صبحة الأم .... الماجدة

 

   ابنك  سعدي  عمار

النرويج 25 -2-2008

 

هنا وفي  هذا  الموقع اخترت أن  اعطيك  حقك - انصافاً مني  لحقيقة  كنت  أنت  عنوانا  ماجداً  لها  - انك  وعن  حق كنت  أماً  حنوناً دائماً لأسرى الحرية الأماجد فكنت أماً رائعة  لهم  تعيشي همومهم  وعذاباتهم - ولهذا كله كنت - جميلة  أنت في  الموت  يا  ام  سعد - بلغ جمالك الذروة  حين  يئس الموت  منك  وانتحر - انتحر الموت  فيك  والتحم  الجرح  فيك  فصرت  يا   ام  سعد  حكاية  ثار--

هي نفسها  الكلمات التي كتبت فيها يا غسان كنفاني الماثرة - اعيدها هنا استلهاماً مني لنفس الامراة  التي  كنت  قد  كتبتها-- أم سعد- نعم هي نفسها التي لبت نداءك في الميدان - في شدة ووهج الحرب والانتفاضة  الشعبية الرائعة في عام 1987 وفي  الدفاع  المستميت عن  شهداء الحرية مع عدم التنفيذ -- أسرانا البواسل -- هي نفسها صبحة التي  لبت نداء الوطن -- بين مناضلي   الحرية عطاءا لا محدودا في التنقل بينهم تمدهم بكل احتياجاتهم -- تربط أواصر العمل  والثقة  بينهم--رافعة  هممهم  ومعنوياتهم  بشيخوخيتها  وحنانها في  الميدان--وقفت  صامدة  شامخة  ابدا  تتصدى  للجلاد  الصهيوني  بجوعها  وتضامنها  وزياراتها  لاسرى  الحرية  فكانت  بكل  المعاني  الرائعة  والجميلة-- ام سعد - في  حكاية  غسان  كنفاني  الشهيد  الكاتب  الماثرة

 

ولك  مني  كل  المعذرة  يا ام  سعد - وانا  اكتب اقل  بكثير  مما ينصفك - في  غيابي--اقصد  في بعدي  المؤلم  لحظة  غيابك--فانا لا  ادري  الآن أهي أفعال لم  نعهدها-  ما حيينا - أم  هي  تراكمات  الجد  وتداخلات  الاشياء  المنقوصة -  فكل  عهودنا وكل متناقضاتنا  بكل  ابعادها-- وعناوينها --الموت والفرح--الجبن  والشجاعة سلبياتنا  وايجاباتنا -كل  هذا  واكثر يكتنفني في  هذا  الجو  المرعب  الذي   يعيشه  الوطن-هذا  الوجع  المالوف  والغير  مالوف-    هو  حال  شعبنا  صاحب  الترحال  الدائم- والحامل  للهموم  الدائمة  --ذبح وقتل ولا انسانية  وعذابات  اثكلتنا  وجراح مزقت كل   شي  حي  فينا  وسجون  من  العدو  والصديق  اثخنت  جراحنا---قد يكون  كل  هذا  اصبح  مالوفا اما  الغير  مالوف  هذه  المرةوانا  احكي  بمشاعر  وعقل  في  اوجه ان  غربتي  خارج  وطني  ليس  اسوا  من  الغربة  داخل  الوطن  نفسه - هي  حقيقة  يعيشها  كل  فلسطيني  غيور--وما  اعتدنا  عليه  بالمطلق  ان  الاحتلال  الص  كان  دائما  المسبب  الحقيقي  لغربتنا  واوجاعها--واما  الان  فما  يزيد  اوجاعنا  اننا  بنفس  معايير  الاحتلال  بل  اكثر لا  نتمكن  من  ان  نعيش  افراحنا  واتراحنا  وبقرار  فلسطيني  جائر --فان  ياتي  هذا  الحرمان  من  ابناء  جلدتك  ولحمك  فانت  حتما  مقتول  في  داخللك  معدوم  بقرار  وطني  --عنوانه  من  استخدمناهم وسائل  لاعادة  هذا  الوطن  المجيد  ---

