الرفيق أحمد سعدات ،، إنسانيته ،،

 

 

 

بقلم الأسير : حسن سلامة

عزل أّيلون – الرملة

25-6-2011


وها نحن نعود معكم من جديد لنتحدث عن هؤلاء الأخوة المعزولين ،،عن هؤلاء الأقمار ،،عن حياتهم ،،عن إنسانيتهم التي تميزوا بها ،، عن هذه الجوانب الحياتية الجميلة لهؤلاء الرجال الذين قسرا غيبتهم زنازين العزل لكنهم ما غابوا ولن يغيبوا ،،وقلوبهم تنبض بكل المشاعر الإنسانية ،، نتحدث اليوم عن صديق أعتز جدا بصداقته وكان لي شرف معرفته والعيش معه في هذه الأقسام وداخل هذه الزنازين المظلمة الموحشة التي وصدقا كانت من الفترات الجميلة جدا نقشت في ذاكرتي وداخل نفسي،،.

حديثي سيكون عن الرفيق أحمد سعدات الأمين العام للجبهة الشعبية وأتمنى أن يسمح لي بذلك وأنا أعلم أنه كمناضل قد لا يحب ما سأقوم به ،، أكيد من يعرف أبو غسان عن قرب يفهم قصدي ،،لكنني كسجين معزول منذ سنوات في هذه الزنازين خبرتها جيدا وخبرت أوضاعها وعشت مع هؤلاء المناضلين في ظل هذه الأوضاع ،، ووفاء لهذه اللحظات أحببت أن أتحدث عنهم وعن جوانب حياتهم الإنسانية الجميلة ،، التي نعيش جمالها معا رغم كل القمع والتنكيل والظروف القاهرة لكننا نتحداهم ونتحدى عنصريتهم بإنسانيتنا الجميلة التي كنا نحياها معا على حسب ما نستطيع ،،

 

أبو غسان الرفيق أحمد سعدات كمناضل وقائد أشهر من أن يعرف جمعتنا معا داخل هذه الزنازين حياة مشتركة كانت جميلة مع هذا الرجل الذي ساعدني كثيرا وكان شاهدا على أهم حدث اقتحم حياتي ،،خطبتي التي تمت وأنا أعيش معه في هذه الزنازين ،،.

 

قدم الرفيق أبو غسان إلى قسم العزل في سجن عسقلان سنة 2009 ومن عادتنا كأسرى أن نسأل ونستفسر عن أي سجين قادم فإذا به الرفيق أحمد سعدات "أبو غسان" وضعوه في زنزانة رقم"12" التي كان يسكنها قبله المجاهد القسامي عبد الله البرغوثي ،،كانت زنزانته بعيدة عنا وفور خروجه للفورة صباحا توجهت إلى شباك زنزانته المغلق تماما والمطل على الفورة وسلمت عليه بالصوت وسألته عن وضعه وصحته وأموره وظروفه وعرفته على نفسي وكان يعرفني وكنت سعيدا جدا بالحديث معه وكالعادة بدأت أشرح له أوضاع القسم وأسماء المتواجدين ،،الفورة كانت وسيلتنا للتواصل معه دون أن أراه أو يرانا وكان الرفيق أبو غسان يحافظ على الخروج للفورة "كرياضة مشي" كان يتحدث معنا بإحساس المناضل الذي يريد أن يساعد ،، كان حولنا أخوة معزولين بحاجة لمساعدة سواء بالدخان أو أغراض أخرى لم يقصر مع أحد منهم وكان يرسل لهم باستمرار على حسب ما هو مسموح ،ورغم أنه كان قادم جديد لقسم العزل فورا بدء يسجل أسماء المعزولين ويستفسر عن حالهم ووضعهم المالي وهذا أول شيء قام به في زيارته للمحامي بإرسال أسماء هؤلاء الأخوة المعزولين للمؤسسات المعنية بوضع الأسرى لكي يتم متابعة أمورهم ،،هذه كانت معرفتي الأولى به نتحدث دون أن يرى أحدنا الاخر ،،

تم نقلي بعد ذلك إلى قسم اخر في سجن ريمون وعندما عدت بعد شهرين كان ما زال أبو غسان في عزل عسقلان وليوم واحد تحدثنا وللأسف في اليوم الثاني تم وضعه في عقاب وسحبت منه كل أغراضه فقط لأنه ساعد سجين بالسجائر وأصر على ذلك أمام إدارة السجن كحق لنا ،،

