بأي ثـوبٍ عُـدت ياعيد ؟؟

 

                                                                                                                                                                                                     *  بقلم / عبد الناصـر عوني فروانـة

27 يناير 2004 م

عيد يمضي وعيد يأتي وقد تأتي أعياد وأعياد وحالنا كما هو ..!  فبأي ثَوبٍ عُدت ياعيد ؟ والسؤال يلد السؤال وينبثق مليون سؤال ولكن لا مجيب ولا جواب !! عيد سعيد وكيف يمكن أن يكون سعيد ؟ وإلى متى سنظل نقول عيد سعيد وكيف يمكن أن تقاس السعادة ؟ كيف يمكن أن يكون عيد سعيد والوطن مذبوح ، وقافلة الشهداء تمضي بالآلاف ، وأطفال بعمر الورود تتساقط ، وعشرات الآلاف من الجرحى والمصابين ، وآلاف الشهداء مع وقف التنفيذ من المعتقلين خلف القضبان ، ومئات المنازل هدمت بل وسويت بالأرض وكأنها لم تكون ، وآلاف الدونمات ابتُلِعت وأخرى مُسح ما عليها من زرع وشجر ، ومئات الحواجز قطّعت أوصال الوطن ، وأصبح لا قيمة للإنسان الفلسطيني الذي تنتهك أبسط حقوقه الإنسانية عشرات المرات على مدار اليوم ، بل على مدار الساعة .

 

 فكلنا كبشر وشجر وحجر على قائمة الإستهداف وأمام شواخص الموت الإسرائيلية .. نولد على زخات الرصاص  ، ونكبر بين أنقاض البيوت ونفترش الأرض ونلتحف السماء لكي نحيا ، ونجبر على التغذي على رائحة البارود والغاز المسيل للدموع ، وننام ونستيقظ على مشاهد الموت والدمار والقتل ونقضي جزءاً كبيراً من يومنا في تشييع جنازات شهداء والبحث عن لقمة العيش الأساسية لنا ولأطفالنا و جزءاً آخر على الحواجز المملة والمميتة ، فالموت يطاردنا في اليوم عشرات المرات … كل هذا يجري  في ظل صمت دولي وعربي وإسلامي وكأننا لسنا عرب ولا مسلمون ولا حتى بشر ..

 وإذا ما توقفنا أمام هذه الصورة قاتمة السواد وأمام موازين مقياس السعادة في العالم فإننا لن نشعر بالعيد ولا نتذوق سعادته وسيكون عيداً محبطاً وعبئاً علينا وعلى مشاعرنا وأحاسيسنا ، بل ومستقبلنا ..

 

لهذا فإننا لم ولن نستسلم للواقع المرير وإفرازاته ونأخذ الوجه الآخر من الصورة ونفهم السعادة بمفاهيمنا وموازيننا ومقاييسنا الخاصة ونرى في العيد الأمل والمستقبل ونتذوق فيه السعادة بطعم لم يتذوقها الملايين في هذا الكون ، سعادة بطعم خاص ، سعادة الكرامة والعزة والنخوة والرجولة في زمن عز فيه الرجال ودوست فيه الكرامة ..

 

فللأرض الطيبة أصحاباً لها إشتاقت لعودتهم وسيعودون يوماً ، وللبيوت المهدمة ساكنيها الذين إفترشوا الأرض وإلتحفوا السماء وتشتتوا بحثاً عن مكان جديد في هذا الوطن ليأويهم ، وللمساجد التي دمرت زائريها الذين سيواصلون صلواتهم في العراء وحتى على فراش الموت وللاشجار التي اقتلعت ملايين السواعد التي ستزرعها من جديد ..

 وللشهداء فينا مكانة تكبر وتكبر مع فجر كل يوم جديد وعهداً قطعناه على أنفسنا نستمد منه قوة تحملنا وإصرارنا وقوتنا ، ونموذج الأسرى وشموخهم سيبقى ماثلاً أمامنا ينفخ فينا روح الفداء والتحدي ، روح الصمود والكبرياء .

فشعبنا حي لا يموت وسيبقى يقاتل ويقاتل متسلحاً بالإرادة والعزيمة وعدالة القضية وسيبقى العيد سعيداً بمفهومنا ومقاييسنا نحن .. عيداً سعيداً للشهداء في جنات الخلد ، للجرحى ومن نزف على درب الكرامة والحرية ، سعيداً  للأسرى والمعتقلين المكبّلين في سبيل قضيّة عادلة وشرف رفيع وشامخين خلف القضبان ، لأمهاتهم وبناتهم وزوجاتهم ، عيداً سعيداً لمقاتلي هذا الوطن الرائع لكتائب الأقصى والقسام وكتائب أبو علي مصطفى وسرايا القدس ، ولأبناء شعبنا من بنين وبنات ولزهراته الذين يذودون عن ترابه في ظل التخاذل والخنوع العربي الرسمي ، سعيداً لكلِّ من قضى ولكلِّ من ينتظر على هذا المسير .

 

عيداً سعيداً لنا جميعاً ونحن نتشبث بالأرض وندافع عنها وعن مقدساتها بإرادتنا وعزيمتنا ، سعيداَ لأطفالنا الأبرياء ، سعيداً للناشطين أصحاب الضمائر الحية الذين يبذلون جهوداً مضنية في مجال الديمقراطية وحقوق الإنسان والأسرى ،  عيداً سعيداً لكل الحالمين بغدٍ مشرق وبأمل لا بد وان يتحقق ، لكل الواثقين بالمستقبل الزاهر وبحتمية الإنتصار.\

عيد سعيد ..

 وكل عام وأنتم بألف خير أعاده الله علينا وعليكم بالخير و البركة وقد تحققت أمانينا