رسالة مفتوحة الى القانونيين والكتاب والمثقفين والصحفيين في دولة اسرائيل

 

أنقذوا شعبكم من عقلية الاحتلال وثقافة الانتقام

 

بقلم /عيسى قراقع

وزير شؤون الأسرى والمحررين

2-7-2011

اكتب لكم لأني أحاول أن أفهم أسباب صمتكم المريب، صمت أكثر من مليوني صحفي و 50 ألف محامي ورجل قانوني في دولة اسرائيل، صمتكم على هذا التدهور الأخلاقي والثقافي والإنساني لدولتكم التي تحولت الى مجرد دولة بوليسية، إسبارطية، دولة مخابرات ومشهد عسكري، لا تسعى إلا الى الحرب، ولا تفكر إلا باستمرار السيطرة على الآخرين.

 

لقد استمعتم الى خطاب رئيس دولتكم بنيامين نتنياهو يوم 24/6/2011، والذي أعلن خلاله فرض سلسلة من العقوبات والإجراءات التعسفية على 6 آلاف أسير فلسطيني يقبعون في السجون الإسرائيلية وذلك كوسيلة ضغط للإفراج عن الجندي الإسرائيلي الأسير جلعاد شاليط في الذكرى الخامسة لاحتجازه.

 

كيف تقبلون أن تكون وسيلة تحرير شاليط من خلال الانتقام من الأسرى، وسلب حقوقهم الأساسية والإنسانية، ورضيتم أن يعطي نتنياهو غطاءا سياسيا لعدوان جديد على أسرى عزّل، وأن يطلق قواته وضباطه للاعتداء عليهم والتضييق على حياتهم.

 

كيف تسمحون وأنتم تمثلون المجتمع المدني في دولة اسرائيل أن يكذب رئيس دولتكم عليكم ويجركم لتصبحوا شركاء في المؤسسة الأمنية والعسكرية وتشاركون في حملة التحريض المشوهة ضد الأسرى دون معرفة الحقائق أو تجاهلها عمدا، فتصبح مسائل حقوق الإنسان في ثقافتكم لا قيمة لها، وخاضعة لأهداف سياسية وأمنية، فيتلاشى دوركم المهني والفكري والإعلامي والقانوني و تتحولون الى جنود بأقلامكم وصمتكم في شن حرب على الأسرى وتحويل ساحة السجون الى عنوان للانتقام.

 

دولتكم الكبيرة والمتفوقة عسكريا في هذه المنطقة، تتحول الى دولة صغيرة جدا، تبحث لها عن أهداف جديدة هناك في سجونكم المحصنة، وخلف أبوابكم الحديدية المغلقة، تستفرد بالأسرى، وتبطش بهم على أمل أن تحقق انتصارا وهميا في أكبر عملية خداع وتضليل سياسي تمر به دولة اسرائيل.

 

لقد استفزتكم صورة عدد من الأسرى يأكلون الدجاج داخل خيمتهم البائسة في سجن النقب، ولم يستفزكم فلما وثائقيا بثته القناة الثانية الاسرائيلية عن عملية قتل متعمد للأسير محمد الأشقر في سجن النقب عام 2007، على يد قوات النحشون، لم نسمع منكم أي تعليق، ولا أي صوت إعلامي وقانوني يطالب بالتحقيق في هذه الجريمة الواضحة التي نشرتموها بالبث الحيّ والمباشر.

 

ضجيج إعلامي إسرائيلي حول أسرى يأكلون، فندق خمس نجوم، رفاهية، حفلة،امتيازات خارج المألوف، مطالبة من عضو الكنيست اليميني "ميخائيل بن آري" بإعدام الأسرى، ورئيس حكومتكم وضباطه يعرفون أن المواد الغذائية تبيعها إدارة السجون وعبر شركات احتكارية إسرائيلية خاصة للأسرى بأسعار عالية، وكنت أتوقع أن تكتبوا عن هذه السوق الجديدة، سوق الأسرى واستغلال حكومتكم لأموال الأسرى، من خلال بيعهم مواد غذائية بأسعار مرتفعة، ومن خلال فرض غرامات مالية عليهم لأتفه الأسباب، حيث وصلت قيمتها عام 2010 الى مليون سيقل، ومن خلال فرض محاكمكم العسكرية أحكاما بدفع غرامات على 95 % من الأسرى الذين يمثلون أمام المحكم وقد وصلت قيمتها عام 2010 الى 16 مليون شيقل.

