لا تتركوا أسـرانا يموتون خلف القضـبان ..

 

* بقلم / عبد الناصر عوني فروانة

17-4-2004

 

للأسرى مكانة مميزة في عقولنا وقلوبنا .. فهم رجال كل المراحل وعنواناً بارزاً لا يمكن تجاوزه لأنهم حفروه بالآلام والتضحيات وصبغوه بدماء الشهداء فشكل تاريخاً ساطعاً ومشرقاً ومؤثراً في تاريخ الثورة الفلسطينية المعاصرة ... تاريخ يستحق أن نفخر به ، وأن نكرم من لا زالوا يراكمون هذه التجربة  فلا كرامة لأمة لا تكرم أبطالها ولا تسعى لتحرير أسراها .. فكان يوم الأسير يوماً أقره المجلس الوطني الفلسطيني عام 1975 لتكريم هؤلاء الأبطال ، ومن هنا نبرق بتحيات الفخر والإعتزاز لكافة أسرانا ومعتقلينا ، ومن الواجب ونحن نحيي هذه المناسبة الغالية أن نتوقف قليلاً أمام ما يتعرض له أسرانا ونسلط الضوء على بعض جزيئات هذه القضية الهامة .

فخلال إنتفاضة الأقصى شنت قوات الإحتلال حملات إعتقال واسعة وبأساليب أكثر همجية ووحشية من تلك التي اعتاد على ممارستها من قبل  فلجأت الى اجتياح المدن والقرى وإعادة إحتلال بعضها  وإختطاف المواطنين والإعتقالات الجماعية والأبشع من ذلك اعتقال المرضى والمصابون من المستشفيات وسيارات الإسعاف وصلت حالات الإعتقال خلال إنتفاضة الأقصى الى أكثر من 30 ألف حالة وزجتهم في سجون ومعتقلات  تتنافى مع كل المواثيق والأعراف الدولية كما وتفتقر لأدنى شروط الحياة البشرية.

ويوجد الآن في السجون والمعتقلات ما يقارب من 7500 معتقل ، منهم  1500 أسير معتقلين منذ ما قبل إنتفاضة الأقصى ومن هؤلاء  400 أسير معتقلون منذ ما قبل إتفاق أوسلو ، كما يوجد 80 أسيرة و336 طفلاً 1252 طالباً وطالبة من طلبة المدارس والكليات والجامعات منهم 196 معلماً وموظفاً في وزارة التربية والتعليم العالي و هؤلاء موزعين على أكثر من 22 سجناً ومعتقلاً ومركز توقيف .

وهذه السجون منقسمة الى نوعين فهناك السجون المركزية والتي تخضع لإدارة مصلحة السجون وهي عبارة عن مباني وغرف يطلق عليها غرف الموت البطيء كسجون عسقلان ونفحة وبئر السبع و...إلخ والنوع الآخر معتقلات تخضع لسيطرة الجيش الإسرائيلي وهي عبارة عن أقسام محاطة بالشبك وبداخلها عدة خيام ، وكشف النقاب مؤخراً عن وجود ما يسمى بالسجن السري والذي يحمل الرقم 1391 ( ولمزيد من التفاصيل يمكن العودة الى الدراسة الشاملة عن السجون والمعتقلات والتي سبق وكتبتها تحت عنوان علب اسمنتية وخيام نازية  )  .

 

 وما تطالعنا به وسائل الإعلام المرئية والمقروءة وما يتردد لمسامعنا من أخبار وأحاديث عن أوضاع الأسرى تقشعر لها الأبدان ، الأمر الذي يستحوذ على اهتمامنا كأسرى محررين وكمؤسسات معنية ، حيث تعذيب الأسرى والذي شكل نهج أساسي يتبعه الإحتلال في محاولة يائسة لكسر إرادة المقاومة و إسرائيل تمثل حالة فريدة من حيث ممارسة التعذيب قانوناً ما بين دول العالم وهي الدولة الوحيدة في العالم التي شّرعت التعذيب ، وتتنوع أشكال التعذيب الوحشي بين الضرب الشديد والشبح لساعات طويلة والوضع في الثلاجة حتى وصل  إلى أكثر من 70 شكلاً مورست ولا زالت تمارس في تعذيب المعتقلين وبشكل قاسي ومميت وأدى الى إستشهاد أكثر من 40 معتقلاً أثناء التحقيق ، فيما يعاني الآلاف من آثاره وهناك المئات إستشهدوا بعد إنتهاء فترة التحقيق وبسبب التعذيب .

