الأسيرة هناء شلبي: لماذا وحدك؟
عيسى قراقع
وزير شؤون الأسرى والمحررين
5-3-2012
هل هي فوضى غاضبة تفيض في سجون الاحتلال أمام طغيان حجم الانتهاكات الوحشية بحق الأسرى الى درجة لا تطاق، تدفع عدد من الأسرى والأسيرات الى اتخاذ خطوات فردية يعبرون من خلالها عن صرختهم الإنسانية ووجعهم البشري الذي أصبح لا يحتمل.
الأسيرة هناء شلبي تخوض إضرابها المفتوح عن الطعام لوحدها في ظل انعدام روح التضامن الجماعي في صفوف الاسرى، تحمل قضية ومهمة تهم الأسرى والمجتمع الإنساني برمته وهي قضية الاعتقال الإداري التعسفي الذي تستسهل حكومة الاحتلال تطبيقه على الأسرى وبدون أية إجراءات قانونية عادلة.
وقد سبق هناء الأسير الشيخ خضر عدنان الذي سجل ملحمة إنسانية خارقة في تاريخ الحركة الأسيرة، وفتح ملف الاعتقال الإداري على أوسع باب، ووضع حكومة الاحتلال وجهازها القضائي في مأزق أخلاقي وقانوني وكأنه فتح أبواب السجون أمام العالم ليرى مشاهد الإذلال والقمع التي تمارسها سلطات الاحتلال بحق الأسرى وكأنهم كائنات من الاصفار.
في السنوات الأخيرة تصاعدت الخطوات الفردية للأسرى هنا وهناك بقيامهم باحتجاجات وإضرابات مفتوحة عن الطعام كما حدث مع الأسير عباس السيد وكفاح حطاب، وعاطف وريدات وميسرة أبو حمدية والسكافي، وبعد ذلك الخطوة التي قام بها أسرى الجبهة الشعبية بالإضراب المفتوح الذي استمر 21 يوما احتجاجا على عزل الاسير النائب احمد سعدات.
وفي ذات السياق بدأ الاسرى في عدد من السجون مثل عسقلان ونفحة وعوفر وريمون بإعلان برنامج تكتيكي تصاعدي بإرجاع وجبات الطعام كل يوم ثلاثاء، بحيث يتطور هذا البرنامج الى مرحلة العصيان والتمرد على إجراءات وتعليمات إدارة السجون ويصل الذروة في منتصف شهر نيسان القادم.
إن كل هذا يأتي في ظل هجمة غير مسبوقة وسياسة رسمية ممنهجة بدأت تطبقها إدارة السجون بتشديد الإجراءات على الأسرى بطريقة جنونية لم تحصل منذ عام 1967 ، تتمثل بتكثيف الاقتحامات والاعتداءات على الأسرى وتخريب حياتهم بالكامل من خلال قوات قمع خاصة تداهم غرف وأقسام الاسرى بشكل مفاجئ ، تكبلهم وتعريهم وتضربهم وتحطم محتوياتهم، وتحول غرفهم الى زنازين مغلقة، مصحوبا بسلسلة لا تنته من العقوبات كالحرمان من الزيارات والكنتين ومنع الخروج للفورة، والزج بعدد من الأسرى في زنازين انفرادية ، وإجراء تنقلات للنشطاء منهم وغير ذلك.
الذي يحدث خلف القضبان يشير بوضوح الى استفراد بالأسرى وتحطيم رؤيتهم النضالية والإنسانية ، انتقام من نوع آخر يهدف الى إسقاط البعد الوطني والنضالي لقطاع الأسرى الذي يمثلوه كطليعة ورأس حربة لمقاومة الاحتلال.
وبسبب غياب العمل الجماعي المنظم داخل السجون، وغياب القيادة الجامعة، وحالة الترهل ألاعتقالي التي تسود أوساط الاسرى، وجدت حكومة الاحتلال فرصتها السانحة لتطبيق مخططاتها بسحق إنسانية الأسير وإذلاله وتحطيم أحلام الحرية والمشروع الوطني الفلسطيني الذي يمثله الأسرى في العقل والوجدان الفلسطيني.
