تحت ضغط الموت..... ابتسمت الحياة

 

بقلم عيسى قراقع

وزير شؤون الأسرى والمحررين

19-5-2012

 

في ذكرى النكبة انتصر الأسرى الفلسطينيون في إضرابهم المفتوح عن الطعام على عنجهية السجان، وبانتصارهم عدلوا حكاية النكبة قليلا عندما تعلن إرادة الحياة تفوقها على إرادة الإبادة والموت والغياب.

 

التقى حق الحرية مع حق العودة في احتفالات ومسيرات الشعب الفلسطيني بعد 64 عاما على حرب 1948 وتشريد وتهجير شعبنا من بيوته وقراه وأرضه،وقد امتزج فرح الناس بانجازات الأسرى النضالية التي حققوها بعد ملحمتهم النضالية والبطولية بالخطوات على تلك المسافة الثلاثية بين الأمس والحاضر، وإقامة الصلاة في البيت.

 

تحت ضغط الموت.. ابتسمت الحياة، لبشر مكبلين محشورين في الزنازين والمعسكرات، يطحنهم القيد والمرض والصمت وعنجهية الجلاد واختفاء الشمس والعدالة الكونية ووجع المفاصل في النوم.

 

تحت ضغط الموت، ابتسمت الحياة للمجروحين المسلوبين من هويتهم وإنسانيتهم، المسحوقين تحت سلسلة أوامر حربية وعسكرية، المقبورين في العزل والمحرومين من رؤية أطفالهم ومن أسماءهم الرباعية، والمتمسكين بالنشيد الوطني وبالموت الحر على أبواب فجر لا يطل على الهاوية.

 

لقد كسر الأسرى في إضرابهم الأسطوري تلك الدولة الخائفة المتوترة التي يحكمها الجيش وأجهزة الأمن ولا تلبس سوى الكاكي، ولا تحمل غير المسدس والأغلال، وحطموا احتكارها للضحية والمنفى في تبرير جرائمها وعدوانها وانتهاكاتها المخيفة ضد حقوقهم وكرامتهم.

 

وفي شهر أيار الملتبس، شهر العواصف والنكبات والحنين إلى الخبز والزيت ورائحة الميرمية، حيث يطل الربيع كخاطرة في مساء طويل، استيقظت الذكريات في تلك الظلمات عندما تمرد الجوع واشتعل الملح في الوريد.

 

وفي أيار المزدحم بالجرافات والدبابات التي خطفت المكان وأضاعت شعبا كاملا في متاهات الزمان، وقف الأسيرين بلال ذياب وثائر حلاحلة على شجر السرو، شرق المجزرة وشمال الرحيل يصرخون: يا خالق الموت أمهلنا كي نعود مع الرياح إلى خطى الحمامات في بلادنا ونسقي الأسماء ثم نموت.

 

الحرية والعودة يلسعان الجسد في ورد أيار، ولد الأسرى أول مرة وأخر مرة، طاردوا بصمودهم موعدهم مع غدهم، ولم يتأخروا عن شهواتهم وهي تتألق وتذوب يوما يوما على الحديد، ملوكا على الدنيا وعلى الآخرة.

 

تحت ضغط الموت، ابتسمت الحياة، القيء والدوخة والصداع، والبرودة والعقوبات والضغوطات النفسية، استفزازات السجانين المسعورين، انخفاض دقات القلب والوزن، الاستسلام للبياض الإنساني ، الصعود على شجر لا يراه السجانون، الدخول في الحامض والغامض، الاستعانة بالصبر للعبور من الليل إلى الصبح ، هي حكاية الأسرى في صراعهم مع الاحتلال، يكرهون الفراغ، لم تنقص فيهم الحياة، وفي أيار انفجرت فيهم الذاكرة.

 

ليس بالخبز وحده يحيا الإنسان، قالها اليسوع الفلسطيني عليه السلام من على خشبة الصليب، كان معتقلا ينزف ، متمسكا برؤيته للمحبة والحرية والعدالة والسلام ، لينشر الضوء بعده أوسع ، ويسير بنا في رحلة الآلام إلى الصلاة أحرارا مؤمنين.

 

تحت ضغط الموت وبعد سبع و سبعين يوما ابتسمت الحياة، مشى الدم في العروق، انسحب الطبيب والسجان، وحدق الأسير مطولا في عين الجلاد، فرأى دولة مستهترة تعيش على ذكرى المحرقة لتحرق الآخرين ، ورأى رائحة عنصرية تنفجر غيظا على الشرشف والسرير.

 

تحت ضغط الموت، ابتسمت الحياة، هدوء على الشفتين الجافتين، قطرة ماء تسقي القمر الذي عاد من البحر ليسقي السماء، فلم ينتصر الموت، ولم ترحل الحياة، ليعيش الأسرى حالمين في معركة المستحيل.