 

فللوطن  كل  المحرمات  - محللة- وكل  الاوجاع  مقبولة بل  مستوعبة  بأريحية  من  الحب  الدائم-- فللوطن  أمجاد  جليلة--سجود في  كل  الزقائق  والكنائس  والمساجد  والحواري  والمدن  في  كل  الارياف --فأي  شي  يحملنا  الي  وطن  يحملنا  حتما  الى  حيث  وهبنا  أنقسنا  من  أجله  وبه  تبقى  راياتنا  مشرعة  خفاقة  فلا وجع  ولا  غربة  ---لكن !! ان  نعيش  كل  هذا  وبنفس  السبل  والوسائل  بأساليب جديدة  وشعارات وأكاذيب ملفقة وبتداعيات  اخرى  غير  مفهومةفالنتائج  حتما  مجهولة  --ولو  تساءلنا  اليوم  من  نحن  ­  ! والى  أين  نحن  ذاهبون .. !! أقصد  أين  ذاهبون  بنا... !! ان  قلتم  الى  وطن!!

 

 

أجيبكم  ان  لنا في  أقوالنا  مأثورة  نصيب  -- قل  لي  ماذا  تفعل  أقول  لك  من أنت  !!

وانا  وفي  هذا  المقام  وكسجين  فلسطيني  سابق  ادمته  جدرانها  الصدئة ، صرت  وبعد  هذا  التقسيم  الدامي لوطني  أخجل  أمام  الغرباء  من  فلسطينيتي  بعد  ان  افتخرت  بها  عالياً-- وبهذا  الخجل  ككل  الشرفاء  على  هذا  الكوكب  يحتويني  حزن  عميق  على   هذا  الحال  المؤلم  واموجع  في  فرحي  كما  في  حزني   انا  الان  احس  بغربة  قاسية  وباوجاع  في  جسدي  أوجاع  في  الغابات---ولكنني  كما  أنا  أرى  دائماً  ان  النهر  يظل  لمجراه  أميناً --- يظل  يظل  لمجراه  أميناً ---

 

وان  وفي  حزني اليوم  وغربتي  تفتح  علي  كل  الاوجاع  بكل  تفاصليها --كنت  أمنع  نفسي  دائماً  من  أن  أكتب--- ولكن حزني  اليوم  شد وثاقه عليّ  فخنقني   فها  انذا  أحاول  مجرد  أحاول أن أجد  سبيلاً  ان  أرد  نفسي  الى  نفسي--فلسطيني  يحمل  الأوجاع  والأورام  والترحال-- البعد  والنكوص -- والأمل المقتول -- والمشاعر  المخنوقة  أبحث  عن  ذاتي  في  أهلي في شعبي في أمي--أم  سعد-- تلك من حملت معي الوطن الغالي ورحلة العذاب الطويلة بالسجون الصهيونية -- وبصلابة  القابضين على الجمر أستلهم  فيك  يا  أمي ان  يعود الوطن الى  محرابه  وكفى  العابثين   فللوطن  شجونه --- لك  الرحمة  يا  أم  سعد 

وللوطن  بعدك  البقاء

   نامي  قريرة  العين  يا  ماجدة

   ابنك  سعدي  عمار

النرويج 25 -2-2008

أخي الكبير ورفيق الدرب وصديق القيد والمعاناة المناضل / سعدي عمار

لم تكن صبحة أمك لوحدك .. فهي أمنا جميعاً ، أم حنونة لاسرى الحرية ، وأذكر جيداً كيف كانت تمنحنا جرعات الصمود وشحنات من المعنويات على شبك الزيارة .. أذكرها ياصديقي جيداً وهي تتنقل من سجن الى سجن لتزور هذا الأسير الفلسطيني وذاك العربي ... كيف كانت تتنقل من بيت عائلة هذا الأسير في رفح وذاك في بيت حانون ... أذكرها حينما كانت ساعي بريد للمناضلين والثوار ... أذكرها وأذكرها وأذكرها .... كما يذكرها كل من عرفها وسمع عنها .

