17 مايو 2004
انكـشاف فضـائح التـعذيب في سجن "أبو غريب" في العراق, بعث أملاً لدى ضحايا التعذيب في السجون الاسرائيلية ببحث قضيتهم في العالم ، لأنهم تعرضوا لتعـذيب أكبر وأبشـع ، والمجـرمون الذين عـذبوهم ما زالوا طلقاء, وليس فقط لم يحاسبوا, بل حصل كثيرون منهم على ترقيات في وظائفهم ، لكن سلطات السجون الاسرائيلية مرعوبة, وبدأت تتخذ اجراءات لاخفاء المعــلومات عـن تلـك الجـرائم ، فـقررت منع المحامين من ادخال هواتف نقالة مزودة بكاميرا أثناء مقابلة موكليهم السجناء.
عندما كانت عدسات الكاميرا تلتقط صور تعذيب العراقيين داخل سجن "أبو غريب" والعالم كله منشغل بها كان جسد الفتى الفلسطيني زياد حمايل, الذي لم يتجاوز السادسة عشرة من عمره, يرتجف خوفاً من صرخات المحقق الاسرائيلي الذي أمره بخلع ملابسه واختيار الطريقة التي يريدها للاغتصاب, من دون ان يرتفع صوت واحد في العالم ضد هذه الجريمة.
كان زياد وحيداً, لا عدسات كاميرا ولا ضمير إنساني, باستثناء أربعة جدران ذات لون داكن وغرفة مظلمة في معتقل عوفر وقهقهات الضابط المحقق وصرخاته لم ير زياد شيئاً ، وبقيت قضيته مخفية, مثل قضايا مئات الفلسطينيين الذين رأوا أنفسهم عبر شاشات التلفزيون من خلال صور العراقيين وتذكّر كل منهم معاناته الشبيهة وربما أيضا الأكثر قساوة ، " لو التقطت الصور لمعاناتنا لكانت بشاعتها لا توصف", قال كامل جبيل, الفلسطيني الذي قضى سنوات طويلة في السجون الاسرائيلية, آخرها بعد الحملة العسكرية الاسرائيلية "الجدار الحامي" وكان شاهد عيان على موت زميله مصطفى عكاوي بسبب ما تعرض له من تعذيب.
شهران مرّا على الفتى زياد, وما زالت صرخات الضابط ترافقه ليل نهار: "أنت... أنت أيها الحقير الفلسطيني, اخلع ملابسك".
صرخ ذلك الضابط المحقق, لكن زياد لم يستوعب ولم يدرك ما يدور حوله. بكى, توسل, لكن شيئاً لم يجده نفعاً.
"أترى هذه العصا الطويلة ، تمعن بها جيداً ثم قرر بأية طريقة تريد ان اغتصبك, بالطريقة العادية أم بهذه العصا"... صرخ الجندي وراح يقهقه ، فما كان من زياد إلا ان انهار أرضا ولم يعد يدري ما يجرى من حوله ، يتذكر ان الضربات واللكمات كانت تصيب كل أنحاء جسمه وكانت صورة زميله جاسر الذي اعتقل معه وتعرض للتعذيب وفقد جزءاً من اذنه لا تفارقه: "عندها شعرت أنني حتما سأموت", قال.
اعتقال زياد تم في المساء اثناء عودته إلى بيته مع سبعة من زملائه ، أوقفتهم دورية عسكرية واحتجزتهم ، و كبلوا أيديهم وغطوا عيونهم وابقوهم حتى ساعات الفجر على الرصيف ، بال الشبان في ملابسهم لأن الجنود منعوهم من قضاء حاجتهم حتى في الخلاء ، اصيبوا بحالات برد وارتعدت أجسادهم ليس برداً وحسب بل أيضا من الضربات التي تلقوها ، وكانت الوجبة الأكبر من الضربات لجاسر الذي تعرض لاعتداء قاس من احد الجنود حتى فقد جزءاً من أذنه ، عندها, وكما تقول المحامية نائلة عطية التي ترافع عن الفتيان, قرر الجنود الإفراج عنه بعد ان تعرض لنزيف لساعات طويلة واما البقية فاعتقلوا في سجن عوفر المؤلف من مجموعة خيام قرب رام الله. وهناك تعرضوا لأبشع أساليب التعذيب.
