نعيد توزيع المقال في الذكرى الرابعة لإستشهاده 7 يوليو / تموز 2009

 

هايل أنت يا هايل ...

 

* بقلم / عبد الناصر عوني فروانة

9 تموز 2005

هايل ... إسم عربي سوري حُفر منذ زمن في سجل تاريخ الحركة الوطنية الأسيرة ، ولا زال وسيبقى راسخاً بذاكرة الأسرى الفلسطينيين ، فكان الشاب المقاوم ، الأسير الصامد ، المحرر المخلص ، واليوم وبعد أن نال شرف الشهادة إنضم لقافلة أولئك العظماء ، فغدى تاجاً على رؤوسنا واحتل مساحة أكبر فينا وازددنا شموخاً به ... وسيبقى أبو زيد هايل في نظرنا نموذجاً لسلوكنا  ومنارة لنا وللشاب العربي الأصيل ...

ولد هايل حسين أبو زيد في العام 1968 في بلدة مجدل شمس الواقعة في مرتفعات الجولان السورية المحتلة، وأنهى فيها المرحلة الإبتدائية والإعدادية ، واضطرته الظروف الاقتصادية الأسرية إلى ترك المدرسة ومساعدة ذويه، في تأمين لقمة العيش، وانخرط في العمل المقاوم ضدّ قوات الإحتلال منذ صغره،  فكان فاعلاً في الأنشطة الوطنية والجماهيرية ، وتميز بحسه وانتمائه الوطني ، واندفاعه في رفض الإحتلال ومقاومته.

وعلى مدار سني الإحتلال لم تتوقف المقاومة السورية في الجولان المحتلة عن آداء دورها النضالي والسياسي في مقاومة الإحتلال الإسرائيلي ، وقدمت العديد من الشهداء والجرحى والأسرى ، وكانت بلدته مجدل شمس ، كما رفح وجنين ، في رفضها للإحتلال ومقاومته بكل عنفوان ، وفي العام 1983 كان هايل من المبادرين إلى تأسيس حركة المقاومة السرية السورية والتي ركزت أنشطتها في مقاومة الإحتلال ، كما وشارك في معظم عمليات المقاومة السرية ، حتى داهمت قوات جيش الإحتلال بيته في ليلة 18 آب من العام 1985 واعتقلته مع عدد من رفاقه ولم يكن حينها قد تجاوز الثامنة عشر من عمره ، واقتيد مكبلاً بالأغلال إلى زنازين التحقيق والموت البطيء في الجلمة والدامون ، وتعرض آنذاك لأبشع صنوف التعذيب والضغط النفسي والجسدي ، ثم أصدرت المحكمة العسكرية الإسرائيلية في اللد حكماً جائراً بحقه بالسجن الفعلي لمدة 27 عاماً ، ونفس الحكم صدر بحق رفاقه و أعضاء مجموعته وهم : بشر سليمان المقت ، صدقي سليمان المقت ، سيطان نمر الولي ، عاصم محمود الولي . 

لينتقل بعدها هايل للعيش في علب الموت الإسمنتية في سجون نفحة وبئر السبع وعسقلان وشطة والدامون والتلموند ، والتقى به وعاش معه المئات بل الآلاف من الأسرى الفلسطينيين الذين لا زالوا يتذكرونه بمواقفه البطولية وسلوكه النموذجي ، وتوجهاته الوحدوية ، ونضالاته في وجه السجان وصموده الرائع رغم المرض اللعين الذي أصابه داخل السجن .

وخلال وجوده في السجن توفى والده ورغم تدخل العديد من المحامين للسماح له بإلقاء نظرة الوداع على والده ، إلاّ أن محاولتهم باءت بالفشل أمام تعنت السلطات الإسرائيلية ، إلا أن ذلك لم يثن عزيمته ولم يؤثر على صموده ومعنوياته .