ووفاءاً لها بكى الجميع على فراقها وانتفض الجميع في عزائها ... ومن لم يعرفها من قبل .. أيقن من خلال جنازتها الكبيرة ولحظة دفنها الى مثواها الأخير ، ومن مشاهد بيت عزائها .. أن الفقيدة " صبحة " لا تقل أهمية عن قادة عظام ... 

وأسأل الله عز وجل أن يتغمدها بواسع رحمته وأن يسكنها فسيح جناته وأن يجعل قبرها من رياض الجنة ،  وانا لله وانا اليه راجعون .

أما عن الوطن الذي حلمت أم سعدي أن تراه قبل رحيلها ... فأعتقد أنه حلم بات أبعد مما كان ... فالوطن ياصديقي لم يعد ذاك الوطن الذي عرفناه ونحن في السجون ... والمناضلون ليس هم الذين عايشناهم في السجون أيضاً وتعاملنا معهم في ساحة النضال الأرحب .

الوطن أصبح أوطان .. وطن يتشاجر فيه الإخوة ويتقاتل فيه المقاتلون ، وأصبحنا نشعر بالغربة في وطن يحسدنا البعض على أننا نحيا فوق ترابه... وبالأمس ونحن في السجن ياصديقي كنا نقارع السجان بكل شموخ .. لكننا اليوم أصبحنا نقارع الإحتلال وافرازاته ، وهموم الحياة وقساوتها ، ونقارع بعضنا البعض ونخشى على أنفسنا وأولادنا من اخواننا .... .. فهذا  ليس بالوطن الذي طالما ناضلنا من أجل أن نحيا أحراراً فوق ترابه ، وهذا المجتمع ليس ذاك الذي حلمنا أن نعيش في كنفه ، فصدقني يا صديقي تلك الحياة التي عشناها سوياً في السجن أفضل مليون مرة من حياتنا اليوم .

ودائماً نبحث عن اجابة  لسؤال كبير ... ولم نجد وليس هناك ما يوحي بالإجابة أو أن يمنحنا بصيص من الأمل ..  والسؤال هل سنفارق الحياة دون أن نرى حلمنا وقد تحقق ... ؟

  فالموت حق علينا يا عزيزي ، والآلاف فارقوا الحياة دون أن يروا وجهها الآخر ، فهل سنكون منهم ونلحق بأم سعدي ، دون أن نقطف ثمار نضالاتنا على الصعيد الوطني ودون أن ننعم ولو قليلاً بوطن حلمنا أن نحيا فيه منذ طفولتنا ..؟

 

مرة أخرى يا صديقي ... أم سعدي هي أمنا ... ووفاءنا لأم سعدي .. هو أن نتشبث بما تعلمناه منها وأن نستمر على طريق لن نحيد عنه مهما كان حجم الأشواك المزروعة ... وأن نتسلح بأمل زرع ولا زال وسيبقى فينا ...

أخوك الصغير

عبد الناصر عوني فروانة

 

 

من الجدير ذكره أن والدة الصديق سعدي عمار قد انتقلت الى رحمته تعالي يوم الجمعة الموافق 22 فبراير2008

وكنا قد أبرقنا للصديق سعدي  هذا النعي ونشرنا على موقعنا .

باسمي وباسم أسرتي الصغيرة أبرق أحر التعازي وأصدقها الى المبعد قسرياً الأخ المناضل الأسير السابق سعدي عمار المقيم حالياً في النرويج والى عائلته الكريمة بقطاع غزة .. بوفاة والدته ، التي انتقلت الى رحمته تعالى صباح هذا اليوم الجمعة الموافق 22 فبراير 2008

ونسأل الله عز وجل أن يتغمد الفقيدة بواسع رحمته وأن يسكنها فسيح جناته وأن يجعل قبرها من رياض الجنة ، وأن يلهم ذويها وأبنائها وبناتها الصبر والسلوان . " وبشر الصابرين الذين اذا أصابتهم مصيبة قالوا انا لله وانا اليه راجعون ". صدق الله العلي العظيم

 أخوكم / عبد الناصر عوني فروانة