في الذكرى أل 45لانطلاقة الجبهة الشعبية
رسالة إلى القائد الاسير أحمد سعدات في ذكرى انطلاقة الشعبية
بقلم عيسى قراقع
وزير شؤون الأسرى والمحررين
19-12-2012
أخي وصديقي القائد أحمد سعدات:
في هذه الذكرى حيث يهدا الكلام، ولا يبق على الأرض المعذبة سوى زنزانتك واسمك الذهبي، وشجرة ميلاد تضيء آلام المسيح ، ونجمة فضية يلاحقها الليل كلما هبطت على العالمين بالبشارة، نمد أيادينا لنصافحك ونقرؤك السلام ونقول لك: كل عام وأنت بخير، خارجا من قميصك البني، ومن ركام سجن هدموه فوق رأسك فأنقذك قلبك العنيد في الموج.
في ميلاد حزبك تأخرت ولادتك في الهواء الطلق كثيرا، بعد أن اعتبرت الماضي ذكرى كي تشفى من الوقت الذي طال، ولتكون حاضرا غدا إن استيقظت الضمائر واعترفت أنك تملك العناصر كلها للوجود والحضور: الماء والتراب والهواء والنار واللغة والأحلام والسماء.
عندما ارتفعت توقعات الأسرى بعد قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة برفع صفة فلسطين إلى عضو دولة مراقب، نظرت إلى اليمين إلى جهة القدس فسمعت صوت الأسرى في صلاة الجسد، ونظرت إلى اليسار إلى جهة البحر فسمعت صوت الشهداء يصطادون دمهم في الأبد.
صرت أخي أحمد اثنان في واحد، مقاتل في حركة تحرر وطني وابن دولة اعترفت بها شعوب الأرض، واقفا على باب الحياة دائما كرائحة العشب بعد المطر، مكتفيا بمراقبة الأخضر في وجه الحجر.
عندما أعلنوا الدولة، مشيت في باحة السجن وأثنيت على مرأة أنجبت طفلتها على الحاجز العسكري، وأخذت من جسدك خرقة لتبلل شفاه الاسير زهير لبادة قبل أن يسقط مقتولا في سجن الرملة في ذلك المساء.
حاولت أن تبدد الفجر الأزرق الغامض والمالح في الكلمات؟، وأن تحدد الوقت للعودة إلى رام الله ، هو فجر يطول ويمكر، وزمن يقطعه ضجيج الفولاذ والأبواب الحديدية ، والسماء فوقك بعيدة والسماء ليست سماء.
فاضت فيك الأوجاع و الحيرة والجروح القديمة، فاض فيك الليل والبطولات وأنت تصغي إلى الأمم المتحدة التي أقرت أن يكون لنا بيت على الأرض نسكنه أحرار آمنين من جوع وخوف واحتلال، فانفجرت، ليضيء دمك سنوات الغياب.
قلت لن تتسع الدولة الفلسطينية لعناق الأسرى المحموم، لموتهم وحياتهم، للمستحيل الرمادي في أصواتهم، لصرخاتهم، ولما تأخر فيهم من شهوات، وارتفع في دمهم من رايات، وقلت لن تكف شمس واحدة لتخفف عذاباتهم أو نهار واحد ليغسل أجنحتهم ويعيد إليهم شبق الطيران.
أخي أحمد:
لقد تحسست قيودك وصور أولادك ورسائلك المتراكمة وهواجسك العتيقة، من سجن صرفند إلى المسكوبية إلى سجن عسقلان ، ونظرت طويلا إلى الأسماء التي سقطت قتلا أو مرضا أو قهرا وصعدت شهداء فوق الحصان، واطمأنت أنه لازال تحت جلودها قطرات ماء، حينها قلت : الأسرى أكبر من الدولة وأجمل، أوسع مما في القواميس والقرارات والكتب والأناشيد، بشر صمدوا بالحب والحنين، تجاوزوا الأسلاك والفلسفات وخطوط الموت في الإضراب المفتوح عن الطعام ، نافسوا الملائكة والرعود، امتدوا في الأرض والسماء وفي حياة الآخرين، عطشوا وشربوا وماتوا وقاموا وأثبتوا أن الحق لا يقطعه سيف ولا يصدأ بالنسيان.
وقلت أن كافة قرارات الأمم المتحدة كانت تعرف الحقيقة ، وأشارت أكثر من مرة إلى باب الخروج والخلاص، وهي تؤكد على حق شعبنا الفلسطيني في تقرير مصيره، لكن الممرات بقيت مغلقة ، والسماء مسيجة، ويد الفجر مبتورة لا يراها الحالمون في السجون.
أخي احمد:
لم يستطع أحد في الأمم المتحدة أن يلزم دولة الاحتلال على احترام مواثيق حقوق الإنسان وأن يردعها عن الاستمرار في العدوان وتجريد الأسرى من إنسانيتهم ، والآن صار الأسرى أسرى دولة محتلة، أعضاء في المجتمع الدولي لهم عنوان وكوشان وقضية ولا يريدون سوى أن ينسحب الجلاد من الهواء ويعود إلى أسطورته الضيقة .
ارتفعت صفة التمثيل في دمك بعد أن ارتفع منسوب الألم، طفحت لغتك بالدم بعد أن قررت أن تبحث عن بيت لا عن قبر، وبعد أن فاوضتهم عشرين عاما فاكتشفت أنهم يتربصون بك بعد الموت، يؤبدونك في المعسكرات ويراقبون نومك والذكريات.
وقفت على باب سجن هداريم وقرأت وثيقة الوفاق الوطني على مسمع من السجانين وصرخت، الآن نحمل علمنا بأربع ألوان، شخصيتنا القانونية، لن يهرب البحر من الصيادين في غزة المذبوحة، غزة البرتقالة الملغومة في وجه أعدائها، الآن نسير بلا فزع من الحواجز والمستوطنات وأبراج المراقبة ، الآن نعلن وحدتنا الوطنية وإنهاء الانقسام، نجتاز طريق الآلام كي لا يصلب المسيح الفلسطيني مرة أخرى في التاريخ، نصنع سلامنا الداخلي ونستعد للخطوة القادمة.
الآن نحمل عضويتنا وحكايتنا كشعب بعد أن وجدنا صعوبة في العثور على هويتنا داخل الاتفاقيات الملتبسة، نفتح أبواب الزنازين كي لا يبق الغامض سيد العلاقة بين الحارس و الاسير عندما يجف الهواء وتنخفض الحرارة والكرامة وهو يعتقد انه بقادر على إنتاج سكان خانعين.
أخي احمد:
على باب سجن هداريم سمعتك تنادي: الأسرى أكبر من الدولة وأجمل، حياتهم معهم رغم النقصان، تراهم في كل بيت وعلى وجه كل أم وطفل وأمنية، تراهم في الكتاب والأغنية، عائدون بلا جسور، مرئيون كذاكرة في إيقاع آيات مقدسة أمام شقاء الأنبياء المصلوبين.
وسمعتك في ليلة الميلاد تغني والأسرى يرددون:
لست أنا من غاب
وليس هنا وهناك
إن سمائي كلها جهتي
كان الوراء أمامي واقفا وأنا امشي أمامي على إيقاع أغنيتي
حرا كما يشتهيني الضوء من صفتي
خلقت حرا ومن ذاتي ولغتي