سيرة أسيرة محررة من سجون العدو الصهيوني

إنعام حجازي: تعرضت لمحاولتي اغتصاب


غزة - طاهر النونو " الخليج " :

 

"كانوا مرات عدة يضربون رأسي في الطاولة ومرات اخرى في الحائط، واحيانا بالكرسي الحديدي، وفي احدى المرات احضر المحقق شخصا كي يغتصبني فأخذت اضربه بهاتف كان على الطاولة بكل قوتي حتى سال دمه”. هذا بعضا مما روته الاسيرة المحررة انعام ابراهيم حجازي وهي تتحدث ل " الخليج " عن تجربتها الاعتقالية التي تعرضت خلالها لتعذيب قاس ومحاولتي اغتصاب ولا تزال تعاني من مشكلات صحية في يديها جراء اسلوب الشبح الذي استخدم في تعذيبها على يد محققي الاحتلال الصهيوني في العام 1970.

 

بدأت انعام سرد تفاصيل ما حدث، قائلة : " كنت احدى نشيطات الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين ولم اتجاوز السابعة عشرة من عمري بعد وعلمت ان بعض الفتيات ذكرن اسمي اثناء التحقيق معهن في سجون العدو الصهيوني، وعرفت حينها انني قد اعتقل في أي لحظة فأوقفت كل نشاط تنظيمي لي خاصة بعدما شعرت انني مراقبة. وفعلا بعد ايام عدة طوق العشرات من جنود الاحتلال منزلنا بالدبابات واقتحموا البيت الساعة الثانية بعد منتصف الليل وقاموا بتفتيشه بشكل دقيق ثم قيدوا يدي وعصبوا عيني بشريط واخذوني الى سجن غزة المركزي( السرايا)، وفكوا الشريط عن عيني وادخلت الى احدى الغرف ومعي مجندة أخذت كل ما معي من حاجيات، وألبستني ما يشبه ملابس العمليات ( افرهول ) من قماش خفيف، ووضعوني في زنزانة لا يزيد طولها على مترين فيها فرشة على الارض وبطانية ودلو لقضاء الحاجة وصحن بلاستيك صغير. ولم اكد اجلس حتى جاء الجنود واعادوا ربط يدي وعصبوا عيني من جديد وساروا بي خارجا فكنت اتخبط اثناء السير وامد يدي لكي احس الطريق، خاصة اننا كنا على الدرج والمكان صغير وضيق حتى وصلت الى غرفة ضيقة بها محقق ومجندتان.

 

وواصلت قائلة: بدأ المحقق حديثه بهدوء وطلب لي قهوة وعرض علي سجائر، ولكنني لا ادخن. وقال لي “بامكانك ان تعودي الى بيتك غدا اذا أجبت عن الاسئلة التي اريدها”. ولما لم يجد عندي أي جواب بدأ بالشتم بألفاظ بذيئة نابية تخدش الحياء لم اعتد على سماعها من قبل خاصة اننا مجتمع شرقي ثم شدتني المجندتان عن الكرسي ووقفت وقام بلطمي وتغير الاسلوب الهادئ الى ضرب ولكن لم يكن مبرحا وطلب من المجندتين ان يذهبا بي الى الممر ورأيت كيف يتعرض الشباب في السجن للضرب والتعذيب القاسي وشاهدت شابا علمت بعد ذلك ان اسمه “خضر ضاهر” يتعرض لاصناف بشعة من التعذيب اذ كانوا يضربونه في كل مكان تقريبا ثم طرحوه ارضا ووضعوا عليه مكتبا حديديا ثم قاموا برشه بالماء البارد المثلج ونحن في الشتاء في شهر ديسمبر/ كانون اول وعندما رأوا انني تضايقت قالوا لي اذا لم تتجاوبي معنا فعلنا بك كما نفعل به، ولكنني قلت جملة واحدة لم اردد غيرها “لا يوجد عندي شيء اقوله لك”.

