صفحات مؤلمة في حياة معتقله فلسطينية..
اسماء ابو الهيجاء تتحدث عن رحلة الاعتقال القاسية

 

كتب علي سمودي القدس- 16 تشرين ثاني 2003

 

"لم يغمض لي جفن وانا انتظر اشراقة الشمس لأعود إلى بيتي واسرتي، واعانق اطفالي الذين انتزعت من بينهم في صبيحة العيد، فحرموني منهم طوال فترة الاعتقال.. ورغم ان السيارة كانت تسير بسرعة كبيرة فانني شعرت وكأنها واقفة في مكانها.. لقد شعرت بأني اعبر الطريق الاطول في حياتي، فتمنيت ان تحلق بي السيارة في سماء الوطن صوب مخيم جنين حيث الاهل والاحبة والذكريات رغم انها مليئة بالمرارة في غياب زوجي وبكري في غياهب السجون"، بهذه الكلمات لخصت الاسيرة اسماء ابو الهيجاء مشاعرها في اللحظات الاولى بعد الافراج عنها من سجن الرملة، الذي امضت فيه لحظات مريرة وسط المرض والاعتقال الاداري تحمل معاناة وآلام اطفالها الخمسة الذين عاشوا في ظروف بائسة بعد اعتقال والدتهم الذي تلا اعتقال والدهم الشيخ جمال ابو الهيجاء القيادي البارز في حركة حماس وبكرها عبد السلام.

ورغم الاستقبال الحافل الذي اقيم لأسماء في المخيم، فانها لم ولن تشعر بالفرحة، كما تقول، "ما دام هناك اسير او اسيرة يقبعون خلف القضبان تنال منهم ظروف الاعتقال القاسية واجراءات الاحتلال التي تستهدف التنغيص عليهم وحرمانهم من ابسط حقوقهم".

عندما يغيب الفرح..

ورغم ان العادة جرت على ان يستقبل الناس مناسباتهم السعيدة بالفرح ولكن للفرح معنى آخر ووقع مختلف في حياة عائلة الشيخ جمال ابو الهيجاء التي فرضت عليها قوات الاحتلال ظروفا معيشية قاسية، فشتت شملها مرة باحراق منزلها، واخرى باعتقال الأب ثم الأم رغم مرضها، وكذلك الابن الاكبر. واسماء لم تنسى لحظات اعتقالها, "فعندما كنت اجهز اطفالي لاستقبال العيد، داهمت قوات الاحتلال منزلنا وقامت بتفتيشه، ثم اعتقلني الجنود.. اتذكر ان الجنود قالوا لي انهم يريدون التحقيق معي لعدة ساعات وبعدها سيفرجون عني، فطلبت من اطفالي عدم البكاء وانتظار عودتي, ولكن عندما وصلت لمركز الادارة المدنية في سالم فوجئت بهم يقيدونني رغم ان الاطباء الاسرائيليين ابلغوا السجان ان وضعي الصحي سيء وان حالتي المرضية لا تحتمل ظروف السجن فنقلوني الى سجن الرملة".

"عندما وصلت للمعتقل وادركت انني لن اعود لاطفالي"، تقول السيدة ابو الهيجاء، "بكيت بمرارة وحزن وشعرت بالاسى والحسرة والحزن على اطفالي وتعبت كثيرا ومئات الافكار والصور المؤلمة تطاردني عن مصير اطفالي الذين حرموا فرحة العيد بعيداً عن والدتهم ووالدهم. وهذه الحالة رافقتني طوال رحلة الاعتقال خاصة عندما سلموني قرار التحويل للاداري وابلغني المحامي ان اعتقالي يستهدف الضغط على زوجي الذي يتعرض للتعذيب والعزل في اقبية التحقيق وان هناك مساومة تجري لابعاده خارج الوطن وهو ما اثقل علي وزاد من مأساتي".

رحلة العذاب..

امضت اسماء الشهور الاربعة الاولى من الاعتقال في ظروف مأساوية، خاصة مع انقطاع أخبار أُسرتها وحرمان زيارتها. وتقول: "لم اخضع لتحقيق او استجواب، ولكن الاصعب والامر انه لا توجد أي صلة بالعالم الخارجي, وطوال رحلة الاعتقال الظالمة لم تفارقني صور اطفالي، فانهض في كل صباح في حالة يصعب وصفها، ابكي بحسرة ومرارة وانا ارسم صورة مختلفة لاطفالي. فمن يرعاهم ويعتني بهم؟ وهل يذهبون للمدرسة؟ وكل لحظة تمر كانت بالف سنة, عذاب لم احتمله قض مضجعي وحرمني الطعام والنوم.. حياتي تحولت لحزن وبكاء ودموع رغم ايماني بالله وثقتي الكبيرة به ولكن انا ام وحياة ومستقبل اطفالي كانت هاجسي وحياتي".