بالإضافة الى الحرمان من زيارة الأهل وحتى إن سمح بذلك فإنها تمتزج بالمضايقات والإستفزازات والحرمان من زيارة المحامين وإن تمت فإنها تجرى تحت الرقابة وهذا مخالف لإتفاقية جنيف و وسياسة التجهيل من خلال حرمانهم من مواصلة تعليمهم ومصادرة الكتب والكراسات وحجب الصحف والمجلات لفترات طويلة عنهم وقلة المواد الغذائية المقدمة للأسرى كماً ونوعاً مما يضطر الأسرى لشراء بعض الحاجيات الأساسية من مقصف السجن على حسابهم الخاص مما يزيد ويفاقم الضائقة المالية لهم ولذويهم ، وشحة المياه الساخنة ومواد التنظيف مما أدى الى إنتشار الحشرات والزواحف والبعوض وتلوث المفروشات وإنتشار الأمراض الجلدية ، واتباع سياسة عدم الإستقرار من خلال إجراء التنقلات المستمرة ما بين الأسرى داخل أقسام السجن الواحد ، وما بين السجون أيضاً وبنفس الوقت تقييد الحركة الداخلية للاسرى من خلال التزاور فيما بين الغرف والأقسام ، و الخيام في المعتقلات مهترئة وممزقة مما أدى الى تسريب المياه لها في فصل الشتاء في ظل قلة الأغطية اللازمة ، واستخدام سياسة العقاب متمثلة بالعزل وفرض الغرامات المالية واستقطاعها من رصيد الأسير والحرمان من العلاج والإهمال الطبي المتعمد مما يفاقم المرض وإستفحاله  .

 

ومن مظاهر الخطورة المعاملة القاسية حيث التفتيشات الإستفزازية والإعتداءات المتكررة بالعصى والغاز المسيل للدموع وأخيراً شكلت فرقة خاصة وترتدي زياً مميزاً كتب عليه " امن السجون "  تعمل بشكل دائم على اقتحام اقسام السجون في ساعات متأخرة من الليل متذرعة بأتفه الأسباب ومتسلحة بالهراوات والغاز المسيل للدموع ومستخدمة في الأونة الأخيرة نوعاً جديداً من السلاح المطاطي ضدهم وان هذا السلاح يطلق عيارات مطاطية تحدث دائرة بقطر 5 سم في جسد الأسير الذي يصاب بها وتدخل بعمق 2 ملم مفرزة مادة برتقالية تحدث شعطة ( حارقة ) حارة في جسم المصاب ، إضافة الى تخديره لزمن معين ( شل حركته ) وهذه إستخدمت مؤخراً ضد الأسرى في عسقلان وأصيب العديد من الأسرى ، وفي الأسابيع الأخيرة تم الإعتداء على الأسرى في عدة سجون مستخدمة الهراوات والغاز المسيل للدموع والقوات الخاصة والكلاب البوليسية في هذه الهجمات كما حصل في قسم إيشل بسجن السبع وأدى الى إصابة 14 أسيراً نقل 8 منهم الى المستشفى نظراً لحالتهم الصحية الصعبة ، و الإعتداء على الأسرى في سجن عتصيون وعلى الأسيرات في سجن هشارون وعلى الأسرى في قسم أيالون بالرملة المخصص للعزل ، كما وتم الإعتداء على الأسرى في معتقل النقب الصحراوي .

 

 و كافة السجون تشهد حالة من التوتر الشديد .. فحكومة اسرائيل ما زالت مصرة على تصعيد الإنتهاكات اللا إنسانية بحق أسرانا في كافة السجون الإسرائيلية ، وأن  هذه الاعتداءات المتكررة على الاسرى في ظل تفاقم معاناتهم الصحية والمعيشية والتعليمية وحرمانهم من الزيارة سيؤدي الى حدوث انفجار داخل السجون و تحول ساحاتها الى مواجهات عنيفة لاتحمد عقباها .