 

واضافت “أحضر لي المحقق بعض البنات كن معنا ولكن قلت لم ارهن من قبل. وعندما لم يجد فائدة، ارسلني الى غرفة ثانية، وبدأ التحقيق من جديد وكانت معنا مجندة ومجند، واول ما دخلت قال لي ارفعي رجلك وظللت اكثر من ساعة رافعة رجلي، وقال لي اذا لم تتجاوبي معنا طول الليل ستظلي واقفة بهذا الشكل”، ولكن اذا تكلمت سأعيدك الى بيتك، وقلت له لماذا تريد ان اعترف بشيء لم افعله؟! وظللت واقفة على رجل واحدة حوالي عشر ساعات ثم جاءت احدى المجندات واعطتني كرسيا ظللت احمله بيد واحدة ايضا حوالي عشر ساعات وتكرر ذلك مرات عدة في ايام التحقيق. وفي بعض الاحيان كنت ارفع قدمي واحمل الكرسي وحتى يومنا هذا منذ اكثر من ثلاثين عاما لا تزال هناك مشاكل في يدي وقدمي ولا استطيع حمل شيء الآن في يدي جراء التعذيب. واحيانا يقومون بشبحي وتكون يداي مبروطتين الى الوراء بشدة.

قالت انعام: بعد ان انتهت جولات التحقيق الاولى ووصلت الى الزنزانة جاء محقق يطلق على نفسه اسم “ابو موسى” طويل القامة كان شديد العنف معي، وأخذني الى غرفة وهددني ان يحضر شخصا لاغتصابي. ولم اصدق في بادئ الامر الى ان احضر احد الجنود ضخم الجثة واخذ يشدني وحاول تمزيق ملابسي فضربته بهاتف كان على المكتب بكل قوتي مرات عدة على رأسه حتى سال دمه، فتدخل “ابو موسى” واخذ يضربني بشدة وبعنف غير مسبوق ومكثت 14 ساعة احمل الكرسي بيد وارفع رجلي. وظل هذا النوع من التحقيق عشرة ايام. وطوال تلك الفترة كنت في زنزانة تحت الارض مع احدى المعتقلات كان اعتقالها معي في اليوم نفسه وكنا نتكلم بالاشارة، خاصة ان خالي كان معتقلا سابقا وافهمني لغة الاشارة داخل السجن وعلمني كل اساليب التحقيق.

 

وبعد اسبوعين نقلت من الزنزانة التي كانت تحت الارض الى الزنازين التي في الطابق العلوي وكان هناك بنات في الزنازين المجاورة وكانت الغرفة ايضا صغيرة وفيها دلو بدون غطاء لقضاء الحاجة وفرشتان وكان الاكل يصلنا في نفس الصحن الذي نشرب فيه الماء، وصرنا اربعاً في الزنزانة وكنت حذرة جدا لما نسمعه عن الذين نطلق عليهم لقب “العصافير” (العملاء) وكنت ظننت اننا انهينا التحقيق، ولكن كان اعتقادي خاطئا اذ جاءني في تلك الفترة محقق جديد يسمي نفسه “مصلح” كان الاسوأ في كل المحققين اذ من اول جلسة تحقيق بدأ يتكلم الفاظ شديدة البذاءة يندى لها الجبين يخجل منها الشباب فما بالك بفتاة مثلي لم تتجاوز السابعة عشرة من عمرها. وقد تمادى كثيرا بعد ذلك في تحقيقه واثناء تلك الفترة سمح لي بزيارة محام ثم زيارة طبيب، شككت جدا انه طبيب اذ كان يحقق معي، فانزعجت جدا وشعرت بغضب شديد حتى انني قلت له “سواء كنت طبيباً او محققاً فإن أي فتاة فلسطينية، او أي رجل فلسطيني سيظل يدافع عن بلده حتى تتحرر”.

 

 وحينها اعادوا التحقيق معي وظل مصلح يضربني بشدة لما قلته للطبيب ويومها اخذ يشد ملابسي وقال لن احضر لك احد يغتصبك ولكن انا من سيغتصبك، وحاول تمزيق ملابسي بشكل جدي وكان شديد العنف، فأخذت اصرخ بشدة ثم فقدت الوعي فجاءت المجندات وحملنني وأدخلنني غرفة حضر طبيب ليعالجني وظن انني امثل فوخزني بإبرة في قدمي وحينها اكتشف انني في حالة انهيار عصبي فأعطوني مهدئات ونقلوني الى الغرفة عند البنات وظللت غير قادرة على النهوض من الفرشة اكثر من 24 ساعة.