بعد جلسات عدة شرح خلالها زياد ما تعرض له من اعتداءات وتهديدات بالاغتصاب وجراء وضعه الصحي المتدهور تقرر الإفراج عنه على ان يمثل أمام المحكمة يوم الخامس والعشرين من الشهر الجاري ، وجاء الإفراج عنه بعدما فشل الجيش الاسرائيلي بتقديم اثبات للتهمة التي وجهت ضده, وهي "قذف الحجارة" كما تؤكد محامية الدفاع.
هذه الحالات, البعيدة عن عدسات الكاميرا, هي جزء بسيط من الاعتداءات وأساليب التعذيب التي يتعرض لها الاسرى الفلسطينيون طوال المراحل التاريخية لإسرائيل, منذ العام 1948 وحتى اليوم. ربما اختلفت الأساليب بين حقبة وأخرى, لكنها جميعها تتمثل بأقسى مراحل المعاناة والتعذيب والتنكيل والمساس بالكرامة. وان كانت تعرية الأسير واغتصابه أو تهديده بالاغتصاب قاسية لكنها لا تقل خطورة وقساوة عن وسائل التعذيب الأخرى التي أدت إلى استشهاد 170 أسيراً فلسطينياً داخل السجون الاسرائيلية وجعلت المئات يعيشون حالات نفسية خطيرة بعضهم لم يتحمل ووصل إلى حالة انهيار خطيرة دفعت البعض إلى الانتحار كما حصل للشاب رياض ابو عصبة الذي دخل إلى السجن عريس أسبوع وخرج منهاراً نفسياً وجسدياً ووصل إلى حد الجنون, ما دفعه إلى وضع حد لحياته داخل منزله حيث عمد إلى فتح اسطوانة غاز ومات اختناقاً.
عندما توجهنا إلى الأسرى المحررين حديثا أو قبل بضع سنوات للإطلاع على معاناتهم داخل السجون الاسرائيلية وجدناهم يجمعون على ان ما يُنشر من صور تقشعر لها الأبدان عن الاسرى العراقيين هو جزء بسيط من معاناة قاسية عاشوها اثناء وجودهم في السجون الاسرائيلية ، وهناك من بات يعتقد بأن الوحدات الأميركية التي وصلت إلى إسرائيل قبيل الحرب على العراق وتجولت في شوارع مخيم جنين للاطلاع على أساليب محاربة الفلسطينيين والاجتياحات في هذه الحملة, لم يقتصر هدف وصولها لدرس الأساليب الحربية والعسكرية فحسب, كما كُشف آنذاك, بل لدرس أساليب التعامل مع الاسرى والمعتقلين. فكل صورة نشرت من داخل سجن " أبو غريب " وجد لها الاسرى الفلسطينيون صورة مطابقة جداً بل أحيانا أكثر بشاعة مورست داخل السجون الاسرائيلية. وهناك حالات لم يتم الكشف عنها بعد, خصوصاً تلك التي حصلت داخل السجن السري الاسرائيلي "1361" الذي ترفض أجهزة الاستخبارات الاسرائيلية الكشف حتى عن موقعه الجغرافي وتفاصيل المساجين فيه ما يعني حتمية وجود حالات قاسية وخطيرة داخله.