 

أكتبوا عن دولتكم التي تنصلت من التزاماتها اتجاه الأسرى، وحوّلت المسؤولية عن حياتهم المعيشية والصحية والإنسانية على حسابهم، فانتم تعتقلون و أسرانا يمولّون اعتقالهم ومتطلباتهم على حسابهم الخاص فتوفر دولتكم الملايين على موازنتها، دولة عجيبة حولت المعتقلين الى مشروع استثماري بغيض، وبطريقة ترفضها كل القوانين الدولية والإنسانية.

 

كنت أتوقع أن تحاولوا حماية دولتكم من هذا التدني الثقافي والأخلاقي الذي بدأت تنحدر إليه وبشكل سريع، وتتصدوا لموجة التطرف الديني والعنصري في دولتكم والمشحونة بالكراهية للآخرين والدعوة الى قتلهم كما جاء مؤخرا في الفتوى الدينية الصادرة عن كبار الحاخامات في اسرائيل ونشرتها صحيفة يديعوت احرنوت يوم 16/1/2011، تدعو الى إقامة معسكرات إبادة للفلسطينيين، واعتبار هذه الفتوى فريضة شرعية.

 

وكنت أتوقع أن تشعروا بالخوف على مستقبل دولتكم عندما تجرأ جنود ومجندات اسرائيليين علنا بنشر صورهم على المواقع الالكترونية ووسائل الإعلام وهم يستمتعون ويرقصون الى جانب أسرى وأسيرات مقيدي الأيدي ومعصوبي الأعين وفي أوضاع قاسية ومهينة في مراكز الاعتقال والتوقيف، كتلك الصور التي نشرتها المجندة الاسرائيلية( ايدن بارجيل) على موقع الفايسبوك في أواخر العام 2010 وهي تفتخر أن ذلك أجمل أيام حياتها، ولتتوالى بعد ذلك صورا لجنود يتعاملون مع الأسرى كأنهم أقل من البشر، وتصويرهم كغنائم صيد وأداة للتعذيب والتسلية، يعذبونهم على أنغام الموسيقى وهم يرقصون، وتدعون بعد ذلك أن جيش اسرائيل هو الجيش الأكثر أخلاقية في العالم، وتتحدثون كثيرا عمّا يسمى طهارة السلاح.

 

استمعوا أيها الإعلاميون في اسرائيل الى شهادة المجندة" انبار ماتشيلزون" التي كسرت الصمت عندما قالت: أنهيت خدمتي العسكرية وبداخلي قنبلة موقوتة، فقد رأيت الجانب الخفي لإسرائيل في معاملته السيئة والوحشية للفلسطينيين.

 

اكتبوا أيها الإعلاميون في دولة اسرائيل عن شهادات جنودكم في الكتاب الذي ألفه الجنرال الاسرائيلي "يهودا شاؤول" بعنوان "كسر الصمت"  والذي يروي فيه سلوك جنود الاحتلال مع الشعب الفلسطيني ومع الأسرى والذي تحول الى وحش حسب قوله.

 

كان الأولى بكم أن تواجهوا بأقلامكم وآرائكم ما أصدرته الحاخامية العسكرية الاسرائيلية خلال العدوان على قطاع غزة، عندما دعت الجيش الاسرائيلي أن يكون أكثر وحشية، وأن قتل المدنيين خلال هذه الحرب جائز، وأن تواجهوا الخطر الأيدلوجي المتطرف في كتاب " توراة الملك" للحاخام الإسرائيلي " يوسف التسور" الذي دعا فيه الى قتل غير اليهود.

 

صورة أسرى يأكلون في السجن شكلت خطرا على امن دولتكم، وشهادات التنكيل بالأطفال وتعذيبهم بالصعقات الكهربائية وبالتحرش الجنسي وإجبارهم على تقليد أصوات الحيوانات وشرب بول الجنود والماء الساخن وتعذيبهم بإطفاء السجائر في أجسادهم، وإجبارهم على ترديد نشيد حتكفا على إيقاع حفلات الضرب والتنكيل لم يثر كل ذلك فيكم أي إحساس ومسؤولية وخطرا على قيمكم وثقافتكم.

