في ذكراها الثانية والعشرين
الأسـرى .. وحُلم تكرار " عملية الجليل " !!
* بقلم / عبد الناصر عوني فروانة
15 آيار 2007
العشرون من آيار من عام ألف وتسعمائة وخمسة وثمانين ، يومٌ ليس ككل الأيام في مسيرة الشعب الفلسطيني والأسرى عامة ، وفي مسيرة حياتي الشخصية خاصة ، يوم تجسدت فيه الوحدة الوطنية بأروع صورها ، وتحقق فيه الحلم الفلسطيني بأبهج أشكاله ، يوم انتصرت فيه الإرادة والعزيمة الفلسطينية ، ، يوم استقبلت فيه القدس والجليل والمثلت ومدن وقرى الضفة والقطاع ومخيمات الشتات أبنائها الأسرى المحررين ، المنتصرين العائدين إلى بيوتهم وأهلهم وأحبتهم ، يوم إلتقيت بوالدي بعد فراق دام أكثر من خمسة عشر عاماً ، قضاها متنقلاً من سجن إلى آخر ومن زنزانة انفرادية إلى أخرى جماعية ، وتعانقنا للمرة الأولى دون حواجز أو قضبان ، واحتضنته بعيداً عن المراقبة و الإرهاب ، في مشهد لم أذكر مثيلاً له في طفولتي على الإطلاق ..
لهذا من الواجب الوطني والشخصي أن نسجل احترامنا وتقديرنا للجبهة الشعبية – القيادة العامة كلما اقترب هذا اليوم وحَلَّت الذكرى ، وكلما تحدثنا عن صفقات لتبادل الأسرى .
و كنت قد التقيت شخصياً قبل شهرين بالأمين العام المساعد للجبهة الشعبية – القيادة العامة ، د.طلال ناجي ، وبحضور جمع من قيادات فصائل العمل الوطني والإسلامي منهم د.ماهر الطاهر ود. موسى أبو مرزوق ، وآخرين وقدمت له ومن خلاله للأمين العام أحمد جبريل تقديري واعجابي بما حققوه من انتصار تاريخي ، لم يسبق وأن حدث من قبل بنفس المعطيات ، ولن يتكرر في المستقبل بنفس النتائج ، تمثل بعملية تبادل الأسرى الشهيرة والعظيمة ، التي سميت بـ " عملية الجليل " في العشرين من آيار عام 1985 ، ما بين الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين - القيادة العامة وحكومة الإحتلال الإسرائيلي ، حيث أطلق بموجبها سراح ( 1155 ) أسيراً من سجون ومعتقلات الإحتلال ، مقابل ثلاثة جنود اسرائيليين كانوا محتجزين لدى القيادة العامة .
وأعربت له عن إعجابي الشديد بإدارتهم لعملية التفاوض ، وانتصارهم بفرض الشروط الفلسطينية ، ونجاحهم في اتمام الصفقة بشكل باهر .
هذه العملية الرائعة التي اكتسبت بُعداً فلسطينياً وقومياً وعالمياً ، فشملت أسرى أجانب وعرب ، أسرى من فلسطينيي 48 والقدس ، بالإضافة إلى أسرى من الضفة الغربية وقطاع غزة ، ولم يُستَثنَ أحدٌ ، وخُيروا هؤلاء الأسرى في تحديد الجهة التي يرغبون التوجه لها بعد التحرر .
كما وشكلت هذه العملية أيضاً صفعة قوية للإحتلال حيث ضخامة العدد ، ونوعيتهم ، فالغالبية العظمى منهم شاركوا بشكل فعلي في عمليات أوقعت خسائر بشرية في صفوف الإسرائيليين ، وكانوا يقضون أحكاماً بالسجن مدى الحياة .