عندما حاول الاميركيون التخفيف من حدة ردود الفعل على بشاعة ما ظهر للعالم من داخل سجن "أبو غريب" العراقي صرح مسؤولون ان أوامر وصلت إلى الجنود تسمح لهم باستعمال القسوة مع نوع من المعتقلين ، هذه الجملة قالها الجنود الاسرائيليون في اكثر من مناسبة ومحاكمة على ممارساتهم القاسية ضد الفلسطينيين والتي بدأت منذ العام 1949 اثناء محاكمة خمسة جنود إسرائيليين بتهمة اغتصابهم وقتلهم فتاة فلسطينية في العشرينات (داخل إطار) في عهد رئيس الحكومة دافيد بن غورويون ، وكشف في ملف المحكمة ان الأوامر كانت تقضي بتعذيب الفلسطينيين وقتلهم ، وتواصلت هذه الأوامر بأشكالها المختلفة في عهود الحكومات الاسرائيلية المتعاقبة حتى الحملة العسكرية الأخيرة "الجدار الواقي" والتي كشفت في كتب أصدرها جنود أو مستندات ضبطت في أعقاب الفوضى التي لحقت بحملة "الجدار الواقي" وفيها تعليمات القادة العسكريين عن طريقة التعامل مع الأسرى والفلسطينيين بشكل عام ، ولمجرد مواصلة الجنود ممارستهم أسلوب تحويل الأسرى والمدنيين إلى دروع بشرية , أدت في بعض الأحيان إلى قتلهم , فهذه بحد ذاتها تعكس قساوة الممارسات الاسرائيلية.
وقبل التطرق إلى ما يدور داخل السجون الاسرائيلية منذ ثلاث سنوات بحثنا عن بداية هذه الأساليب وكيفية تطورها منذ العام 1949 ثم 1967 وبعدها الانتفاضة الأولى ثم انتفاضة الأقصى ، فوجدنا ان أساليب الاغتصاب أو التهديد بالاغتصاب تكررت في كل فترة, وإذا كان الاغتصاب لم يُمارس بشكل فعلي فإن تعرية الاسرى والأسيرات والتهديد باغتصابهم ما زالت تمارس حتى الآن, وبرزت خلال السنتين الأخيرتين بين الأسيرات الفلسطينيات والفتيان الذين تعرضوا اكثر من مرة لعملية تعرية أمام المجندات الاسرائيليات لتحقيرهم وكوسيلة لتخويفهم وإجبارهم على الاعتراف.
إحدى الأسيرات الفلسطينيات التي تعرضت في العام 1976 لعملية اغتصاب رفضت الحديث معنا عن تلك الحادثة نظراً إلى ما لا تزال تعانيه حتى اليوم من آثار تلك الجريمة. آنذاك اعتقلت بتهمة الانتماء لتنظيم فلسطيني, لكنها رفضت الاعتراف فمارس المحققون أبشع عمليات التعذيب ضدها لكنها لم تعترف, فما كان منهم إلا ان احضروا والدها وأدخلوه إلى غرفة التحقيق حيث تتواجد ابنته وأمام نظر والدها أمرها المحقق بالتعري ، ولم تنجح كل محاولاتها ومحاولة والدها وبكاؤهما لمنع ذلك, وكادت تنهار لمجرد ان تعرت أمام والدها, وكذا كان حال والدها أيضا ، لكن الأمر لم ينته عند هذا إذ قام المحقق باغتصابها أمام نظر والدها.
تلك الحادثة سجلت كأقسى وأخطر حالة اغتصاب تعرضت لها سجينة فلسطينية, وقد علمت مؤسسات محلية ودولية عن حالتها, لكن أحدا لم يحرك ساكناً, وبقيت الضحية تعاني لوحدها كما يعاني اليوم المئات أمثالها ممن تعرضوا لعمليات تعذيب.
في الانتفاضة الأولى وصلت عمليات التنكيل بالأسرى الفلسطينيين وتعذيبهم إلى ذروتها ، وآنذاك كانت الحال تطابق تماماً ما يشاهده العالم اليوم في سجن "أبو غريب" ، التعرية وتعذيب السجين, وكان التنكيل الجنسي اكثر الوسائل بروزا ووضوحا. وقد أعادت صورة الجندية الأميركية أمام الأسرى العراقيين العراة إلى أذهان الأسرى الفلسطينيين ما عانوه في السجون الاسرائيلية.
أحد الاسرى قال ان عملية التنكيل الجنسي في إسرائيل كانت أقسى مما شاهدناه من صور "أبو غريب". فقد كان المحقق يعمد إلى ادخال عدد من المعتقلين إلى الغرفة, ويأمرهم بالتعري, ثم يبدأ التنكيل بهم, الواحد تلو الآخر. وبعدها تدخل الجندية وتقف إلى جانب طاولة فيما يأمر الضابط الأسير الأول بالاقتراب من الجهة الثانية للطاولة حيث تقوم الجندية بتعذيبه جنسيا. وهكذا تفعل بكل أسير بالدور.