لحظات قاسية..

وتروي اسماء ان اصعب لحظات الاعتقال التي لن تنساها ابدا عندما بدات امتحانات الثانوية العامه وهي بعيدة عن ابنتها بنان، وتقول: "عشت طوال عمري انا ووالدها ننتظر هذه اللحظة لتحقق بنان احلامنا وتتفوق، وعندما بدأت الامتحانات شعرت باختناق ولوعة وحسرة جعلتني طريحة الفراش فاي قانون او شريعة يجيز ان تحرم ابنتي حنان ورعاية والديها؟ كنت اتوق لعناقها ورعايتها وتوفير افضل الظروف لها لتنجح فلم يكن امامي سوى الصبر والدعاء فاستجاب الله لي والوالدها وحباها بالنجاح الذي خفف عني كثيرا وزاد من ايماني بان شعبنا اقوى من الاحتلال فابنتي رغم حزنها ونكبتها الكبيرة لم تخيب املنا".

الفرح والتحدي..

واسماء التي غابت عن عينيها كل معاني الفرح فوجئت برفيقاتها بالقيد يحطنها بكل مشاعر الاخوة والمحبة، وتقول: "نجاح بنان كان بمثابة انتصار وعنوان لفرح جميع الاسيرات التي اقمن حفلا لتكريمي وتكريمها ولحظتها شعرت ان هذه القيود ان كبلت حريتنا لن تحرمنا الفرح والانتصار والتحدي".

وتتذكر اسماء ان انقطاع اخبار زوجها المعتقل الشيخ جمال الذي جرى اعتقاله بعد ملاحقة طويلة من سلطات الاحتلال التي نسبت له تهم كثيرة ابرزها انه احد اهم قياديي حماس وانقطاع اخبار ابنها عبد السلام الذي اعتقل في معركة مخيم جنين ومنعهم من الاتصال بها وزيارتها كان له اثر ووقع قاسي عليها واعتبرته العقاب الاشد وتقول تعبت كثيرا لغياب اية اخبار عنهم وشعرت بمدى ظلم وتعسف الاحتلال الذي يعاقبني بكل امور حياتي فحتى زوجي احرم من مشاهدته ومعرفة اخباره.

الاكمول والماء العلاج الوحيد..

ورغم واقعها الاعتقالي المأساوي وتردي حالتها الصحية فان سلطات الاحتلال رفضت الافراج عن اسماء عندما انتهى حكمها الاداري وجددته مرة ثانية دون تحقيق او تهمة. وقد كان وقع القرار قاسيا عليها فتردت حالتها الصحية ومع ذلك تقول: "رفضوا علاجي رغم علمهم ان مريض السرطان بحاجة لادوية وعلاج خاصة وطوال اعتقالي كان الدواء الوحيد الذي يصفه لي اطباء مصلحه السجون الماء والاكمول وهو الوصفه السحرية التي تقدم لجميع الحالات المرضيه مهما كانت خطورتها".

واشارت اسماء لاهمال ادارة السجون لجميع الحالات المرضية وقالت: "لا تتوفر ادنى رعاية للاسيرات والسياسة المتبعه الاهمال والاكمول مهما كان الوضع خطيرا فالمعتقله احلام التميمي من رام الله تعاني من حصوة بالمرارة وترفض الادارة اجراء عملية جراحية لها والمعتقله امل محمود من داخل الخط الاخضر وشفاء القدسي من القدس تعانيان من الديسك ولا تحصلان على أي علاج وكذلك المعتقله قاهرة السعدي من مخيم جنين تعاني من مشاكل في عينيها ولم تتلقى أي رعايه".

ظروف المعتقلات القاسية..

