في الذكرى السابعة والعشرين لاعتقال فخري ونائل البرغوثي

 

بقلم: المحامية فدوى البرغوثي

حزيران 2005

 

في الثالث والعشرين من هذا الشهر، يكون المناضل الكبير ابو شادي (فخري البرغوثي) قد اكمل 72 عاماً في سجون وزنازين القهر، ولنا ان نتخيل ما هي حاله وما هي الذكريات التي ستمر عليه في هذا اليوم: فخلال اعتقاله فقد والده ووالدته، وكذلك شقيقه الاكبر وكان احد أشقائه قد استشهد مبكراً أيضا قبل اعتقاله. اما المفارقة المذهلة فهي ان ابنه البكر شادي الذي لم يكن قد بلغ سنة ونصف من عمره عند اعتقال والده، و«هادي» الذي كانت امه حاملاً به ولم يكن قد رأى النور بعد، لم يحظيا بلقائه لأكثر من ربع قرن.. ولأكثر من ربع قرن بقي فخري البرغوثي يحلم باحتضان ولديه، بينما زوجته «سميرة البرغوثي» كانت ولا زالت مثالاً للصبر والتضحية ومثالاً للام والزوجة الرائعة والمخلصة والوفية، فقد كرست حياتها لرعاية ابنيهما، وما ان بلغا سن الرشد حتى انخرطا في العمل لمساعدة امهما وفي المقاومة على درب ابيهما ويتعرض شادي للاصابة لأكثر من مرة ثم الاعتقال في مناسبات عديدة. ومع اندلاع انتفاضة الاقصى كان شادي وهادي لا يغيبان عن مسيرة او مظاهرة او اعتصام... واعتقلا، وشاءت سخرية القدر والمفارقة المذهلة ان يكون لقاءهما الاول بوالدهما ليس في بيتهم بل في سجن حلم بمغادرته لأكثر من ربع قرن كي يحتضنهما!.. في مشهد اختلط فيه الفرح والحزن والالم احتضن ابو شادي ابنه البكر لأول مرة منذ 27 عاما، وابنه هادي لأول مرة في حياته.. في مشهد جللته دموع الاب والابناء ورفاق الدرب ، و الاضراب الاخير عن الطعام (ايلول 2005) : الاضراب الاول في حياة شادي وهادي وربما العشرين في حياة الاب.

كان ذلك يوما صعبا في تاريخ سجن عسقلان، وفي تاريخ الحركة الاسيرة، وكان ابو شادي لا يعرف ماذا يفعل وكيف يتصرف، فهي المرة الاولى التي يعيش فيها تحت سقف واحد مع ولديه الشابين الممتلئين بالطاقة والعنفوان والحيوية.. ظل لفترة ليست قصيرة عندما يسمع كلمة بابا لا يرد ولا ينتبه.. وهما ايضا لم يعتادا على تلك الكلمة وظلا بناديانه «ابو شادي» لفترة ليست قصيرة.

 

والسؤال الآن الى متى سينتظر ابو شادي؟ وهل نطلب منه المزيد من الصمود بعد 27 عاما؟ ومن المسؤول عن هذه المأساة؟ الاحتلال طبعا، وايضا: قلة اضاعوا الاستحقاقات السياسية الواحدة تلو الاخرى.

ليس أبا شادي إلا احدى الروايات البارزة، فهنالك مئات العائلات الاسيرة يجتمع فيها الاب والابن، والاخ واخوه، الام والبنت والاخت والاخوة خلف القضبان، وهنالك بعض العائلات يصل عدد معتقليها لأكثر من سبعة افراد.

وفي هذا اليوم لا يمكن إلا ان نتذكر بكل الحب والتقدير والاعتزاز الاسير المناضل الكبير الصابر نائل البرغوثي «ابو النور» الذي اعتقل في نيسان عام 78 ويقضي في السجن عامه الثامن والعشرين، وقصة عائلة واسرة نائل هي قصة تصلح لأن تكون واحدة من اهم الروايات الحقيقية البطولية، هي أسرة الوالد المناضل الذي توفي قبل عام دون ان يرى نائل، وهي قصة الحاجة فرحة التي كانت ولا زالت رمزا لأمهات الاسرى في تاريخ فلسطين بسيرتها النضالية، تلك الحاجة التي لم تغب عن مسيرة أو اعتصام طوال عقود ثلاثة الى ان اقعدها المرض والألم.

لأول مرة تتمكن الحاجة «فرحة» (عمر، ابنها البكر، حكم بالسجن المؤبد اواخر السبعينيات، خرج في التبادل عام 1985، منذ ذلك الحين وحتى اندلاع انتفاضة الاقصِى اعتقل عدة مرات وقضى معظم تلك المدة متنقلا من سجن الى آخر، وقد اعتقل في انتفاضة الاقصى ولا يزال ينتظر المحاكمة)، لأول مرة تتمكن الحاجة فرحة، أم عمر من احتضان نائل كل حياتها، حيث قلبها وحلمها وعشقها.. احتضنته قبل عدة اسابيع في سجن عسقلان عندما سمح لها بزيارته، وصلت السجن محمولة في سيارة اسعاف وكذلك غادرت ولدها، نائل المعروف بأنه من اصلب من عرفت الحركة الاسيرة واصعب من عرفت الحركة الوطنية في تاريخها شوهد لأول مرة منذ (28) عاما يذرف الدموع، بكى اصلب من عرفت الحركة الاسيرة عندما احتضنته امه، فبكى رفاق دربه، بكى نائل فبكى سجانوه ايضا!.

 

اليوم نتوجه الى رئيس السلطة الرئيس ابو مازن والى الحكومة الفلسطينية ورئيسها ابي علاء، الى لجنة الاسرى والى كافة المعنيين والفصائل، الى متى سيبقى فخري ونائل وراء القضبان، الى متى يبقى رفيقهم سعيد العتبة الذي دخل عامه (29) وابو علي يطا وابو الناجي وسامي منصور واكرم يونس وهزاع السعدي وغيرهم من مناضلينا؟ ان اطلاق سراح هؤلاء المناضلين يجب ان يتم الآن، الآن، الآن.