وتكررت أعمال التنكيل الجنسي, وإن كان بحالات اقل, خلال انتفاضة الأقصى وما زالت المحاكم الاسرائيلية تبحث في دعاوى قدمها فلسطينيون ولبنانيون ضد ضباط إسرائيليين, احداها تبحث في قضية أسير فلسطيني نقل من سجن النقب إلى سجن آخر ، فحسب الأوامر الاسرائيلية يتوجب تفتيش كل أسير قبل دخوله السجن الجديد. ولدى وصول هذا الأسير إلى السجن دخل إلى الغرفة ضابط لتفتيشه فأمره بالتعري ثم راح يضربه وينكل به بدلاً من تفتيشه, وبعدها خرج من الغرفة وعاد وهو يضع قفازاً بيده اليمنى ويحمل مواد مطرية, ثم اقترب من الأسير وهو يهدده بالاغتصاب ، وعلى رغم ان الأسير تقدم بشكوى ضد الضابط إلا انه ما زال يمارس مهامه في منصبه إلى ان تنتهي المحكمة.
واما الصورة التي نشرت عن السجين العراقي الذي غطوا رأسه بكيس من الخيش ويبول عليه الجندي الأميركي فكانت أهون بألف مرة من وضع الاسرى الفلسطينيين. فكما تروي المحامية نائلة عطية, تعرض العديد من الاسرى الذين ترافعت عنهم لعمليات تنكيل بدأت بتغطية الرأس بالكيس. تقول: "الكيس الذي كان يضعه الجنود على رأس الأسير الفلسطيني كان مليئاً بالبول وتفوح منه رائحة كريهة جداً إلى حد لا يمكن تحمله عن بعد. ولا يقتصر الأمر على رائحة البول بل كان الكيس مليئاً بالشعر القذر, وعندما كان يوضع على رأس الأسير كان البعض يشعر بالاختناق, وقد أغمي على بعض الاسرى بسبب هذه الأكياس".
وحسب عطية فإن عملية التعذيب لا تنتهي عند وضع الكيس بل تكون تلك البداية. فبعد ذلك يخضع الأسير لمختلف أساليب التعذيب, وأبرزها شبيه بصورة الأسير العراقي الذي كان معلقاً على الحائط. وكان المحققون الاسرائيليون يستعملون أسلوب "الشبح" الذي يعتبر أقسى بكثير من أسلوب التعليق الذي شاهده العالم في سجن "أبو غريب". فكان الأسير الفلسطيني وهو مغطى الرأس بالكيس يبقى مشبوحاً, رأسه إلى الأسفل ورجلاه إلى أعلى ساعات طويلة ومتواصلة".
وتقول مديرة "مؤسسة الحق" خالدة جرار ان المحققين الاسرائيليين يمارسون اليوم أسلوب "الشبح" على رغم وجود قرار من المحكمة الاسرائيلية بعدم استعماله, ويتعرض الاسرى لهذه الأساليب بشكل قاس يؤدي أحيانا إلى تدهور خطير في حالتهم الصحية، فهناك من يتعرض للشبح لمدة عشرين ساعة, ما يعني, كما تقول: "انه يبقى في مثل هذه الحالة من دون نوم أو راحة والعملية ذاتها تسبب له تمزق في الكتفين واليدين".