 

كنت أتوقع أن تقفوا كثيرا أمام مناهجكم التربوية في الجامعات والمدارس التي تخلوا من التربية المدنية وحقوق الإنسان، وهي تربي طلابكم أن يتحولوا فقط الى جنود متطرفين لا يجيدون سوى إطلاق النار، هذه المناهج التي غابت عنها التربية على السلام والتي لا تصف العربي والفلسطيني إلا بألفاظ عدائية وكريهة جدا.

 

لماذا لم تسألوا نتنياهو عن أسباب احتفاظه بجثة الأسير أنيس دولة الذي سقط مريضا في سجن عسقلان عام 1980، ولا زال رفاته محجوزا في مقابركم العسكرية السرية منذ 30 عاما مع المئات من الجثث الأسيرة.

 

كل شيء مسموع للجيش الإسرائيلي، المفكرون في اسرائيل صامتون، ليس لإسرائيل صوت أخلاقي، ليواجه اعترافات جهاز الشاباك التي يعترف  بأنه يمارس التعذيب بحق الأسرى وتحت غطاء القانون في الوثيقة التي نشرت يوم 20/11/2010 في يديعوت احرنوت، واعتقال ذوي الأسرى كوسيلة ضغط وتهديد، ولم تسألوا ولا مرة عن مصير لجان التحقيق حول مقتل أسرى خلال استجوابهم على يد المحققين منذ قاسم أبو عكر عام 1969 حتى اليوم.

 

دافعوا أيها المثقفون عن صورة دولتكم ومكانتها الدولية التي وصلت في الأمم المتحدة الى الحضيض كما قالت السفيرة السابقة في اسرائيل " غابرئيلا شاليف" ، وما مثله تقرير لجنة حقوق الإنسان الدولية لعام 2010 من صورة كئيبة وإدانة واضحة لانتهاكات اسرائيل لحقوق الإنسان الفلسطيني.

 

إن انحداركم الأخلاقي والإنساني ودخول اسرائيل عهد الأبرتهايد والفاشية حسب تحليلات عدد من الكتاب عندكم يقلقنا نحن كفلسطينيين، ويعكس نفسه على حياتنا ومستقبلنا، ومستقبل السلام العادل في المنطقة، وضعكم الذي يتصاعد باتجاه العداء والتطرف يدفع ثمنه نحن، ويهدد حق تقرير مصيرنا والعيش المتكافئ والمشترك معكم، ويجعل حلمنا في بناء دولتنا المستقلة في موقع الخطر والتهديد.

 

لقد كذب عليكم رئيس حكومتكم نتنياهو الذي أعطي غطاءا سياسيا لكل انتهاكات حقوق الأسرى، وهذا أخطر خطاب سياسي، يجعلكم في مواجهة العالم والإنسانية وقيمها ومبادئها وليس فقط في مواجهة الفلسطينيين، ويكذب أكثر عندما يدّعي أنه سيلتزم بالقانون الدولي، إنه يخدعكم، ويخدع المجتمع الاسرائيلي، فأي قانوني دولي يلتزم به وحكومته تنتهك اتفاقية مناهضة التعذيب، واتفاقية حقوق الطفل، واتفاقية جنيف الثالثة والرابعة، والعهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية ، ويسن ويشرع قوانين خطيرة تسمح بالاعتقال الإداري المفتوح، وبحرمان الأسرى من لقاء المحامين مدة تصل 90 يوما، ومن حرمان الأسرى من الزيارات، وبالسماح باحتجاز أسرى بشكل مفتوح وفق ما يسمى قانون المقاتل غير الشرعي، وبإبعاد أسرى خارج البلاد، وباحتجاز أسرى داخل أراضي اسرائيل والعزل الانفرادي لأسرى بعضهم معزولا منذ 9 سنوات، وباعتقال النواب والقادة السياسيين، واحتجاز أسرى في أماكن احتجاز سيئة وضيقة وتفتقد للحد الأدنى من المقومات الإنسانية حسب اعتراف مدير مصلحة السجون نفسه في مقابلة معه نشرتها معاريف يوم 27/6/2011 ، إضافة الى قائمة بعشرين قانونا ومشاريع قوانين تمييزية في اسرائيل.

