مروان البرغوثي...

سلام عليك يوم ولدت ويوم تعود حراً في أوراق الشجر

 

بقلم عيسى قراقع

وزير شؤون الاسرى والمحررين

12-4-2012

 

فرضت إدارة سجون الاحتلال عقوبة العزل الانفرادي على الأسير مروان البرغوثي لمدة ثلاثة اسابيع وحرمانه من زيارة عائلته ومحاميه رداً على خطابه المتميز في الذكرى العاشرة لاعتقاله والذي دعا فيه الى مقاومة شعبية سلمية واسعة النطاق ضد الاحتلال والى قطع العلاقات مع اسرائيل بسبب عدم تجاوبها مع متطلبات السلام العادل ومرجعيات الشرعية الدولية.

 

للمرة الخامسة والعشرين يعاد فيها مروان البرغوثي للعزل الانفرادي والتي كان أطولها في بداية اعتقاله عام 2002، حيث قضى ثلاث سنوات متواصلة في الزنازين بعد مرحلة تحقيق قاسية استمرت تسعين يوماً، فشلت خلالها أجهزة المخابرات من انتزاع اعترافات منه بعد فشلها في اغتياله وإحضاره رماداً في جرة، وهدية ثمينة في عيد استقلال دولة اسرائيل كما تمنى شارون وموفاز في ذلك الوقت.

 

يتلقف القادة الإسرائيليون تصريحات مروان البرغوثي بقلق وخوف شديدين، ويخشون من النبوءة السياسية في رؤيته ومواقفه الوطنية وكأنها تصيب فيهم  عصباً حساساً يفقدهم التوازن الأخلاقي والعسكري، فيسارعون الى حصاره وكتم صوته وحبسه بين الجدران المغلقة، ويرون فيه أسيرا لا يدير شؤون السجناء بقدر ما يدير شؤون شعبه حاضراً ومستقبلاً، ويمرنه على طريقة انتزاع الحرية والاستقلال.

 

البرغوثي الذي يعيش الآن في زنزانته الضيقة والخالية من أي شروط للحياة الإنسانية، لا يملك سوى ملابسه التي يرتديها والفرشة التي ينام عليها، وفتحة صغيرة لا توصل الصوت بالصدى، ويواصل قيادة السفينة بإصغاء جيد الى البحر وموجاته، يعرف متى يصل، دون ان يكترث بالفراغ لكون ذاكرته مكتملة.

 

الخطاب الذي صدر عن مروان في ذكرى اعتقاله أعلن العصيان على دولة الاحتلال ومؤسساتها الأمنية والاقتصادية بعد ان وصلت المستوطنات الى غرف نومنا، وبعد ان تحولت المفاوضات السياسية الى أداة لتكريس الاحتلال وتدمير الهوية والحلم الفلسطيني، وكأنه رسم مساراً جديداً مختلفاً في الإستراتيجية الفلسطينية للمرحلة القادمة.

 

مروان البرغوثي قائد العصيان الدائم ضد المحتلين منذ ان كان طالباً في جامعة بير زيت، وقائداً للشبيبة وحركة فتح، والمتمرد على الصمت والمنفى والفساد والنمطية السياسية ونظام الأبوية والطاعة، المتمرد على لائحة الاتهام في محاكم الاحتلال، والمتمرد على السور الواقي واجتياحات شارون في انتفاضة الأقصى، والمتمرد على التعايش مع الانقسام، والمتمرد على التغييب القسري في الخمس مؤبدات وأربعين عاماً، مطلاً بقامته ويديه المكبلتين كل حين مقتحماً معسكرات الاحتلال.

 

كلما غاب مروان عاد بسرعة، واستنفرت دولة اسرائيل التي أصبح صراعها الأساسي مع عقل مروان البرغوثي، السجن لم يجففه أمام هذا الحب الواسع الذي يحظى به من قبل شعبه، ينتظر منه كلمة او صوت لأنه عنيد في الأمل والموقف، قادر على إعادة تركيب الزمن المنكسر، مؤمن ان التاريخ هو من صنع البشر الحالمين.

 

أثار خطاب مروان أسئلة الهوية في دولة اسرائيل، وظهر المجتمع الاسرائيلي امامه عارياً غارقاً في الحرب والعنصرية، يبتعد عن الحضارة والمدنية، ويسير بسرعة نحو الانحدار الإنساني والقيمي، ويثيرهم أكثر ان مروان الضحية يحاكمهم من داخل سجنه مرة أخرى، فهو الأعزل وهم الجلادون المدججون بالأسلحة.

 

عندما يتحدث مروان يعتقد الإسرائيليون ان في الأفق انتفاضة جديدة، صحوة فلسطينية أخرى تنهض من صوته و نبراته، وهذه المرة دعوته الى عصيان على طاعة المحتلين كوسيلة لإنهاء الاحتلال، وكأن مروان يقول للإسرائيليين ان استمرار الاحتلال لن يوفر لكم الأمان الاستراتيجي والثقافي والأخلاقي، والاستقرار والسلام في المنطقة.

 

أدرك مروان ان الجهود الفلسطينية والدولية قد فشلت في جعل دولة اسرائيل شريكاً حقيقياً في السلام، وان هذه الدولة تحولت الى دولة دينية، دولة ابرتهايد بدأت تمارس سياسة الاقتلاع للهوية والوجود الفلسطيني ثقافياً وجغرافياً وسياسياً، وانه لابد من رؤية جديدة في مقاومة هذا النوع المركب من الاحتلال، فجاءت دعوته الى العصيان السلمي  خشية على سؤالنا الوطني من الهبوط الى بدائية الوجود.

 

مروان البرغوثي سلام عليك يوم ولدت ويوم تبعث حراً في أوراق الشجر، يكفيك أننا نحبك، ولا يبغضك سوى الاحتلال  وهم يراقبونك هادئاً هادناً تجردهم من أساطيرهم وأنت تقرأ على مسمعهم سورة الواقعة.

 

في الخامس عشر من نيسان، يوم اعتقال ومولد مروان البرغوثي، دخلت زنزانته رقم 28 في سجن هداريم، قلت له بعد عشر سنوات:

لا تجف... خذ الماء من يدي يا صديقي

 لي أمنيتان

واحدة في حبة الملح التي صارت نعنعاً

وأخرى على قبر أمك التي ولدتك حراً...