النكبة  .. والمشروع  الوطني  المنكوب

 

سعدي  عمار

النرويج

13-5-2008

 أرشيف الكاتب

ثمة أشياء كثيرة وكثيرة جداً .. تحفر أدمغتنا .. لوقوع النكبة حينما نسرد وقائع متسارعة  زمنياً .. بالعمق التاريخي للكلمة... مؤتمر بازل الاول للحركة الصهيونية سنة 1987.. معاهدة  سايكس بيكو1914.. ومن ثم الانتداب البريطاني على فلسطين ، وعد بلفور المشؤوم1917.. الهجرة اليهودية المتسارعة ، تشكيل المنظمات اليهودية لشراء الاراضي الفلسطينية وخصوصاً  اراضي المغتربين... العصابات الصهيونية أرغون ، شتيرن ، وهاجاناة (الاستعمارالاستيطاني  السريع والتحول الرأسمالي الاستعماري ) هاتان العمليتان البنيويتان تضافرتا في ظل الانتداب  البريطاني لاخضاع الشعب الفلسطيني وتدمير مجتمعه ، ومن ثم الامم المتحدة التي كانت شريكاً  فعلياً أيضاً بالنكبة.

ان كل هذه العناوين التاريخية البارزة والكبيرة وبتداخل عميق وبقراءة  تفصيلية لها ، مكَّنت  المنظمات الصهيونية من تشكيل ذاتها بقوة وبتآمر استعماري لا مثيل له ، استطاعت هذه  المنظمات كذراع عنيف ومتمكن للحركة الصهيونية من أن تفتح  حربها المجرمة  ضد  الشعب  الفلسطيني البسيط ، الفلاح والفقير ، الجاهل الذي لا يملك الاَّ إرادة  فلسطينية محضة في  حينه.. بارتكاب المجازر والمذابح .. وتم التنكيل بأهلنا وشعبنا في كل مكان ، فتم تهجيره عن وطنه  وأرضه .. وتمكن الصهاينة من احتلال وطننا ، فحدثت النكبة ..

بالأحرى شعبنا تعرض لأكبر عملية تطهير عرقي ، وأكبر كارثة عرفها التاريخ في حينه..

وتجدر الاشارة هنا ان شعبنا وفي خضم تلك الاحداث ولسخطه على ما يجري له  من الاستعمار البريطاني ، والهجرة الصهيونية وحالة التغييب المتعمد له ، حتى عن آدميته ، وبقدرات ذاتية   فذة تمكن من إحداث ثورة استمرت من عام 1936الى عام 1939 ، وحينما أدرك الاستعمار  والعدو الصهيوني أنهم لن يتمكنوا من إخماد هذه الثورة العظيمة ، واستكمالا للمؤامرة أوعزوا  لأدواتهم المستعدة دائماً ، من الحكام العرب ، ليخاطبوا الثوار بوعود كاذبة ، كانسحاب  الاستعمار وغيره .. وللاسف وثق الثوار بحكامنا الذين لم يتبدلوا بعد...!!

ذاك مروراً لافتاً للنكبة ... وموضوعنا لا يتسع لدراسة تحليلية وتاريخية للنكبة .. ولا أظن أن  فلسطينياً تعنيه فلسطين والوطن .. لم يقرأ تلك العناوين والتحاليل والكتب عن النكبة ووقائعها  الغادرة..

وتناول النكبة التاريخية بكل أبعادها ومواجعها وما ترتبت من ضياع وتشرد ورحيل وغربة وأوجاع تطول كل شعيرة في أبداننا .. وما تركته تلك النكبة من تراخي ونكوص وتراجع في  بنيتنا وهيكليتنا ... ومن ثم نفض غبار ذلك كله لتحيا فينا كشعب عملاق القدرة على استعادة  ذواتنا .. من بناء ونفض لمصائبنا ، ومن ثم الانطلاق لكيفية جديدة  مترابطة عميقاً لاعادة هذا  الوطن السليب ... ومقارنة ذلك كله بما نحيا ونعيش ..

  فأي متتبع لتاريخية نكباتنا .. ونكساتنا .. سيجد بما لا يدع مجالاً للشك أن الوسائل والطرائق  المتبعة قد تختلف في مظاهرها وتفصيلياتها .. ولكنها حتما تلتقي في عناوينها  وأسسها .. ونتائجها .. فالماضي والحاضر ، والمستقبل .. لهم ترابطهم الجدلي العميق.

النكبة كانت ولازالت تعني أننا افتقدنا إنسانيتنا .. وجاء حتلالا بغيضاً ليسلب منا كل شيء.. هذا  الاحتلال لم يتورع في تاريخه وحاضره من استخدام كل أساليبه وفنونه القذرة والبشعة لتدمير  بنيتنا المجتمعية وتفتيتها ... ونحن دائماً نكبر بنخبناً وبكوادرنا وبقادتنا .. لا بل حتى  بأشبالنا..

