الأسرى ... جراح نازفة
تحتاج إلى من يضمدها لتلامس أشعة الشمس
* بقلم / عبد الناصر عوني فروانة
السبت 19 فبراير 2005
الأسرى ... انتماء وقضية ، تاريخ وتجارب ، قصص وحكايات ، جروح أرواح بريئة ، وأصوات لخفقات قلوب أدماها الحرمان والقهر، ودموع ذُرفت لتغرق الأرض وتروي عشباً أخضراً نبت وترعرع بين شقوق الصخور ، أجسام حفرت عليها سياط الجلاد وعذابات السجان .
الأسرى .. أمهات ولدت و أطفال كبرت وشيوخ توفيت خلف القضبان ، وزهرات قطفت وشبان أمضوا أكثر من نصف أعمارهم خلف القضبان .
الاسرى .. جيش مفعم بالشوق والحنين للأهل والوطن وأزقة المخيم
الأسرى .. جراح نازفة من أعماق تكبر وتكبر مع فجر كل يوم جديد تحتاج إلى من يضمدها.. وأمل يتجدد مع شعاع شمس كل صباح المتسرب إليهم عبر الثقوب الصغيرة ، ليغذي حلماً نشأ ولم يمت ، فهو باقي رغم سنوات وعقود من القهر والحرمان .
الأسرى ... إصرار على الحياة بالرغم من جدران السجن الشاهقة وقساوة السجان ووحشيته ولا إنسانتية ، وأزهار نبتت من شقوق جدران السجن ومن بين قضبانه .
الأسرى .. مستهدفون من إدارات السجون المتعاقبة فهي تحدد لهم النوم وساعاته ، كمية الهواء وساعات التعرض للشمس ، الغذاء وقيمته وكمية السعرات الحرارية فيه، وتحدد لكل منهم الغذاء الروحي ماذا ومتى يقرأ، وتحدد لكل أسير كم يمكن أن تكون دائرته الاجتماعية اليومية ، وتحدد لهم زمن الزيارات و ظروف زيارة الأهل، وتحدد لهم طبيعة العلاج وتوقيته ، ولون الملبس ونوعيته و ... إلخ .
الأسرى ... جزءٌ لا يتجزأ من شعبنا الفلسطيني وكوكبة متقدمة من النضال الوطني الفلسطيني ، وهم تاريخ مشرق ويزداد إشراقاً كل يوم … والمستقبل الفلسطيني سيبقى مشوها ما لم ينل كافة الأسرى حريتهم.
ومن اكتوى بتلك التجربة يعِ جيداً ما أقول ، ومن لم يكتوِ عليه ان يدرك أن السجن أقل ما يوصف بأنه مقبرة للأحياء ، ومقبرة لإنسانية الإنسان الفلسطيني.
ولعل السؤال الذي يقفز إلى الذهن هنا : إلى متى ؟؟ وهل من أمل بالإفراج عن كل هؤلاء في المدى القريب ؟؟
يقبع الآن في المعتقلات والسجون الإسرائيلية ما يزيد عن 7 آلاف أسير، منهم 649 أسيراً معتقلين قبل إنتفاضة الأقصى ، والأدهى أن من بين هؤلاء 400 أسير معتقلون قبل إتفاقية أوسلو ، بالإضافة إلى وجود 312 طفلاً و128 أسيرة .
وبينهم المئات من المرضى وذوي الأمراض المزمنة والإعاقات المستديمة ، وكبار السن والشيوخ والأمهات والزوجات والأطفال الرضع ، بينهم القائد السياسي والكادر والجندي ، بينهم الطالب والعامل والموظف ،يتوزعون على مختلف شرائح وطبقات الشعب الفلسطيني، فكل هذا الجيش خلف القضبان ومن مناطق جغرافية مختلفة ، فهم ينسجون خيوط الترابط ويشكلون لوحة الوحدة ليرسموا ليس خارطة فلسطين فحسب ، بل خارطة الوطن العربي الكبير .... فهؤلاء جميعاً أجدرنا بالحرية .
وأول أمس نشرت إدارة مصلحة السجون الإسرائيلية قائمة بأسماء 500 أسير تنوي الإفراج عنهم من جانب واحد أو " كما ادعت أن هذه الخطوة تأتي ضمن حسن النوايا الإسرائيلية "
وفي قراءة سريعة للقائمة نجد أنها تضمنت 382 أسيراً محكوماً ومن بين المحكومين ( 250 أسيراً ) من المفترض أن يطلق سراحهم خلال هذا العام ، كما وأن الغالبية العظمى من المنوي الإفراج عنهم من المحكومين ( 335 ) كانوا محكومين لفترة أقل من 5 سنوات بالإضافة الى ( 118 ) معتقلاً موقوفاً إدارياً بدون تهمة أو محاكمة ، واشتملت القائمة على أسماء أربع أسيرات فقط …وجميع من سيفرج عنهم اعتقلوا خلال إنتفاضة الأقصى باستثناء 5 أسرى معتقلين منذ ما قبل إنتفاضة الأقصى ، وجميعهم من مناطق الضفة الغربية وقطاع غزة .
وخلت القائمة من القادة السياسيين ، ومن ذوى الأحكام العالية أو ممن أمضوا سنوات طويلة في الأسر ، أو ممن اعتقلوا قبل إتفاقية أوسلو ، كما خلت أيضاً من الأسرى المرضى الذين يعانون أمراضاً مزمنة أو عاهات مستديمة ، ولم تتضمن القائمة أيضاً أيٍ من الأسماء التي تصفهم حكومة الإحتلال " بأن أياديهم ملطخة بالدماء " ، كما لم تشتمل القائمة على أيٍ من الأسرى الذين يقطنون المناطق التي أحتلت عام 1948 م .
وفي الوقت الذي نرحب فيه بالإفراج عن أي أسير حتى وإن كان هذا الإفراج من جانب واحد وضمن ما يسمى حسن النوايا الإسرائيلية ، إلاَّ أننا نتألم لبقاء الآلاف من أبناء شعبنا خلف القضبان ، وتستفز مشاعرنا وتستنفر عقولنا وأفكارنا أمام المعايير الحقيرة التي تضعها حكومة الإحتلال في تصنيفها لأبطالنا الأسرى .
الأمر الذي يحتم على حكومتنا الفلسطينية وقوانا الوطنية والإسلامية بالتمسك بقضية الإفراج عن الأسرى كشرط أساسي للتهدئة والهدنة ، وكجزء أساسي من أي تفاهمات أو حلول سياسية قادمة ...
فلا تهدئة ولا هدنة دون الإفراج عن الأسرى وخاصة أولئك المعتقلين منذ ما قبل إتفاق أوسلو وعددهم 400 أسير من كافة المناطق الجغرافية ، وحذاري من تجزئة هؤلاء بحيث يقتصر الحديث عن ممن هم من مناطق الضفة والقطاع وعددهم (320 اسير )، ويستثنى الآخرون.
ومن هنا أناشد الأخ الرئيس أبو مازن والحكومة الفلسطينية المقبلة والوفد المفاوض والمجلس التشريعي وكافة القوى الوطنية والإسلامية ببذل كافة الجهود الهادفة لتحرير أسرانا دون تمييز بغض النظر عن القضية التي حُكموا بسببها أو مدة الحكم أو أماكن سكناهم ، وثقتي عالية بأننا قادرون على تحطيم الشروط والمعايير الإسرائيلية ، ولتكن الأولوية لثمانية عشر نجماً ساطعاً في سماء فلسطين والأمة العربية أمضوا أكثر من عشرين عاماً .