الأسير كامل جبيل الذي اعتقل مرات عدة آخرها في الحملة العسكرية المعروفة باسم "الجدار الواقي" خرج من السجن مكسور الكتف بسبب التعذيب داخل السجن خصوصاً "الشبح" ، وكان شاهد عيان على تعذيب زميل له حتى الموت وعلى تعرية الأسرى وتعرضهم لنهش الكلاب ، يقول في حديثه معنا: "لا شك ان الصور التي نشرت عن سجن ابو غريب العراقي مؤثرة وتزعزع الأبدان. ولكن إذا قارناها بما تعرضنا نحن له فربما تكون تلك البداية إذا واصل الجيش الأميركي تطبيق أسلوب الجيش الاسرائيلي". ويضيف: "لقد تعرضت ساعات طويلة للشبح والهز والجلوس على كرسي صغير ، اليدان مكبلتان إلى الخلف والرجلان أيضا ، الكثير من الأساليب المحرمة دولياً يمارسها الجيش الاسرائيلي بحق الفلسطينيين وحتى بعد ان حرّمتها المحكمة الاسرائيلية العليا واصل الجيش ممارستها بذريعة ما يسميه بمحاربة الإرهاب".
ويروي محدثنا كيف كان المحققون يأمرون الاسرى بالتعري والجلوس داخل غرفة صغيرة ثم يدخلون الكلاب لنهشهم ، وفي أسلوب آخر كان يتم وضع الاسرى في ثلاجات لفترة طويلة ثم نقلهم إلى مكان قريب من مدافئ مرتفعة الحرارة. ويروي جبيل كيف تعرض زميله الأسير مصطفى عكاوي لعمليات تعذيب قاسية وضع خلالها داخل ثلاجة إلى ان كاد يتجمد قبل إخراجه ، وكرروا الأسلوب نفسه أكثر من مرة إضافة إلى عمليات الشبح والكهرباء إلى ان أصيب بنزيف حاد أدى إلى وفاته.
أحد الاسرى الذي ما زال يعاني داخل السجون الاسرائيلية في اعتقاله الإداري, تعرض لسلسلة اعتداءات وتعذيب كونه "قنبلة موقوتة", أي أنه انطلق لتنفيذ عملية فدائية, ويجيز القضاء الإسرائيلي في مثل هذه الحال بممارسة أساليب التعذيب المتنوعة على هذا السجين.
الأسير محاضر جامعي اعتقل قبل ثلاثة اشهر من حصوله على شهادة الدكتوراه. فقد فوجئ بجنود إسرائيليين يقتحمون منزله في ساعات الفجر الأولى ويعتقلونه ، ومع مرور أكثر من سنة على اعتقاله لم تقدم ضده لائحة اتهام, والتهمة الوحيدة التي تلصقها به الاستخبارات الاسرائيلية هي "الانتماء لتنظيم فلسطيني محظور" ، ويتابع قضيته محامون من "مؤسسة الحق" ، وكما تقول خالدة جرار فقد استعمل الإسرائيليون ضده مختلف أساليب التعذيب بعدما استحصلوا على موافقة قضائية, ووصلوا إلى حد احتجاز زوجته والتعامل معها كرهينة وكوسيلة ضغط عليه للاعتراف, فقد احضروها إلى السجن ووضعوها في غرفة اعتقال لا يمكنها مشاهدة من يمر من الطرف الآخر للغرفة ، وفي هذه الأثناء ابلغوا زوجها بأنهم اعتقلوا زوجته وسيعرضونها لأساليب التعذيب التي تعرض لها إذا لم يعترف ، ثم واصلوا تعذيبه نفسياً فاحضروه إلى منطقة قريبة من غرف احتجاز زوجته حتى يراها ليؤكدوا له أقوالهم.
بعد ساعات أُفرج عن الزوجة فيما واصلوا تعذيب الزوج جسدياً ونفسياً. فقط قبل أشهر قليلة كشف عن هذه الأساليب بعد السماح للسجين بمقابلة محام, وتبين انهم مارسوا ضده معظم الأساليب التي منعتها المحكمة الاسرائيلية العليا, وأبرزها الشد والشبح, إلى حد أنه فقد وعيه أكثر من مرة, كما فقد الحركة في عينه من شدة الضرب واللكمات ، وتعرض للتحقيق 22 ساعة متواصلة في اليوم الواحد إلى جانب الضغط النفسي من خلال تهديده بالإبعاد وهدم منزله وتشويه سمعته وسمعة زوجته ، وأبلغوه بكل صراحة انهم ينوون مواصلة هذه الأساليب إلى ان يفقد عقله وينتحر ، وقد نقل إلى غرفة عزل مع احد العملاء والتقطوا له الصور ثم أحضروا له ملابس تليق بمحاضر جامعي وأخرجوه إلى الشارع مع المحققين والضباط والتقطوا له الصور معهم ثم هددوه بنشرها حتى يظهر للجميع انه من المتعاونين.
