الأسير الشهيد اشرف أبو ذريع ... كان يحلم أن يطير

 

 

بقلم عيسى قراقع

وزير شؤون الأسرى والمحررين

23-1-2013

 

بعد عذاب ومرض واندهاش سقط المعاق اشرف أبو ذريع شهيدا متسربلا في غيبوبته وأحلامه، ومقتولا بما زرعوا في جسده الضعيف من أمراض وفيروسات هناك خلف القضبان.

 

عندما استقبلته بعد 6 سنوات من اعتقاله في السجون، كان هادئا ضاحكا جميلا، يحرك عربته هنا وهناك، ومصرا أن يزور زملائه الأسرى الذين تركهم خلفه في السجن، فذهبنا إلى بيت الاسير عيسى عبد ربه في مخيم الدهيشة ، فنقل لها التحيات، قبل يدها وبدأ يسرد لها رحلته مع ابنها في تلك الظلمات ، وفي صوته غيم مشبع بالأمل، وفي حركاته رجلا يكاد يطير.

 

الاسير اشرف الذي وضع رأسه على كتفي خلال عودته من السجن إلى البيت، غفى ونام، كأنه لم يصدق أن الحياة تستقبله بعد أن ابلغه طبيب السجن بأنك لست أكثر من جثة هامدة، وكأني سمعت أحلامه المشتبكة تلملم أنفاسه رويدا رويدا، ساخنة مندفعة ومتوترة تحمل زفرات من بقوا خلفه في تلك المقبرة التي تسمى مستشفى الرملة.

 

كان متلهفا ليرى أمه وأبيه وأخوته، قال: اشعر بآلام في يدي، واشعر أن يدي ليست معي، وسرد لي كيف اعتقلوه بواسطة الرافعة الآلية التي التقطته عن عربته ورفعته عاليا وأسقطته في الشاحنة العسكرية، كانوا خائفين من هذا المعاق المتمرد على الإعاقة والاحتلال، وكانوا يرون فيه إنسانا يحمل مشروعا للتحدي وفدائيا سوف ينهض عن عجلته ويصل القدس.

 

وعندما بدأ اشرف يتحدث عن الأسرى القابعين في مستشفى الرملة، بكى وهو يصف حالات الموت المتصاعد في أجسامهم ، رياض العمور، منصور موقدة، ناهض الأقرع، محمود سليمان، خالد الشاويش، ناصر الشاويش، إياد نصار، عثمان الخليلي، معتصم رداد،أمير اسعد، محمد التاج، يحيى سلامة.

 

الشهيد اشرف الضحية لسياسة الإهمال الطبي، الشاهد على جرائم ترتكب بصمت بحق الأسرى، العائد لنا داخل تابوت اسود، أغلقوا جسده بالمرض والموت، ومنعوه أن يحيا ويستحم تحت المطر، منعوه أن يواصل كتابة مذاكراته عن الأسرى المرضى والمعاملة اللاإنسانية بالسجون، كسروا فيه الحب والجدارة أن يلاحق ويحاكم من أوصلوه إلى المقبرة.

 

خلال غيبوبته التي طالت، اجتمعنا مع كافة مسؤولي المستشفيات، والأطباء، حاولنا أن نجد من ينقذ هذا الاسير، حاولنا أن نستعين بمن يستطيع أن يجعله يفتح عينيه، أن يتكلم، أن يحرك وجهه ليرانا، ليرى بيته الجديد  الذي لم يهنأ فيه، وليرى خطيبته التي ثكلت فجأة ولم تلبس ثوب الزفاف، وليرى قريته وحدائقها وزيتونها وأصدقاءه، ولكن أشباح الموت في جسده قد تكاثرت وخنقته قبل أن تشرق الشمس.

 

أشرف أبو ذريع الضحية الثانية خلال أقل من عام بعد سقوط الشهيد الاسير زهير لبادة، زميله على البرش، خرج من السجن نائما في غيبوبته ونازفا دمه إلى أن توفاه الله، وكان إعلان مدوي بأن هناك مشاريع موت في سجن الرملة، هناك كتل لحمية محطمة ومدمرة، لم يتحرك احد لإنقاذها، لا منظمات حقوقية ، ولا الأمم المتحدة، فظل الجلاد يذبح الأسرى حتى فاضت الدماء والأرواح وعمت المأساة.

 

أخي الحبيب اشرف، وداعا، لم نكمل المشوار بعد، ولم نكمل الحديث، بترت الحكاية ولم نصل البداية بالنهاية، فقر عينا واطمئن، ستبقى عجلتك المتحركة تتحرك لتدعس الظلم والظالمين، وستبقى إرادتك هي صوت أمك المفجوعة، أم المعاقين الستة، أقوى من دولة تعيش هاجس المحرقة لتحرق الآخرين، الحياة لك الآن وغدا، والحياة منك بدأت وتستمر.