 وطالما حالنا المجتمعي صالح  ، نظل قادرين دوماً على تجاوز كل أزماتنا ، مهما كبرت ، ومهما ازدادت صلافة  ، فهو غدر الاحتلال .. ولكن ان تمكن الاحتلال منا بزرع الفتن  والأدران والعشائرية والفئوية والجهوية  بيننا ... سيظل يتحكم وينجح في رسم مخططاته الغادرة.

هي النكبة .. تصرخ  فينا بالأعالي .. هل يمكن ان نضع حداً لما نحن عليه اليوم من فرقة ، ومن  خزي..!! هل يمكن وضع حد للعار الذي نعيشه ..

نعم عار عليكم أيها المتحكمون..! فما أشبه اليوم بالامس ، فبالامس نفتقد فلسطين الوطن  والانسان  ونعيش الجراح المثخنة .. ونصحو ونستفيق من هول المأساة .. فتكبر فلسطين في  داخلنا .. وتنطلق الحركات والأحزاب الوطنية والثورية لتحدي المرحلة ، تقدم هنا وتراجع هناك ، ولكنه تقدم دائماً.. فنتخلص من الكثيرالكثير من التخلف والتراجعات من ماضي سحيق   فرضته علينا النكبة والاستعمار .. وتنتشي حالة  الشعب الفلسطيني.

فشعبنا الحاضر دائماً كفاحياً  ، والقادر عل لملمة نفسه بطريقة مذهلة ، وحكايات  صموده ومعاركه الباسلة ضد الاستعمار وأعوانه...

 شعبنا صفحاته الناصعة في الاباء والتحدي وتجاوزالمحن .. هي التي تزرع فينا الأمل... شعبنا  الذي تعرض لنكبة جديدة بل هزة أرضية بأعلى مقاييس ريختر عام 1967... أو ما اصطلح  على تسميتها " النكسة " .. اجترح من عمقها كفاحاً عنيداً وتواصلاً نضالياً رائعاً .. أعاد حينها  آماله الضائعة في دحر  الاحتلال.

وترتفع دائماً راية الانتفاضات الشعبية والمسلحة .. ودائماً ضد الاحتلال وأعوانه..؟؟

  ولكن ما نعيشه اليوم كارثة من نوع آخر .. بل نكبة لمشروعنا الوطني برمته .. فهل يستفيق  المدعوون ؟؟ هل تاريخنا الماجد رغم كل العثرات والكوارث ، .يستدعي من هذه التنظيمات   هذه العنجهية والاصرار على هذا التقاسم البائد للوطن المفدى ..؟؟!! أم يستدعي دراسة مستفيضة  لمآثر شعبنا لتجاوز المحن والخروج من الحالة المقيتة ، لنعيد إلى مشروعنا الوطني آهليته من جديد ... فكفانا نكبات وكوارث .. ومجازر .. ؟؟!!

 

ايها  الفلسطينيون..

تسرقنا اللانهاية ... وفكاهة الحلم توقظنا ... وتنكسر الفحولة على أوتار  جدليتها ... لنتحاصص ، وعلى ماذا ...؟ يسقط زماننا .. ونحن حفاة ...!! بل وأسوأ من ذلك...

نبيع  تاج  حكمتنا..!!

نكبة  جديدة أيها الفلسطينيون ... هل من استعادة لمجدنا الآبي ...؟؟

نكبة .. تعب المحارب ... صبوا له الشاي ... فليس والله أسوأ في الدنيا من شتاء الانتظار .. بين  الحصار والحصار.. راقبوا .. حتى ضحكاتنا ضحكاتكم ، فهي تخرج بمليء شفاه  الجروح ... وهل أنتم أيها المدعوون مسكونون بلا مبالاة رتيبة .. ؟

هذه  الانكسارات ، وهذا الحزن الكوكبي ... وأنا أعتقد ... امام  اللاخيار... أن الدم لا زال مهاجراً في الفحولة... ألم تتعبوا من رؤية العدم ؟؟!!!

للشهداء  كل  المجد والشفاء للجرحى وللأسرى الحرية

سعدي  عمار

13-5-2008

  أرشيف الكاتب

سعدي عمار ... فلسطيني  وكان يقيم مع عائلته في قطاع غزة ويعتبر أحد مناضلي الثورة الفلسطينية ومن قيادات الإنتفاضة الأولى المميزين واعتقل عدة مرات وأمضى سنوات في سجون الإحتلال الإسرائيلي ، وأبعد قسريا أوائل التسعينيات ويقيم الآن في النرويج .