وكما في سجن "أبو غريب" العراقي حيث اشتهرت بين أبطال التعذيب الجنديتان سفينا هرمان وليندي اينغلند. ففي السجون الاسرائيلية أيضا أبطال تعذيب تفوقوا على زملائهم في ترجمة السياسة الرسمية إلى لغة فعلية في غرف التحقيق.
في الانتفاضة الأولى كان بطل التعذيب الضابط "مارادونا", وفي الانتفاضة الثانية برز الضابط "جورج", وهو نفسه الذي حقق مع الأسير اللبناني مصطفى الديراني ومارس أقسى أنواع التعذيب معه.
وأما "مارادونا" فكان "النجم الساطع" في الانتفاضة الأولى, ومارس ابشع أساليب التعذيب وخرج من تحت يديه أسرى معاقون ومنهارون نفسياً.
الأسير رامي نجار كان عمره 20 عاماً عندما اعتقل في الانتفاضة الأولى وخرج من السجن داخل صندوق كولا يعاني من شلل في النصف الأسفل من جسده جراء ما تلقاه من تعذيب من "مارادونا" ، هو الآخر رفض الحديث معنا عن حالته بسبب ما يحمله من ذكريات أليمة. ولكن حسب الملف في المحكمة الذي تابعته المحامية نائلة عطية تبين ان الضابط "مارادونا" كان يتولى مسؤولية التحقيق معه، فقد وضعه في زنزانة صغيرة مظلمة لبضعة أيام, وفي كل يوم كانوا يحضرونه إلى غرفة التحقيق ويمارسون معه ابشع أساليب التعذيب, بإشراف و"مارادونا".
في إفادته أمام القاضي ذكر رامي ذات مرة التعذيب وقال: "كانوا يتناوبون على ضربي على بطني ، كنت انبطح على الأرض ، أبكي ، أصرخ ، لكنهم كانوا يواصلون ضربي ، ثم في إحدى المرات أخذني المحقق (مارادونا) نحو خزانة صغيرة مبنية من الباطون, هكذا قال لي, ولما فتحها كانت على شكل قبر وضعني فيها لساعات عدة ، شعرت باختناق وعدم القدرة على الحركة ، ثم أخرجني منها وواصل ضربي لمدة لا تقل عن ثلاث ساعات وبعدها بال علي" ، وتعرض رامي للشبح لساعات طويلة ووضع الكيس المليء بالبول على وجهه.
وعن اليوم الذي شعر بأنه شُل تماماً روى قائلاً: "أخذني (مارادونا) إلى غرفة التحقيق وأمرني بالجلوس على الأرض وبفتح رجلي على عرض كرسي كانت أمامي ، بعدها وضع الكرسي على رجلي وجلس عليها. فرحت أصرخ من الألم إلى ان شعرت بأنني فقدت الحركة ، ولم يكتفِ المحقق بذلك, وأحضر شاكوشاً وضربني به على رأسي ،عندها لم أعد أدري ما حدث لي ، وصحوت وأنا في المستشفى".
وبعد بضعة أيام في المستشفى, وعلى رغم انه كان في حال صعبة ولا يستطيع التحرك أعادوه إلى السجن حيث واصل "مارادونا" تعذيبه. وفقط بعد أيام استطاع أهله زيارته, وكانت تلك أقسى لحظات لأمه. فقد كانت جالسة تنتظر ابنها الشاب ابن العشرين يمشي أمامها بعنفوان الشباب كما غادر البيت, لكنها شاهدته محمولاً من قبل جنود داخل صندوق كوكا كولا وتدلت منه رجلاه المشلولتان ، صرخت الأم وولولت, وكاد يغمى عليها عندما شاهدت ابنها, وحيدها, على هذه الحال.