كان يعيش حياته بأسلوب التحدي،،يساعد بقدر ما يستطيع بإنسانيته ،، ويصمد ويتحدى بإنسانيته كمناضل وكقائد ،،بعد أسبوع تم نقله وهو معاقب إلى عزل ريمون ولحقت به بعد شهرين وهذه المرة كان قرار إدارة السجن بوضعي مع الرفيق أبو غسان في نفس الزنزانة ،،وعندما دخلت عنده ورحب بي دون أن يعرفني فهو لم يراني وسنوات العزل غيرت شكلي ،،ولكن عندما عرفني زاد في ترحيبه بي وهذا الأمر من الأمور المضحكة المبكية والتي تحدث عندنا باستمرار في العزل ،،نتعارف نتصادق دون أن يرى أحدنا الاخر حتى إذا اجتمعنا تفاجئنا بأننا نجهل أشكال بعض ،، عشت مع الرفيق أبو غسان فترة تجاوزت العام في هذه الزنازين تنقلنا مع أكثر من سجن وقسم وعزل آخرها كان العودة إلى ريمون ،،رغم إعجابي بشخصية الرفيق أبو غسان كمناضل وكقائد لكن ما لمسته من إنسانيته زادني إعجابا كبيرا به ،،

 فهو رجل صلب قوي يعيش من أجل وطنه وقضيته وشعبه وينسى نفسه التي هي اخر ما يفكر بها ،، كانت إدارة السجن القمعية تتصور أن وضعنا مع بعض في كل هذه الظروف مع هذا الاختلاف الفكري سيجعل حياتنا جحيم لكن مع الرفيق أبو غسان خابت كل ظنونهم ،،كنت أظن نفسي وأنا الذي أصغره سنا ساكون من يساعده فإذا بي أمام رفيق لا يشعر بطعم الحياة إلا بالمشاركة والمساعدة في كل شيء يتعلق بالحياة المشتركة ،، الرفيق أبو غسان يعشق مساعدة الاخرين دون النظر للون أو الشكل لا يستطيع أن يقول كلمة لا لمن يطلب مساعدته حتى وإن كان هذا الشخص عنصر مؤذي لنا ، مبدأه في الحياة مساعدة الجميع، يحترمه الجميع لأنه يحترم الجميع ، بل يتفنن في احترامهم ومساعدتهم ومبادلتهم الأحاديث والاستماع لهم ، وتقديم المشورة والحلول لهم بناء على تجربته ، عشت معه أجمل الفترات وهو يساعدني ويساندني في فترة خطوبتي ، وكانت وجهة نظره في خطيبتي عندما سمعها على الراديو في لقاء معها لم أسمعه بسبب وجودي في البوسطة من أهم الأمور التي جعلتني اخذ قرار إيجابي في هذا الموضوع ،، كنت في هذه الفترة مقطوع من زيارة المحامين فكانت زيارته لأي محامي زيارة لي ينقل طلباتي للأهل حول ما يتعلق بخطوبتي ،، أجمل هذه الفترات عندما قدم بجوارنا كل من الأخ محمد جمال النتشة "أبو همام" والرفيق عاهد أبو غلمي وكانا معا فأصبحنا وكأننا أسرة واحدة حولنا جحيم هذا العزل إلى حياة اجتماعية جميلة ،، نتشارك فيها الضحك ،،نحدثهم يحدثونا ،، نتناقش ونتحاور ،بل كنا حتى نسهر معا على شبابيك الزنازين نرقب السماء ليلا نبحث عن القمر الذي كنت أعيش مع جماله كخاطب جديد وكانوا يشاركونني هذه اللحظات حتى وأنني ومرات عديدة أيقظت الرفيق أبو غسان في منتصف الليل لكي ينظر إلى جمال القمر الذي كنا نراه مقسما عبر مكعبات موضوعة كحماية على الشبابيك ،، كنا نسرق من هذا السجان هذه اللحظات الجميلة ونعيشها ،،

