الحركـة الوطنيـة الأسـيرة وجامعاتنـا الوطنيـة
*بقلم / عبد الناصـر عوني فروانـه
فبراير 2003
لست كاتباً ولا أحب الكتابة ، لكن الواقع بإفرازاته وتفاعلاته يستفز تفكيرنا وأفكارنا ، يستفز مشاعرنا ويدفعنا لاإرادياً للمسك بالقلم لنخط بعض الكلمات لعلنا نوفق ولو بالشيء القليل بترجمة ما يجول بخاطرنا من أحاسيس وأمنيات ، هموم وإشكالات أيضاً .
وإحدى القضايا التي تشغلني كباقي شعبي هي قضية الأسرى والمعتقلين .. تلك القضية التي أنتمي لها منذ طفولتي .. وعرفت السجون وشبك الزيارة قبل أن أعرف المدارس ومقاعد الدراسة ، ليس هذا فحسب بل ودخلت السجون بعدها وأفخر بأنني عشت سنوات في السجون والمعتقلات وأعتز بأصدقاء السجن وبعلاقتي بهم ، وسعيد بعملي بوزارة الأسرى لأتواصل عن قرب مع الأسرى وقضاياهم وهمومهم ، تاريخهم وتراثهم ... إلخ .
وهذا ما يجعل أخبارهم وما يتعلق بهم يتردد لمسامعي يومياً .. وصراحة وبدون مغالاة فإن أخبارهم تقشعر لها الأبدان ، وتفوق في لا إنسانيتها ووحشيتها ما تعرضنا وتعرض له أسرانا عبر سنوات الإحتلال الماضية .
الأمر الذي - وكما قلت أنفاً - يستفزك ويدفعك للكتابة وتجعل منك كاتباً وشاعراً وفناناً دون أن تحصل على شهادة أكاديمية ، وبهذا الصدد خرجّت السجون العشرات من الكتاب والشعراء والفنانين ، وأنتجت المئات من الكتب والدراسات والقصص والقصائد والتحف والمجسمات .. فللحركة الوطنية الأسيرة تاريخ رائع ومشرق ، مميز ومؤثر في تاريخ الثورة الفلسطينية المعاصرة ... وعملنا في وزارة الأسرى وبالإشتراك مع برنامج غزة للصحة النفسية على توثيق ذاك التاريخ من خلال أجندة الحركة الأسيرة لعام 2002 وأجندة عام 2003 والتي كانت أكثر شمولية من الأولى ونسعى لأن نتواصل ونستمر بهذا الإتجاه وآمل ذلك.
ولكن بعض الأمور والقضايا تحتاج الى مايسندها ويدعمها علمياً وبإسهاب .. بمعنى آخر تحتاج الى دراسات وبحوث ذات صبغة علمية رسمية ، الأمر الذي تفتقده قضية الأسرى ، والمتتبع للدراسات المنتجة والمنجزة عن الأسرى والمعتقلين يجد أن معظمها إن لم أقل جميعها تتركز وتتمحور حول موضوع التعذيب ومشتقاته وتوابعه من آثار نفسية وجسدية ... إلخ
وهذا بحد ذاته لا يكفي ولا يعقل أن يكفي وكأن معاناة الأسرى أختزلت فقط في موضوع التعذيب .
ومن هنا أقترح وأناشد كافة الجامعات الوطنية في فلسطيننا الحبيبة والقائمين عليها بأن يوجههوا الطلاب - مشاريع التخرج - للتركيز في بحوث التخرج أو رسائل الماجستير أو الدكتوراة على موضوعات ذات صلة بالأسرى والمعتقلين فمثلاً عن المحاكم الإسرائيلية ومدى مطابقتها للمواصفات الدولية - الإعدام بعد الإعتقال وهي سياسة قديمة ولازالت تمارس - الوضع الصحي والرعاية الطبية في السجون - الإعتقالات الإدارية - الإعتقالات والإختطاف في إنتفاضة الأقصى - السجون والمعتقلات وتاريخها ومواقعها الجغرافية وشروطها الحياتية من مأكل ومسكن ومنام ووضعها القانوني ... إلخ - عن الأسرى المحررين - التأثير النفسي للسجون على الأطفال أبناء الأسرى وعائلاتهم ومستقبلهم - عن الجمعيات والمؤسسات الفاعلة في مجال شؤون الأسرى - إنتاجات الأسرى الفكرية والأدبية واليدوية .. نصالات وصمود الأسرى خلف القضبان إلخ
ولونجحنا في ذلك وكحد أدنى دراسة واحدة في العام في كل جامعة ، سنجد بين أيدينا وبعد خمس سنوات مالا يقل عن 20 دراسة متنوعة تتناول حياة الأسر بكل مشتقاتها ومعاناة الأسرى بكل أشكالها وبشكل علمي ، وبذلك نكون قد نجحنا بتوثيق علمي لهذا التاريخ الرائع والمشرق للحركة الوطنية الأسيرة وبذات الوقت الأسود القاتم في تاريخ الإحتلال الإسرائيلي .
آمل أن تلقى هذه الفكرة ، المناشدة آذاناً صاغية لدى المعنيين ، كما آمل أن تلقى تجاوباً من الأساتذة الأفاضل والطلاب الأشاوس ، وبتقديري وزارة الأسرى والمحررين ومعها كافة المؤسسات التي تعنى بشؤون الأسرى لن تدخر جهداً في سبيل التعاون الإيجابي لإنجاح هذه الفكرة ، وثقتي عالياً بكم وبجامعاتنا الوطنية وبالقائمين عليها .