وخلال فترة اعتقاله تعرض شهيدنا إلى العديد من عمليات الضرب والتكيل والعزل الإنفرادي والتعذيب النفسي ، فعانى من العديد من الكسور والأمراض ،  كما وعانى من الإهمال الطبي المتعمد ، فتدهورت صحته ، وبعد ضغوطات عدة سمح في العام 1993 وللمرة الأولى لطبيب عربي لمعاينة وضعه الصحي وأفاد هذا الطبيب أن الأسير يعاني من عدة أمراض ويحتاج لرعاية صحية مستمرة ، إلا أن إدارة السجون تجاهلت الأمر وواصلت إستهتارها بحياة الأسير كما هو حال تعاملها مع كافة الأسرى المرضى .

ففقد الأسير هايل النظر بنسبة كبيرة كما فقد قدرته على الرؤية والتمييز ، وبات يعاني من أمراض عدة وأخذت صحته تتدهور تدريجياً ، ولم يعد قادراً حتى على المشي أوالحركة ، فتحرك زملاؤه الأسرى ، كما تحركت عدة منظمات حقوقية وإنسانية وناشدوا مراراً إدارة السجن بالإفراج عنه ، أو توفير العلاج الطبي له أو حتى السماح بإدخال أطباء مختصين لعلاجه لإنقاذ حياته ، إلا أن إدارة السجن وكعادتها لم تتجاوب مع كل هذ النداءات والمناشدات ...

وفقط بتاريخ 5-12-2004  تم نقله إلى مشفى العفولة وبعدها إلى مستشفى "رمبام" في حيفا، وبعد إجراء الفحوصات الطبية له ، تبين انه مصاب بمرض اللوكوميا (سرطان الدم )، وفي مرحلة متقدمة وحرجة، الأمر الذي يهدد حياته بالخطر.

وبعد اسبوعين وخلال تواجده في مستشفى رامبام بحيفا وبالضبط بتاريخ 20 ديسمبر2004 وبعد عشرين عاماً من الأسر أقرت لجنة طبية  تابعة لمصلحة السجون بالإفراج عنه نظراً لخطورة وضعه الصحى وإصابته بمرض سرطان الدم ،  وبعدما تأكدت بأن الأسير يعد أيامه وشهوره الأخيرة .

وبالفعل ومنذ قرار الإفراج عنه وهو يخضع للعلاج وبنفس المشفى وبقى أيام طوال بنفس الغرفة ، وبعدما عاد إلى بلدته أجري له استقبالاً جماهيرياً حاراً ، رائعاً وكبيراً ، اعتبره الشهيد هايل آنذاك بأنه تكريمٌ ليس لشخصه ، بل لنهج وفكرة مقاومة الإحتلال وتكريمٌ لرفاقه الذين لا زالوا في الأسر ، ومن ثم تردد على المشفى كثيراً ومكث أياماً وشهوراً فيه ، حتى استشهد وهو يتلقى العلاج في نفس المشفى بتاريخ 7 يوليو من العام 2005 ، ليضاف إلى قائمة ضحايا التعذيب والإهمال الطبي في السجون الإسرائيلية .

الأمر الذي يؤكد على بشاعة التعذيب في تلك السجون ، كما يؤكد على استمرارية سياسة الإهمال الطبي المتبعة من قبل إدارة مصلحة السجون ليفتح بذلك ملفات المئات من الأسرى المرضى المعرضين للموت في كل لحظة .. كما ويدعو ذلك إلى ضرورة الإهتمام بالأسرى المحررين عموماً حيث أن آثار التعذيب والسجن تلازم الأسير إلى ما بعد التحرر وهناك المئات من الأسرى المحررين توفوا نتيجة لذلك.

وفي الختام نبرق بأحر التعازي إلى عموم الشعب السوري الشقيق ، وخاصة ذويه وأصدقائه في بلدته مجدل شمس السورية العربية المحتلة ، وإلى رفاقه الذين لا زالوا في الأسر، فالمجد للشهداء ومنا العهد والوفاء  .