وقصص "مارادونا" كثيرة مع المعتقلين الفلسطينيين ، في إحدى الشكاوى التي بحثتها المحكمة الإسرائيلية, تبين انه مارس بنفسه أسلوب تعرية الأسرى وهدد أحدهم ببتر عضوه التناسلي.
أما الضابط "جورج", فإن ملفه في المحاكم الاسرائيلية يعتبر من أخطر الملفات التي يبحثها القضاء الإسرائيلي بحق ضباط ومحققين اسرائيليين ، فبإلاضافة إلى ملف اغتصابه مصطفى الديراني, هناك قضايا أخرى ضد أسرى فلسطينيين وعرب ، أبرز هذه الملفات لأسرى عراقيين اعتقلوا بعدما تسللوا إلى اسرائيل هرباً من الوضع الذي ساد العراق وبحثاً عن عمل ، لكن السلطات الإسرائيلية لم تقتنع بأن هؤلاء العراقيين يبحثون عن عمل, فتم اعتقالهم بتهمة التجسس لمصلحة العراق ، وكانت تلك فرصة "ذهبية" للضابط "جورج" لممارسة ما شاء من أساليب تعذيب, من تعرية وتهديد بالاغتصاب, إضافة إلى عمليات الشبح والهز والضرب إلى درجة إرغامهم على تناول قشور الفواكه التي يأكلها ويتركهم جالسين على كرسي مكبلي الأيدي والأرجل إلى الخلف أربعة أيام متواصلة تبولوا خلالها مرات كثيرة في ملابسهم ، وفي احد الملفات قال أسير عراقي ان "جورج" ضربه بـ"المكتة" على رأسه فسقط أرضاً فوضع رجله اليمنى على رأسه والأخرى على فكه وراح يرفسه إلى ان كسر فكه, وما زال يعاني حتى الآن من آلام في فكه لعدم تلقيه العلاج آنذاك.
ملفات العراقيين كملف ديراني ما زالت في المحاكم الاسرائيلية, فيما تحول الضابط "جورج" إلى نجم إعلامي بعد إبعاده من منصبه بسبب هذه الشكاوى وتعيينه في منصب كبير في شرطة الهجرة.
ومثله كثيرون ، بعضهم تم إبعادهم من الخدمة, بعدما انكشفت وحشيتهم ، لكن قلة قليلة منهم تحاكم ، ومن يحاكم يحصل على أحكام مخففة بسبب تساهل القضاء وطريقة إدارة المحاكمة ، فقط قبل أقل من سنة صدر حكم بسجن قائد كتيبة إسرائيلية قام بالتنكيل الجنسي بفتى فلسطيني من قضاء بيت لحم عندما اقتحمت كتيبته منزل الفتى في الحملة العسكرية "الجدار الواقي" بحثاً عن والده "المطلوب" ، وألزم الفتى حينذاك بإحضار زجاجة والجلوس عليها, ما دفع أحد الجنود إلى الكشف عن العملية بسبب عدم قدرته على تحملها.
وهناك 130 سجيناً فلسطينياً قتلوا في الأسر بسبب التعذيب المباشر أو المرض الناتج عن التعذيب, في وقت بقي المحققون والضباط الذين يصدرون الأوامر أحراراً.
اليوم وبعد انكشاف أساليب التعذيب الوحشية في سجن "أبو غريب" العراقي, بدأ الإسرائيليون يخشون انكشاف أساليبهم, لذلك عمدوا إلى التشديد في تفتيش المحامين قبل دخولهم المحاكم أو زيارة الأسرى في السجون, لضمان عدم ادخال كاميرات تصوير تلتقط صوراً للأسرى أو تهريبها للأسرى كي يقوموا هم أنفسهم بتصوير أساليب التعذيب داخل السجون الاسرائيلية، ثم الصقوا إعلانا على أبواب المحاكم العسكرية يحذرون فيه المحامين من العقوبة الشديدة لكل من يحاول منهم الدخول إلى المحكمة أو السجن وفي حوزته هاتف خليوي من الأصناف التي تحمل الكاميرات ، فسجن أبو غريب يرزح بكل أثقاله فوق صدور المسؤولين عن التعذيب في إسرائيل .