبو غريب وغوانتانامو ….

 

ولتستمر الإعتصامات والندوات ولتشكل سفاراتنا وجالياتنا العربية في كل مكان محوراً مميزاً لإثارة قضية الأسرى في كافة المحافل الدولية وخاصة في الأمم المتحدة وتتواصل حملاتنا لتعرية حكومة شارون الإرهابية وإنتهاكاتها الفاضحة لكافة المواثيق الدولية الخاصة بأسرانا ، فهي الأكثر إرهاباً في العالم والأقل ديمقراطية والأكثر إنتهاكاً لحقوق الإنسان ، في ظل نشاط وإهتمام دولي بالديمقراطية وحقوق الإنسان !!! .

وعلى المستوى العربي والإسلامي فأنا شخصياً لم أفقد الأمل بالمخلصين والأوفياء منهم ، وأُذَّكر هؤلاء بأن الأسرى هم من حَملوا لواء الدفاع عن عروبتنا ومقدساتنا ، والدفاع عنهم بل وتحريرهم هو واجب قومي وإسلامي .

 

وبنفس التوقيت تنطلق وتتواصل هنا في فلسطين حملة في نفس الإتجاه تتمثل في إعتصامات وخيام دائمة أمام المؤسسات الدولية والقنصليات الأجنبية والسفارات العربية ، فعلينا العمل بكل جدية  للخروج من الدائرة المُغلقة التي نتحرك غالباً فيها ، وأن نُسمع العالم صرخات أسرانا ، وأن نُريه صور معاناتهم ،  ولا يسعني إلا أن أوجه تحياتي لجماهير شعبنا الوفية وفي المقدمة منهم أولئك الذين خاضوا إضراباً مفتوحاً عن الطعام تضامناً مع الأسرى .... وعلى المجتمع الدولي بكل مؤسسات أن يُدرك جيداً بأن اعتقال الآلاف وتعذيبهم ومحاولة إذلالهم وحرمانهم من رؤية ذويهم  ، سيدفع عشرات بل مئات الآلاف من ذويهم ومن شعبنا نحو الإنتقام من السجان وحكومته وسيزيد من كراهيتنا للإحتلال ، فالظلم والإضطهاد لن يصنع منا ومن أطفالنا سوى مقاومين ولأسرانا منتقمين ، وبالتالي لا إستقرار في المنطقة دون الإفراج عن أسرانا ، وإزالة آثار الإعتقال والتعذيب والسجن.