هذه العملية وبدون أدنى شك شكَّلت حدثاً نوعياً في مسيرة النضال الوطني الفلسطيني ، و سابقة ثورية في كافة نتائجها ، و يجب أن نتوقف أمامها ، ونكرم أبطالها وكل من ساهم في إنجاحها ، يجب أن ندرسها ونستفيد منها في إدارتنا للأزمة الراهنة المتمثلة بالجندي الإسرائيلي " شاليط " المحتجز لدى فصائل المقاومة الفلسطينية الرائعة في قطاع غزة .
وبمناسبة حلول الذكرى نتساءل هل أسرانا بحاجة إلى تكرار " عملية الجليل " أم إلى شاليط جديد أم الإثنين معاً ؟
منذ عملية الوهم المتبدد بتاريخ 25 حزيران من العام الماضي ، والتي أسر خلالها الجندي الإسرائيلي " جلعاد شاليط " ، انتعشت لدينا الآمال ، وسجلنا جُل إحترامنا وتقديرنا لمنفذي العملية البطولية الرائعة ، ومن ثم إعجابنا وفخرنا بآسري الجندي الذين تمكنوا من الإحتفاظ به طوال الشهور الماضية بسرية بالغة .
لكننا كفلسطينيين أخطأنا في إدارة هذه الأزمة ، فاختلفت المواقف وتضاربت المصالح وتناقضت التصريحات ، مما أدى إلى إضعاف موقفنا في مواجهة التعنت الإسرائيلي ، وفي التأثير على الرأي العام الدولي على الصعيدين الشعبي والرسمي ، وبالتالي فشلنا في كسب تعاطفهم وتأييدهم لمطالبنا ومطالب آسري الجندي بأحقية أسرانا بالحرية ، ولا زلنا على حالنا حتى يومنا هذا .
وبهذا الصدد نحن بحاجة اليوم إلى خطة وطنية إستراتيجية ، لجعل قضية الأسرى ، قضية كل بيت وعائلة فلسطينية ، والعمل على تبنيها من قبل الأمتين العربية والإسلامية ، ومن ثم طرحها كقضية فلسطينية عربية إسلامية أمام كافة المحافل الحقوقية والإنسانية والبرلمانية الدولية ، والتأثير على الرأي العام الدولي الذي لا زال منحازاً لحكومة الإحتلال .
وصفقة التبادل التي يدور الحديث عنها ما بين فصائل المقاومة الفلسطينية وحكومة الإحتلال لن تتم في وقت قريب ومن المؤكد أنها لن تتم في عهد أولمرت ولا في ظل الحكومة الإسرائيلية الحالية الضعيفة ، وإن تمت مستقبلاً فإنها لن تنهي معاناة كل الأسرى ولا حتى الأسرى القدامى جميعاً ، لهذا نحن بحاجة إلى شاليط جديد ، وأكثر من شاليط لإنهاء معاناة آلاف الأسرى الذين تجاهلتهم الإتفاقيات السياسية سابقاً ، ولن تحررهم العملية التفاوضية لاحقاً ، وفي مقدمتهم أسرى القدس و48 والعرب ، وممن تدعي اسرائيل أن " أياديهم ملطخة بالدماء " وأمضوا عقوداً في الأسر أو يقضون أحكاماً بالسجن مدى الحياة .
هؤلاء الذين جلبت لنا أياديهم العزة والكرامة والشرف ، نفخر بهم ونتغنى بأسمائهم ، لكن علينا أن نخجل من أنفسنا حين ندعي أننا أحرار وهم أسرى خلف القضبان منذ ثلاثين عاماً واستمرار بقائهم في الأسر عارٌ علينا جميعاً ...
هؤلاء الأسرى لم ولن تحررهم المفاوضات ولا الوعود الزائفة ... فهم بحاجة الى تكاثف الجهود لتحريرهم من غياهب السجون ، ليروا وجوه أطفالهم وأمهاتهم بلا قضبان ، ولتلامس الشمس أجسادهم بلا حواجز وأسلاك شائكة ، فهم بحاجة إلى شاليط ثاني وثالث ورابع ، و لا زالوا يحلمون بتكرار عملية " الجليل " .