واشارت اسماء لمعاناة الاسيرات بسبب سياسه العزل والعقاب والحرمان من الزيارة التي طالت حتى المعتقلين، وقالت: "ان اكثر ما ينغص على الاسيرات حياتهن منع زيارة ذويهن لهن. ورغم احتجاجاننا وتوجهنا للادارة فانها تستخدم هذه الوسيله لعقابنا والتي طالت المحامين. فمؤخرا بدات تضيق الخناق عليهم وتفرض عليهم شروط غير قانونية فقد فرضت على المحامي ان يتقدم بطلب للزيارة قبل 24 ساعة شريطة ان يتضمن اسباب الزيارة. واذا حظي المحامي بالزيارة فانها قد تؤخره وتحتجزه لعدة ساعات مما يحرم الأسيرات حتى من محاميهن, اما العزل فهو الاسلوب الاكثر قساوة حيث تحتجز المعتقله في ظروف صعبه وتعزل عن الاسيرات وتتعرض للعقاب والاجراءات التعسفية التي طالت المعتقلات احلام التميمي التي عزلت شهرين بعد محاكمتها".

اعتقال دون تهمة..

وذكرت اسماء ان ادارة السجون تحتجز بعض المعتقلات دون تهمة او محاكمة كحالة المعتقله ام علي زوجة ابراهيم مرعي الذي تقول اسرائيل انه مطلوب لها وينتمي لحركة حماس, فهذه المعتقلة، تقول اسماء، موقوفة منذ تسعة أشهر وهي أم لطفلين، وقد اعتقلت بعد هدم منزلها. ولم توجه لها حتى اليوم أي تهمة، ورغم ذلك لا يوجد اهتمام بوضعها من المحامين او المؤسسات الانسانية وتمنع عنها الزيارة.

وذكرت ان المعتقلات في سجن الرملة يتعرضن بشكل دائم لاجراءات تعسفية من الادارة، فمن سياسة التفتيش المهين لدى نقلهن إلى المحاكم، والاهانات التي لا تتوقف، الى عمليات مداهمة الاقسام والتي ترافقها اجراءات تعسفية وتنكيل بالاسيرات، الى الطعام السيء كما ونوعا، ومنع ذوي الاسيرات من ادخال مستلزماتهن في حين هناك نقص في الكثير من المستلزمات والاحتياجات الضرورية الخاصة بالاسيرات، ورغم ذلك تشير إلى تمتع الأسيرات بالارادة والقوة والتحدي والاصرار على الصمود وافشال مخططات الاحتلال في تدمير االأسير وتفريغه من انتمائه الوطني والانساني واخلاصه لقضيته وشعبه.

سلبوني فرحة الافراج..

وتتذكر اسماء ان اليوم الاخير في اعتقالها كان اصعب لحظات الاعتقال والتي تعمدت فيها ادارة السجن التلاعب في اعصابها وحرمانها من فرحة الحرية فتقول: "كان الجمعة (14 تشرين الثاني) يوم انتهاء اعتقالي الاداري, وفوجئت بأحد السجانين يأتي ليبلغني ان القاضي رفض الافراج عني وقرر تمديد اعتقالي دون توضيح الفترة، فشعرت بالحزن والمرارة ومع ذلك تمالكت اعصابي وتغلبت على حالتي بالصلاة والدعاء حتى المساء عندما حضر نفس السجان وابلغني بالافراج ولكن لم اصدق لاننا اعتدنا على اساليبهم حتى وجدت نفسي خارج السجن، ولكنهم وبعدما سلبوني فرحة الافراج اصروا على تحويل تلك اللحظات لعقاب فلم ينقلوني لمنطقة جنين ووضعوني على حاجز اسرائيلي في منطقة مقطوعة لثلاث ساعات كانت اصعب من الاعتقال حتى التقيت بشاب فلسطيني نقلني في حلكة لليل إلى رام الله بانتظار الصباح لاعود الى جنين.

الفرح باطلاق كل المعتقلين..

ورغم ان اطفالها سمعوا صوتها عبر الهاتف يبشرهم بتحررها فانهم عاشوا لحظات صعبة في انتظار وصول والدتهم, ولم تكن اسماء الوحيدة التي هجر النوم عينيها فبنان والصغيرة ساجدة وحمزة وباقي الاسرة امضوا ساعات الانتظار وسط البكاء والخوف. وعندما اطلت اسماء القى الاطفال انفسهم بين ذراعيها ساجدة تتمسح بها وبنان تسجد وتصلي وتدعو الله، وحمزة يوزع الحلوى.. وقالت بنان وهي تذرف الدموع: "لم اصدق الخبر حتى التقيت امي واملي بالله ان يفرج كربهما وجميع المعتقلين". وهي الامنية الوحيدة التي تترد على لسان اسماء التي ستهجرها الفرحة للابد كما تقول وخيرة ابناء شعبنا يتعذبون ويقاسون في غياهب السجون.