وأجمل هذه اللحظات عندما يأتي وقت برنامج الأسرى نجلس ونستمع كل منا ينتظر أهله لكي يتحدثوا وكانت إذاعة أمواج لا تأتي في زنزانتنا واضحة فكان الرفيق أبو غسان يحاول بقدر ما يستطيع البحث عنها حتى أتمكن سماع خطيبتي التي كانت تتحدث عليها وفي الزنزانة المجاورة وعند أبو همام والرفيق عاهد كانت تأتي واضحة فيساعدوني برفع صوت المذياع الذي لا أستطيع سماعه فيساعدني الرفيق أبو غسان لكن كل المحاولات تفشل فيعيد على مسامعي الرفيق أبو غسان ما قالت،، ظروف العزل وطدت علاقتنا وقوتها وها أنا أكتب هذه السطور وأنا أعيش الان مع الرفيق عاهد أبو غلمي في عزل أيلون بعد ما تم نقلي من عند الرفيق أبو غسان ،، فوجدت عند الرفيق أبو قيس الصديق الذي استقبلني ورحب بي بل ساعدني كثيرا ،،لذلك أعتبر نفسي محظوظا بتعرفي على هذان الرفيقان المتشابهان في كثير من الصفات التي حدثتكم عنها ،، عند أبو غسان استصغرت قوتي وصلابتي ،، وعند الرفيق عاهد وما يتميز به من دماثة أخلاق ومسامحة أتعلم منه الكثير ،، كنت كل يوم أنتظر براد الشاي الذي يصنعه أبو غسان ويأخذ منه كاسة ويترك الباقي حتى استمتع بشربه وأنا استمع برنامج الأسرى منتظرا حديث خطيبتي وعندما يبدأ الحديث يبدأ الجميع بالاستماع وخاصة الرفيق أبو غسان حتى يعيد على مسامعي ما قالت ،،كان يشاركني فرحتي التي كان يعتبرها فرحه وكان ذلك واضحا من أحاديثه معي ونبرة صوته ،، كنا نبارك لبعض عندما يتحدث أحد من أهلنا وكأننا في زيارة فقد كانت هذه اللحظات هي زيارتنا للأهل الذين حرمنا منهم ،،

 إحساس أبو غسان بمن حوله عاليا جدا ولو على حساب نفسه ،، فقد حرم نفسه التدخين العادي واقتصر على سجائر معدودة يدخنها في أوقات معينة في زاوية بعيدة حتى لا يضايقني،، وجدت عنده احترام كبير جدا لمعتقداتي الدينية وتوفير كل الهدوء والراحة من أجل القيام بشعائري الدينية لدرجة تجاوزت تصوري بل حتى قد لا أجدها عند ممن يحملون نفس أفكاري ،،
الحديث عن إنسانية الرفيق أبو غسان تطول ،، وأنهي هذه الأسطر وحديثي عن هذا الرجل المعزول بأمران وطرفة ،،

 الرفيق أبو غسان ليس كقائد فقط بل كإنسان يمتاز بمشاعر وأحاسيس مرهفة وشعوره بمن حوله عالي جدا وخاصة الأهل الذين كان مرات يسمعهم عبر الإذاعة ويكون في غاية السعادة لكنه من النوع الذي يعيش مع هذه المشاعر بشكل خاص فهو يحب بصمت وهذه قمة الحب وأيضا يتألم ويحزن بصمت ويكتم آهاته ويستبدلها بضحكة عريضة ،، تعلمت من أجمل حكمه ،، في الحياة المشتركة تحدث كثير من الأشياء لكن لا يجب أن نجعل صغائر الأمور تذهب جمال حياتنا لذلك كان أبدا يرفض التوقف أو الحديث في امور صغائر الحياة ويعتبرها تذهب لوحدها ،، أما الطرفة فحادثة من شدة ما ضحكنا عليها سميناها "حادثة القهوة" التي أردنا أن نشربها بعد أكلة دسمة ففارت من أبو غسان بعد أن سهي عنها وامتلأت بها جدران الزنزانة وبعد التنظيف والتعب بدأ الرفيق أبو غسان بتجهيز أخرى وحدث معها ما حدث بالمرة الأولى بل أكثر لذلك اعتبرنا هذا اليوم يوم القهوة الذي حرمنا فيه من شرب القهوة ،، والقصص الجميلة مع هذا الرفيق كثيرة والمواقف الجميلة أكثر ،، هو كقمر من أقمار بلادي غاب خلف جدران هذه الزنازين وراء جدران وأقسام العزل أو الموت البطيء ،، ولكن من كان يحمل في قلبه كل هذه الإنسانية لن يغيب ،،رفيق وقائد سلاحه إنسانيته أمام كل ما يملكون من أسلحة قمع وتنكيل ومنع وحرمان