 

وصعدّت سلطات الإحتلال خلال إنتفاضة الأقصى من ممارساتها لسياسة الإبعاد بحق المعتقلين ،  والإبعاد سياسة اعتمدت عليها سلطات الإحتلال منذ احتلالها للأراضي الفلسطينية ولم تقتصر على حقبة أو سنوات معينة وأبعدت وطردت الآلاف من النشطاء من كافة التنظيمات ، وتعتمد على الإبعاد كوسيلة من وسائل العقاب للنشطاء وأقربائهم وذويهم وحتى ذوي الإستشهاديين وهي تعتبر من أقسى العقوبات غير المشروعة وغير القانونية وهذا يعكس استهتار " اسرائيل " بحقوق المدنيين حيث يشكل الإبعاد خرقاً خطيراً للقانون الدولي وجريمة حرب وجريمة ضد الإنسانية وخرق فاضح للمادتين 49 و 147 من اتفاقية جنيف ( يحظر النقل الجبري أو الفردي للأشخاص المحميين أو نفيهم من الأراضي المحتلة الى أراضي دولة الإحتلال أو الى أراضي أي دولة أخرى محتلة أو غير محتلة أياً كانت دواعيه ) .

و خلال إنتفاضة الأقصى وبتاريخ 10/5/2002 أبعدت سلطات الإحتلال 39 مواطناً فلسطينياً احتموا داخل كنيسة المهد في بيت لحم من أجل إنهاء حصار قوات الإحتلال للكنيسة لمدة 39 يوماً  ، 13 منهم تم إبعادهم الى خارج البلاد عن طريق مطار بن غوريون وتم نقلهم الى قبرص ومن ثم وزعوا على عدة دول اوروبية ، و26 مواطناً منهم نقلوا بحافلات الى قطاع غزة ولم تتح لأي من المبعدين الفرصة بالإتصال أو الإلتقاء بذويه ، وحتى إن نفذ هذا الإبعاد بالإتفاق فإن الموافقة على ما يخالف إتفاقية جنيف - المادة 8 – لا يجوز للأشخاص المحميين التنازل في أي حال من الأحوال جزئياً أو كلياً عن الحقوق الممنوحة لهم بمقتضى هذه الإتفاقية هو أمر غير قانوني بموجب القانون الدولي الإنساني ، وتقول المادة 9 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان ( لا يجوز اعتقال أي إنسان أو حجزه أو نفيه تعسفاً ) .

 

وبعد أقل من أربعة شهور أبعد المواطن أديب ثوابتة من بيت فجار قضاء الخليل ، وفي ديسمبر من نفس العام أبعد المواطن كفاح وشقيقته انتصار العجوري من مخيم عسكر بنابلس وصعدّت من سياستها هذه حتى وصل عدد من أبعدتهم من الضفة الغربية الى قطاع غزة  الى 26 معتقلاً ، وكافة قرارات الإبعاد تحظى بقرار من  أعلى هيئة قضائية وهي المحكمة العليا الإسرائيلية ، وهذا يعني إضفاء الشرعية القضائية والقانونية على هذه السياسة وتغطية على جرائم الحكومة وقوات الإحتلال عليها لتصبح شريكاً في هذه الجرائم .

 

وفي الختام قضية الأسرى وتداعياتها تحتاج الى  حملات اعلامية يسلط خلالها الضوء على ما يتعرض له أسرانا وفضح الممارسات اللاإنسانية التي يتعرضون لها ..... ورغم الصورة قاتمة السواد ممثلة بالإحتلال وإدارات سجونه وممارساتهم ، هناك صورة مشرقة لأسرانا وبطولاتهم ، مشرقة للصمود والشموخ والكبرياء الفلسطيني حتى في أحلك الظروف وأقساها ... صورة لم تمح وستظل ساطعه وهاجة لأنها رسمت بدماء الشهداء ممزوجة برطوبة الزنازين وآهات المعذبين .