الإعـلام و الحـرب على العـراق !!
ما أن وضعت الحرب على العراق أوزارها .. حتى أسرعت الكاميرات المأجورة والموجهه ، كاميرات الصحافة الأجنبية والعربية بدون إستثناء بتوجيه عدساتها صوب ما يفعله قلة قليلة من العراقيين من أعمال مشينة ومخزية متمثلة بالنهب والسرقة بما فيها سرقة االمال العام من مستشفيات ومدارس ومعاهد تعليمية ، وحتى أنه طال تاريخ العراق نفسه ، بل وأقدموا على سرقة المال الخاص .
ولعل أبشع صور الجريمة هي الإقدام على حرق المؤسسات الحكومية والمؤسسات العامة الخدماتية ، وتخريب مبنى المتحف تماماً والذي يحتوي على آثار وقطع فنية نادرة تعود لعشرات السنين ، وحتى السجلات والأوصاف والبحوث على كل قطعة في المتحف أُخذت هى الأخرى ، وما لم يُسرق خُرب… وهذا مؤشر واضح على أن هذه القلة لا تمثل الشعب العراقي ولا تعكس حقيقة أخلاقه ومبادئه وشيمه ، بل هي في حقيقة الأمر عمليات موجه ، مبرمجة وبتغذية وتشجيع من قبل قوات الغزاة الإنجلوأمريكية .
وأن الهدف الأساسي ليس كما يصوره أو يتصوره البعض على أنه محاولة لإظهار مدى كراهية الشعب العراقي لرئيسهم السابق صدام حسين ، وإن كان هذا أحد الأهداف ، ولكن الهدف الأساسي بتقديري هو جذب كافة العدسات لتلك الأحداث ، وإزاحتها عن ما حدث ويحدث في مدن وضواحي العراق من آثار للقصف والدمار والمجازر الجماعية …إلخ ، الأمر الذي قد أتفهم قبوله هو تجاوب الصحافة الإجنبية مع ذلك ، ولكن ما لايمكن أن أتفهمه هو إقدام الصحافة والمحطات العربية المتواجدة في العراق على قبوله ، ولم تبث هذه المحطات أي تقرير مصور عن تلك الجرائم الفاحشة التي ارتكبت بحق الشعب العراقي ،وهذا كفيل بأن يضع علامات إستفهام كبيرة على كل المحطات العربية التي تواجدت في العراق آبان الحرب …
لهذا يجب أن لا نتسرع في حكمنا على الشعب العراقي الشقيق فهو نفسه الذي صمد عشرون يوماً في وجه أضخم ترسانة عسكرية في العالم وأكثرها تطوراً في حين لم تصمد الدول العربية سوى ستة أيام في حرب حزيران من عام 1967م ، بل وسطر خلالها الشعب العراقي أروع آيات الصمود وألحق بالغزاة الخسائر المادية والبشرية الفادحة ، وهو نفسه الشعب الذي تغنينا بصموده وبطولاته قبل التاسع من نيسان ورفعنا راياته …
ومن منا كان يحلم بأن ينتصر العراق بإمكانياته البسيطة مقارنة مع إمكانيات الغزاة ويضاف لهم إنحطاط الأخلاق والقيم والإنسانية ، وأن يرفع الغزاة الراية البيضاء ..؟
صحيح أننا كنا نتمنى نهاية غير تلك التي فاجأتنا خاصة بعد الصمود المشرف والبطولي لمدن وضواحي العراق في أم قصر والناصرية ، في الموصل وكربلاء والبصرة ..إلخ وصحيح أيضاً أننا صدمنا من السقوط المفاجئ لبغداد ، وهذا ما ولّد لدينا الشعور بالإحباط ودفعنا للإنحراف عن صوابنا وتفكيرنا وبالتالي تقييمنا للأحداث وقذف سيل من الإتهامات على القيادة العراقية والعراقيين … وكأننا احتكرنا الحقيقة ، حقيقة ما جرى في بغداد !!! ولماذا نجلد أنفسنا وعروبتنا أكثر من اللازم.
وأجزم بأن القيادة الأنجلوأمريكية معنية بترويج خبر هروب صدام والقيادة العراقية لنشر حالة من الإحباط لدى المواطن العربي لتمرير سياسات أخرى وفي مقدمتها حفظ المصالح الإسرائيلية وإبقاء وتعزيز الهيمنة الأمريكية على الوطن العربي وثرواته .. فلا يعقل أن ننساق وراء هذا الخبر أو ذاك ، ويجب أن نمتلك من الصبر والعقلانية والحكمة ما يؤهلنا لأن نبقى على توازننا وصوابية تقييمنا … ولماذا لم نقل بأن التاريخ سيسجل للقيادة العراقية تحديها للغطرسة الأمريكية وقتالها مع شعبها حتى الإستشهاد ومن ثم حدث الإنهيار في الجيش أو المؤامرة ، ولماذا لم نقل بأن هناك خيانة من بعض قيادات الحرس الجمهوري وفدائيي صدام .. الخ فلماذا لا نُبقي باب كل الإحتمالات مفتوحاً على مصراعيه !! ؟؟
فأنا لست كاتباً وإنما مواطن عادي وإنتمائي للقومية العربية هو ما دفعني للكتابة ، كما أنني لست بعثياً أومدافعاً عن نظام صدام ، لأنه لم يكن نظاماً نموذجياً ، ويُسجل عليه الكثير من الملاحظات الكفيلة بتعبئة مجلدات ، لكنه كان أفضل حالاً بكثير من أنظمة عربية أخرى ، كما ليس هنالك من نظام عربي أفضل منه وأكثر منه ديمقراطية … وإن كنا وبالرغم مما يجري لدينا وبالرغم مما يعتري الساحة الفلسطينية من خلافات وتعارضات وأحياناً تناقضات إلاّ أن من حقنا أن نعتز بديمقراطيتنا ووحدتنا الداخلية .. وأجزم بأننا أفضل بكثير من الأنظمة العربية على هذا الصعيد.
ولتبقى ثقتنا عالية بالشعب العراقي الشقيق البطل الذي خرج بمسيرات ضخمة تندد بوجود الإحتلال وتطالب برحيله .. والشعب العراقي لن يستغرق من الوقت طويلاً حتى يفوق من هول الصدمة ، ليعيد ترتيب وتنظيم نفسه ويناضل من أجل التحرير وطرد الغزاة .
وفي الختام أقول بأن سقوط تمثال صدام ومعه سقوط نظام حزب البعث ، لا يعني سقوط القومية والوطنية وحب الله والوطن لدى العراقيين ،ولا يعني بالمطلق إستسلام وخنوع الشعب العراقي لحكم الإحتلال .
ومن الناحية الأخرى صحيح أن أمريكا سجلت لنفسها إنتصاراً عسكرياً ، لكن سُجل عليها إنتكاسة أخلاقية وحضارية واتسعت دائرة الكراهية لها ليس في الوطن العربي فحسب ، بل وفي الدول الأوروبية مما يشير الى إشتداد الصراعات الدولية ، وإنتهاء الحرب هو خطوة نحو إنتهاء عالم القطب الأوحد على المدى القريب أو المتوسط و إنتهاء عالم القطب الواحد وبروز عالم الأقطاب من جديد….
- غزة - فلسطين