دعوة لتوثيق تاريخ الحركة الأسـيرة

 بقلم / عبد الناصر عوني فروانة

الخميس 21 آب 2003

الإعتقال ..  السجن ... التعذيب ...  مفردات دائمة وثابتة في سجل النضال الوطني الفلسطيني ، فأكثر من نصف مليون فلسطيني ذاقوا مرارة السجن وعانوا صدأ القيد ومرارة التعذيب ... والأخطر من ذلك أن هناك أضعاف أضعاف هذا الرقم عانى هو أيضاً من آثار الإعتقال ... فالأم والأب ، الأخت والزوجة ، الإبن والإبنة هم أيضاً ضحايا هذه السياسة ، وليس هؤلاء فحسب بل وأن الأقارب من الدرجات المختلفة والأصدقاء والجيران هم أيضاً عانوا ولا زالوا من سياسة الإعتقال ...

إذاً وبحسبة رقمية بسيطة يمكن لنا القول بأن الغالبية العظمى من شعبنا الفلسطيني ذاقت مرارة الإعتقال ، حيث أن الإعتقالات شكلت ظاهرة وطالت كل بيت وقرية ومدينة ولم يعد هناك عائلة لم يعتقل لها أحد ، وبتعبير آخر فإن قضية الأسرى هي قضية الشعب الفلسطيني عامة ، فمنا الطفل الذي عرف السجون وشبك الزيارة قبل أن يعرف المدارس ومقاعد الدراسة فكبر و كبرت فيه ومعه قضية الأسرى ، ومنا الشاب الذي أمضى زهرة شبابه في الأسر ، ومنا الشيخ والعجوز الذي لم يحترموا كبر سنه وشيبه ووضعه الصحي ، ومنا الأم التي تنقلت سنوات وبعضهن عقود بين السجون لزيارة إبنها بل أبنائها ، ومنا الأخت التي أنجبت خلف الأسر ، ومنا ومنا.. إلخ وفي المقدمة منا جميعاً 169 أسيراً استشهدوا خلف القضبان نتيجة آثار التعذيب أو الإهمال الطبي أو القتل العمد ، وأضعاف أضعاف هذا الرقم إستشهدوا خارج الأسر متأثرين بأمراض السجن .. ومنا الآلاف من الأسرى المحررين لا زالوا يعانون من آثار الإعتقال والتعذيب رغم مرور سنوات على تحررهم ... وعلاوة على كل ذلك هنالك أكثر من 6500 شهيد مع وقف التنفيذ يقبعون الآن في السجون والمعتقلات الإسرائيلية ويعانون ويلات الأسر، وهؤلاء رقم يزداد كل يوم ، أي قابل للتمدد حسب الأجواء السياسية الساخنة .

 

وفي سياق تلك المسيرة الطويلة إستطاعت الحركة الوطنية الأسيرة أن ترسم لنفسها خطاً نضالياً وتاريخاً رائعاً ومشرقاً ، وخطت حروفه بالدماء والمعاناة … هذا التاريخ حمل على صفحاته غير الموثقة سوى في ذاكرة الأسرى ، العديد من التجارب والقصص والبطولات والآلام ... والسؤال الكبير والكبير جداً من وجهة نظري كيف يمكن لنا أن نترجم وننقل هذا التاريخ من ذاكرة صانعيه من الأسرى ومن ذاكرة الملايين ممن عانوا من تبعاته وآثاره ... الى حيز الكلمات والقصص على الورق لتبقى منارة للأجيال القادمة ، فمن حقنا أن نفخر ونعتز به ، ومن الجانب الآخر من واجبنا أن نوثق كافة الإنتهاكات الإسرائيلية بحق الأسير الفلسطيني ...  والسؤال كيف يمكن لنا أن نحقق ذلك ؟؟؟

 

كيف يمكن لنا استغلال تطور تكنولوجيا المعلومات في خدمة هذا الموضوع وعمل أرشيف متكامل على إسطوانات cd أسهل للنقل والنشر والتوزيع ؟؟ وعمل صفحة إنترنت شاملة متكاملة وحدوية تخدم وتتناول قضية الأسرى عموماً ويشرف عليها وعلى تحديثها أكثر من جهة ولتكن مرجعاً رسمياً لكل المعنيين .

حقيقة وبكل صراحة لا أستطيع الإجابة ، وبكل تواضع أقول ليس لدىّ رؤية شمولية لذلك ، فالأمر يحتاج الى ورش عمل وندوات للخروج بصيغ وآليات مناسبة ويتبعه تنفيذ جاد وجماعي من كافة المؤسسات الحكومية وغير الحكومية ومن الأسرى والأسرى المحررين وطواقم ذات إمكانيات عالية تؤهلها للقيام بتلك المهام ... على أن يكون العمل ممنهج ووفق استراتيجية وجدول زمني ومركزية العمل ، بعيداً عن العفوية والعمل الفردي المبعثر وتقسم فيه الأدوار التكاملية لينتج في النهاية عمل جماعي شمولي ...

ولنشرك في ذلك طلاب الجامعات لإنجاز البحوث العلمية ولقد كتبت بهذه الجزئية من قبل ( الحركة الوطنية الأسيرة وجامعاتنا الوطنية ) ويمكن الرجوع لها ... فقضية الأسرى من القضايا التي تحظى بإجماع وطني أو قد تكون القضية الأوحد التي لا تخضع لأية إجتهادات .

وقد يأتي هذا القائد أو ذاك المسؤول ويقول بأن هناك العديد من الدراسات والقصص والأدب عن ذلك وعن واقع السجون وأنا شخصياً كتبت الكثير حول ذلك ...

 

لكني أجزم بالقول بأن ما كتب لا يغطي 10 % من تاريخ عمره عقود من الزمن ، وأتحدى من يقول بأن هذا التاريخ موثق أو ما نسبته أكثر من ذلك ، وصدر بهذا الصدد العديد من النشرات والكتب وأبرزها أجندة الحركة الوطنية الأسيرة بالشراكة ما بين وزارة الأسرى و برنامج غزة للصحة النفسية والتي حملت على صفحاتها المئات من المعلومات ، كما انني لا أقلل من شأن ما كتب ، بل بالعكس فإنني أثمن عالياً كل جهد بذل ويبذل بهذا الصدد ، وعلى قناعة وبحكم عملي بوزارة الأسرى بأن الوزارة تسعى جاهدة خلال سنوات عمرها القصيرة الماضية من أجل ذلك ... ولكن أجزاء ذاك التاريخ كثيرة جداً جداً ومكوناته وتفاعلاته أكثر بكثير ، ولو أخذنا الجزء المنسي من ذلك والمتعلق بالأمهات والعائلات وقصصهم الإجتماعية ومعاناتهم من الإعتقال لكتبنا عشرات المجلدات ...

 

فلنشمر عن سواعدنا ولنتعاون سوياً بعيداً عن الفئوية والحزبية ولننطلق من قاعدة انتماءنا لقضايا الأسرى صوب الهدف ولننجز معاً ما لم ينجز من قبل ... قبل أن يفوتنا قطار الحياة وقبل أن يفارقونا من يحملون في ذاكرتهم ذاك التاريخ وتلك التجارب وحينها لن يكون للندم نفعة ولن يرحمنا التاريخ .