 

أين دور رجال القانون عندكم، هناك صمت مخجل ومشاركة في إعطاء غطاء قانوني على جرائم حرب وانتهاكات خطيرة بحق الأسرى، إنهم يصمتون صمت القبور ويملؤون أفواههم بالماء، إزاء محاكم عسكرية غير عادلة تستغرق مدة محاكمتها للأطفال 3 دقائق وأربع ثوان حسب تقرير منظمة متطوعين لحقوق الإنسان في اسرائيل، والصمت إزاء تصاعد ظاهرة التنكيل والتعذيب وانتزاع الاعترافات تحت التهديد واحتجاز أطفال في مستوطنات غير شرعية.

 

رجال القانون يعرفون أن محاكم الاحتلال، هي محاكم عنصرية تميز في أحكامها بين اليهودي والفلسطيني، ويعرفون أن إجراءات المحاكمة غير عادلة، وأن هذه المحاكم وسيلة لتكريس الاحتلال تحت غطاء القانون.

 

هناك قانونيون في أرجاء العالم بداوا يعكفون على وضع لوائح اتهام لملاحقة المسؤولين الإسرائيليين على جرائم ارتكبوها بحق الشعب الفلسطيني ، ولا يمارس رجال القانون في اسرائيل سوى الدعاية القانونية، يدافعون عن دولة غارقة في الفساد العسكري والأخلاقي وغارقة في الجريمة ويتسترون عليها.

 

فإذا كان الجنود والضباط مغسولي الأدمغة وكذلك وسائل الإعلام والرأي العام والتي تعتبر أن كل شيء مباحا، ولكن أين حراس القانون في دولتكم أمام وزير دفاع يدعو الى التصفية والإبادة وتمني الموت للأسرى، ومن حاخامية عسكرية تدعو الى قتل الفلسطينيين بلا رحمة، ومن قوانين تعطي حصانة للضباط والمسؤولين الذين يرتكبون الانتهاكات الفظيعة بحق الأسرى .

 

نتنياهو يكذب عليكم يستخدمكم غطاءا لفشله السياسي في تحقيق تسوية عادلة وسلام حقيق مع الشعب الفلسطيني، ويستخدمكم غطاءا لفشله في إنجاز صفقة تبادل الأسرى وتحرير شاليط، وهو يقف ضد الرأي العام في المجتمع الاسرائيلي الذي أيد بنسبة 63 % انجاز الصفقة حسب ما تفق عليه مع الوسيط الألماني.

 

ولا أدري كيف يستخف بعقولكم عندما يقنعكم أن وسائل الضغط على الأسرى وفرض العقوبات عليهم سوف تسارع في تحرير شاليط، أنه بذلك يحكم بالإعدام على شاليط، ولا يملك النوايا الجدية للإفراج عنه، يتلاعب بمشاعر الشعب الاسرائيلي ومشاعر عائلة شاليط، ولقد جرب حربا دموية إبادية على قطاع غزة عام 2009 لتحرير شاليط، وفشل في ذلك، ووضع دولة اسرائيل في مواجهة العالم، كدولة جريمة خارج القانون.

 

أيها المثقفون والقانونيون في دولة اسرائيل، أنقذوا دولتكم من عقلية الاحتلال والانتقام، فدولتكم في القرن الواحد والعشرين قد توقف نموها الطبيعي كشعب ومجتمع ودولة حديثة بسبب الخراب الثقافي وإفساد الإنسان في اسرائيل.

 

حاولوا أن تدخلوا الى المشهد بعمق، الى قلب الزنزانة، الى ذلك الظلام الدامس، حاولوا أن تسمعوا صرخات أمهاتنا وأطفالنا وعذاباتهم، ولا تنجزوا وراء الذين يهتفون للحرب ويتحدثون باسم الموتى، ولتكن دولتكم ليست دولة محرقة، وذاكرتكم ليست ذاكرة موت، بل ذاكرة حياة.