 

وعندما بدأت استيقظ سألنني المعتقلات ماذا جرى لك ملابسك كانت ممزقة فقلت لهن المجنون كان يريد اغتصابي. وبعدها قلت للمحامي ما حدث، واستطاع ان يستصدر امرا ألا يحقق معي أي محقق من دون وجود مجندات في الغرفة واستصدر قراراً بتغيير المحقق فجاءني محقق اسمه “شيمش” قام بضربي بشدة واغتاظ فحمل كرسيا حديدياً وضربني به على يدي فانكسرت واخذوني الى طبيب قال ان يدي بحاجة الى الجبس لتجبيرها ولكن لم يفعلوا ذلك. وكان المحقق يضربني على يدي كي تؤلمني اكثر. وفشلت محاولات الاهل والمحامي في اقناعهم بتجبير يدي وحاولت اسيرة اسمها فاطمة تدليكها وقامت بربطها الى حد ما ومع ذلك واصل “شيمش” اساليبه فكان في مرات يضرب رأسي في الطاولة واخرى في الجدار واحيانا يضربني بالكرسي الحديدي.

 

نجحنا في تلك الفترة في ادخال اوراق وقلم فأخذت اكتب عن جميع اساليب التحقيق التي تتم معي وبالترتيب حتى اخرجها معي لتستفيد منها الفتيات اللواتي يعملن في النضال ليستطعن تأهيل انفسهن والاستعداد النفسي لها وتم تعميمها على كل المناضلين شبابا وبنات، كما كتبت فيها بعض ما حدث مع زميلات لي كن يعذبن بالكي بأعقاب السجائر او اطلاق الكلاب عليهن.

 

وأضافت المناضلة انعام: نقلنا بعد جولات التحقيق الى الغرف وكان في الغرفة طاولة خشبية كبيرة ودلوان ودورة مياه صغيرة وعدد من الفرشات، وكل معتقلتين تنامان على فرشة. كان عددنا 35 اسيرة في الغرفة الواحدة واحيانا يصل العدد الى 60 عندما يعتقلون بعض العاملات داخل الخط الاخضر واللواتي كن يبتن هناك بدون تصريح. والطعام عبارة عن بضعة حبات زيتون ومربى وربع رغيف “فينو” وهذا هو الفطور، اما الغداء فإما فاصوليا او حمص، والعشاء بيضة واحدة.

 

وبعد 13 شهرا من الاعتقال الاداري صدر قرارا بالافراج عن فتاة اعتقلت معي في اليوم نفسه ولكنها رفضت الخروج وحدها، وأصرت على ان يفرج عني معها وكان ذلك في شهر رمضان وكنت صائمة. وجاءني ضابط وقال لي انه سيفرج عني فلم اصدق ولم استطع الأكل لحظة الافطار ولم انم تلك الليلة وفي الصباح نادوا على الفتاة التي كان من المقرر ان يفرج عنها ولم ينادوا علي، وكانت تلك اسوأ لحظة عشتها في السجن الى ان نادوا عليّ بعد حوالي ساعة مرت كأنها عام.

 

وأشارت انعام الى انها عادت الى السجن بعد ثمانية اشهر فقط، لانها ضربت احد جنود الاحتلال الصهيوني. وقالت: بعد ثمانية اشهر بالضبط جاءت الى بيتنا قوة من جيش العدو لاعتقال اخي الذي كان قد تزوج قبل خمسة ايام فقط، وأراد احد الجنود اقتحام غرفة اخي وهو عريس في منتصف الليل، فحاولت منعه فأراد ضربي الا انني لطمته على وجهه واستطعت نزع سلاحه من يده والقيت به من الشباك. ولكن اربعة جنود سيطروا عليّ واعتقلوني بدلا من اخي وعدت الى السجن نفسه.

 

وابتسمت قائلة: لم يحققوا معي على ضربي للجندي ولكنهم حققوا معي على رغيف خبز كنت قد القيته عليهم في احد الاعياد الذي لا يأكلون فيه سوى القراقيش وكانوا يحرموننا الخبز. وكنت خبأت رغيف خبز كي آكله ولكن اثناء احتفالهم بالعيد كانوا يضحكون فيما نحن في الزنازين فأردت تعكير احتفالهم فطلبت الخروج الى دورة المياه وكان شباكها يطل على الدور الارضي حيث يحتفلون فألقيت الرغيف عليهم فسقط في الوسط تماما وشاء القدر ان يسقط على كعكة الاحتفال بالضبط وأصدر صوتا كالقنبلة، فانبطحوا جميعا على الارض وبعضهم فر من المكان وبعدها عاقبوا القسم كله وضربونا وشبحونا ومع ذلك لم يعرفوا من التي رمت الرغيف، ولكن مع تحقيقهم علموا انني انا بعد الافراج عني. ومع ذلك لم اعترف، وظل اعتقالي لمدة شهرين في الزنزانة نفسها.