هناء شلبي لوحدها في مواجهة قوانين عنصرية وظالمة، بجسدها وجوعها وأنوثتها الحرة، تخوض هذه المعركة التي تحتاج الى أكبر من عمل فردي، والى رؤية وطنية وحقوقية وحملة دولية واسعة لكسر هذه القوانين وفضح انتهاكات اسرائيل لحقوق الأسير الفلسطيني، وهي لا تمثل نفسها بقدر ما تمثل هذا الوجع الإنساني لكل الأسرى والأسيرات ورسالة امرأة الى العدالة الإنسانية الغائبة عما يجري خلف ظلام السجون.
ولعل موقف الأسرى الإداريين بمقاطعة محاكم الاعتقال الإداري هو خطوة صحيحة الى الأمام، واستثمارا للانجاز العظيم الذي حققه الأسير خضر عدنان وتسير على خطاه الأسيرة هناء الشلبي ، ويحتاج هذا الى دعم ومساندة وإجراءات قانونية لإسقاط أخطر قانون تعسفي يطبق بحق الأسرى منذ بداية الاحتلال.
مقاطعة محاكم الاعتقال الإداري هو محاولة لإسقاط شرعية هذه المحاكم الشكلية والصورية والتي تأتمر بتعليمات أجهزة الأمن الاسرائيلي ، ولا تستند الى إجراءات عادلة في المحاكمة وإنما لما يسمى ( الملفات السرية) إنها محاكم لا تستهدف إلا الى تكريس وتعميق الاحتلال تحت غطاء القانون، لاسيما أن 98% من الحالات التي مثلت أمام هذه المحاكم قد ردت وتم تثبيت اعتقالها الإداري.
حوكمت هناء الشلبي 6 شهور إداري تحت ذريعة وجود نوايا عندها لمقاومة الاحتلال، وهذا ما يثير السخرية والعجب لقضاء إسرائيلي يحاكم البشر على نواياهم، وكأنه يهزأ من كل قوانين حقوق الانسان ورجال القانون في العالم ليستر جريمته بإعادة اعتقال أسيرة أفرج عنها في صفقة التبادل الأخيرة بحماية الراعي المصري والصليب الأحمر الدولي ولم تمكث عند ذويها سوى عدة شهور.
عندما تذل أسيرة، وتجبر على التفتيش العاري، وتتعرض للاهانات على يد الجنود في معتقل سالم في تلك الليلة التي وجدت فيها هناء نفسها تمتهن بوحشية فإن من حقها أن تطلق لروحها عنان التمرد والغضب، وتنتصر لكبريائها وكرامتها وحقها الإنساني في الحياة الشريفة.
هناء الشلبي لماذا وحدك؟ وربما يكون وحدك هذا سؤالا موجعا يوقظ روح التضامن والعمل الجماعي النضالي الذي تعودنا عليه في تجربة الحركة الأسيرة، وتفويت الفرصة على المحتل للقضاء على البطولة الفلسطينية والصمود الوطني الذي يجسده الاسرى في السجون، أنها خطوة تحتاج الى قائد يقود هذا الجيش المناضل ، لا يتركهم ولا يتراجع، له لغة واحدة وصوت واحد يشبه صوت الانتصار وهو يخلع الأبواب المغلقة.
يأتي الثامن من آذار وصوت المرأة الفلسطينية المكبل في سجون الاحتلال يفجر الصمت من خلال إرادة امرأة تسير نحو المستقبل مزدحمة بجوعها الى الحرية المنشودة ، ترفع إرادتها سارية لكل المناضلات على هذه الأرض، ولسان حالها تغني مع محمود درويش:
تمهل أيها الفرس المحمل بالفصول
سنقطع الوديان والصحراء
مهما قلّت الأحلام، كي نصل البداية بالنهاية
البداية خلفنا، وأمامنا سحب تبشر بالشتاء