رسالة مهربة من عزل آيالون ... زنازين العزل الإنفرادي ومقابر الأحياء
من الأسير حسن سلامة الى أحبائه ...
تحية وألف سلام ،،
الأحبة الكرام ،،
يا من تسكنون ذلك العالم الكبير الذي نسمع عنه دون ان نراه ،،
مكاني ،، عالم صغير نحيا فيه مرارة الاعتقال والعزل ،، في هذا المكان الضيق ، كم يحلو لنا ان نتذكر ذلك الزمان الذي مضى بصورته الاخيرة المحفورة في عقولنا وقلوبنا ..
كم أتمنى أن يعود ذلك الزمن الجميل يوم كنا صغارا كلنا براءة لا نعرف الكره ،، كان احترامنا للكبير شيء مقدس وكأنه آية من القرآن، أتذكر عندما كنا نعود من المدارس وتبدأ حملة تفتيش الحقائب على الدفاتر والكتب المرتبة وكنت دائما أكون الأكثر ترتيبا ،، كم اتمنى ان اعود الى بيتي وشارعي ومدينتي ،، كل شيء نشتاق اليه أنا لست معزولا فقط بل محروم من أن أعيش مع أي صديق من منطقتي أتحدث معه عن غزة أو خانيونس،،أو ذكريات الطفولة ،، شكلي قد كبر ولحيتي شابت لكنني أعيش وكأنني طفل،، أحن وأشتاق لكل شيء ،،
ايها الاحبه
هم يريدون عزل ذاكرتي ،، إخراجي من عالم البشر ووضعي في عالم الأموات لكي بعد سنوات طوال يصلون بأحدنا إلى ذاكرة جديدة ليس لها علاقة بالبشر ،، رسالتي هذه هي وسيلتي الوحيدة للمحافظة على نفسي،،لحظات سعادتي في هذا العزل هي عندما أكتب رسالة أو تصلني من الخارج رسالة،،أجلس كطفل صغير على فراشي وأحشر نفسي في الزاوية وأقرأ رسالة جاءت من عالم الأحياء عالم البشر ،، كيف وصلت ؟؟ بأي طريقة ،، لا يهم ،، المهم وصلت ،، بمجرد استلامي لها أشعر أنني ما زلت أنتمي لكم أشعر بأنني ما زلت حيا أقرأ كل كلمة وكل حرف وكأنني أتناول اكسير حياة يعيدني للحياة وينتشلني من بين الأموات ،،هكذا هي رسائلكم وسماع صوتكم ،، ،،أبحث عن وسائل مساعدة حتى أبقى حيا أتنفس والله ثم والله إنكم الأكسجين الذي أتنفس من خلاله إن وصلني تنفست وانتعشت وإن انقطع عني عدت جثة بين جثث تتحرك كما في أفلام الأموات التي تتحرك بعوامل معينة لكن لا روح ولا نفس فقط جسد يسير ويمشي،،،
تسع سنوات متواصلة تنقلت فيها بين قبر وقبر أمكث في القبر 23 ساعة وأخرج ساعة لقبر أوسع قليلا ،، لكن ما زلت بفضل الله قوي وأملك إرادة صلبة وكل ما أنا فيه من أجل تحطيم هذه الإرادة باستخدام أحدث ما توصل إليه علم النفس ،، أمامي وبجانبي أصدقاء كانوا ما أجملهم فجنوا وأصبحت حالتهم يرثى لها ،، وصدقوا ما أنا فيه من قوة وثبات هو بفضل الله ،،
أبدا ليس لي فيه أي فضل هو وحده من يقف معي ،،حتى أنتم من أحبهم شغلتكم همومكم ومشاكلكم على أن تتواصلوا معي ولو لحظات هي عندكم دقائق معدودة كل أسبوع لكنها عندي الحياة بأكملها الدنيا ،، التحدي الأكسجين،،أحدكم عندما يمل يذهب لأي مكان أو يزور صديق طفولة يتحدث معه فما بالكم بمن مفروض عليه أن يتحدث مع نفسه ويعيش معها ذكريات يحن إليها ،، مسكت قلمي حتى أتحدث معكم ووجدت نفسي كالجائع أو العطشان لأن يتحدث بما يجول في نفسه ،، ومشكلتي أنني لا أبكي وأحبس دمعتي لكي تنزف دما في قلبي أصبحت أستمتع بنزف القلب وأشعر أن دموع القلب تعقم جروحي وفي نفس الوقت أتركها تزيد من ألمي ،،لأنني لا أريد أن أنسى الآلام لا أريد أن أنسى أوجاعي،،أريدها أن تؤلمني كل دقيقة هي بركان كل يوم أريده أن يغلي حتى لا أنسى من أنا ومن هؤلاء ،، حتى اشعر باني ما زلت من بني البشر وما زلت من الاحياء ..
لو كنت املك شراء دعمكم لي ولمن مثلي من الأسرى والمعزولين بكل ما أملك والله ما قصرت ،،
كلماتي هذه ،، كلمات نطق بها وجعي من هذا الزمن ،،،
الى اصحاب العالم الآخر ،،، ذلك الذي نسمع به ولا نعيشه ،،
اتمنى لكم من كل قلبي التوفيق وسأبقى أحبكم ولو نسيتموني فعزائي أن لي ربا اسمه الكريم لن ينساني ،، ان الله جميل جدا وأنا أعيش وفق هذا الجمال في كل شيء في حياتي حتى في عزلي ورغم همومي ومصاعب الحياة ومصائبها ،،
ودمتم بخير ،،،
اخوكم
حسن سلامه ( 48 مؤبد )
عزل أيالون / الرملة
*نشرت اليوم الأحد 28-3 في العدد الـ13 من ملحق الأسير الذي يوزع مع صحيفة الشعب الجزائرية