"أحلام" فلسطينية على صهوة المقاومة

عمرها (23) ربيعاً ، لكنها فتاة فوق العادة ، وجه نسائي ُمن لون آخر ، دلقت قارورة عطرها الأنثوي فوق رمال الصحراء العربية التي يقتلها الظمأ للرجولة ؛ تركتْ نخوتنا تتعانق مع متع الدنيا و حطامها و امتطت صهوة المقاومة في الأفق المقدسي الذي بارك الله في مسجده و في ما حوله .

لم تحلم كبقية الصبايا بفارس الأحلام الذي سيمتطي الفرس البيضاء سابحاً في فضاء الخيال ليختطفها لجزيرة الأحلام . و بدلاً من أصبع أحمر الشفاه حملت أصبع الديناميت ؛ لأن وجه حيفا المغتصب يحتاج لمجاهدة و ليس لعروس تتقلّب على فراش السرير .

إنها أحلام عارف التميمي !!

في مدينة الزرقاء الأردنية ولدتْ لكنّ الريح الغربية كانت تحمل لها رسائل من هناك مشحونة بأنفاس القدس و روابيها المباركة و المختلطة بضوع أزاهير دفلى النهر . و ظلت الريح تحدثها بقصة الحنين و خضرة غابات الزيتون حتى عادت لأحضان الوطن المبارك .

عادت و لكن ليس لتأكل برتقال الساحل أو زيتون الجبال أو لتعيش كما تعيش النساء في بيوت الرجال . عادت لشيء آخر يعرفه الرجال القلائل و قليل من قلائل النساء .

رآها القسامي "وائل دغلس" و أحسّ "برجولة" غامضة تختبىء بين خلاياها الأنثوية فاستشار قادته في الكتائب حول تجنيدها فكانت أول قسامية في كتائب عز الدين القسام .

تفجّرت "رجولتها" الكامنة في غلاف أنثوي فريد ؛ فجابت شوارع القدس بسيارتها الخاصة لتبحث عن أهداف مناسبة للاستشهاديين من كتائب عز الدين القسام ، بل و زرعت عبوات ناسفة في أسواق الصهاينة بالقدس لتنفجر في وجوههم الكريهة .

في 9/8/2001م تألّقت "أحلام" أكثر ، و تسربلت بشجاعة فريدة لا يعرفها الكثير من الرجال ، إذ جاءها القائد القسامي المهندس "عبدالله البرغوثي" فكّ الله أسره و طلب منها أن تحمل الاستشهادي "عز الدين سهيل المصري" إلى قلب القدس ليفجّر نفسه هناك بين قطعان بني النضير . لم تتردد لحظة واحدة لأن حجم الثأر و القهر المتّقدين في قلبها الصغير أعظم بكثير من خوفها الفطري . وكان لها شرف الوصل بين "العـزّين" في مسيرة المقاومة المباركة .. بين عز الدين القسام و عز الدين المصري ؛ إذ حملت الأخير في سيارتها عابرة الحواجز الأمنية حول القدس و مقتحمة طوابير العساكر و رجال الأمن الصهاينة ؛ و هناك عند مفترق الملك جورج في شارع يافا أنزلته مع "جيتارته" المحشوة بالبارود و طلبت منه أن يفجّر الجيتارة الملغمة على هذا المفترق الذي يعجّ بقطعان من علوج الصهاينة ، لكنها وفق تعليمات الكتائب كانت مرنة معه فتركت له الخيار في تحديد الهدف في ذات المنطقة .

 

كان الشهيد "عز الدين المصري" موفّقاً فاختار مطعم "سبارو للبيتزا" على نفس المفترق .. لم يكن في عجلة من أمره ، بل كان هادىء الأعصاب مما مكّنه من أن يتغلغل داخل المطعم .. و هناك في جنباته فجّر جيتارته ليصعد شهيداً بمشيئة الله تعالى و ليحترق العلوج قتلة أطفالنا و شيوخنا و لتتناثر أشلاؤهم على صدر الأرض المغلوبة لتتنفس أنفاس الثأر المقدس .

عادت "أحلام" إلى منزلها في رام الله بعد أن صنعت ملحمة قسامية فريدة .. و ما أعظم الملاحم حينما تصنعها النساء في موسم بيات الرجولة . و عادت و معها المجد الذي غاب طويلاً عن الأفق العربي المستكين .

في مقتبل عام 2002م رصدها الصهاينة فاعتقِلت و تنقّلت بين سجني الرملة و المسكوبية بالقدس و في الأخير عزلت في زنزانة منفردة و أضربت عن الطعام جراء ذلك . و هي ما زالت ترسف بالسلاسل سبيّة لا فرسان لنجدتها بينما نتقلّب نحن على فرش السرائر .

 

في أكتوبر حكم الصهاينة عليها حكماً بالسجن " 16 " مؤبداً أي "1584" عاماً ، لكنها لم تنكسر و لم تخضع . و فور أن نطق القاضي العسكري بالحكم وقفت ناطقة بكلمات أغاظت قضاة المحكمة ، إذ لم يقهر صدأ القيود جسدها المتمرّد أصلاً على أنوثته .. و قالت بحسب "الإسلام أون لاين" : (أنا لا أريد أن أعرّفكم على نفسي باسمي أو عمري أو حلمي ، أنا أعرّفكم على نفسي بأفعالي التي تعرفونها جيداً في هذه المحكمة .. و أنا أرى في عيون كلّ الجالسين بالمحكمة الغضب و أنا مبسوطة ، ليش ؟ - مضيفة بلهجة عامية - .. "الغضب اللي في وجوهكم و عيونكم هو نفس الغضب اللي في قلبي و في قلب كلّ الشعب الفلسطيني و هو أكبر من غضبكم .. "16" قتيلاً و 122 جريحاً هذا رقم قليل مقابل الأعداد اللي قتلوا بسببكم ..

و إذا أنتم بتقولوا ما عندي قلب و إحساس فمن إذن عنده قلب ، أنتم ؟ ، إذاً ابتحكوا ما عندي قلب و لا إحساس ، وين كان قلبكم عندما قتل الأطفال و النساء في جنين و رفح و رام الله ، وين القلب وين الإحساس .. ؟ و إذا عقابي جهنم مثل ما تقول أيها المدعي .. لن نلتقي هناك ، أنا سأنظر إليكم و أنتم في جهنم بأفعالي التي عشتموها و لمستموها في حياتكم ، أفعالي التي حرّقت قلوبكم ، و ذهبت بكم إلى الجحيم .. إن "16" قتيلاً هو عدد قليل مقارنة بالعدد الكبير ممن قتلتموهم .. و سأشاهدكم و أنتم في جهنم ، إن شاء الله إن الابتسامة المرسومة على وجههي لن تزول" .

 

هذه حكاية "أحلام" القسّامية ، و ليت الأرحام في عواصمنا التي تغفو في خدر العصر الأمريكي أن تلد لنا "أحلاماً" عربية أخرى مثل "أحلام" الفلسطينية في زمنٍ عزّ فيه الرجال الرجال