" الحاجة دقمان " .. غربة عن الوطن وشوق لرؤية ابنها المعتقل في سجون الاحتلال
كتب حسن جبر
11 سبتمبر 2007
توقفت حافلة أهالي الأسرى القادمة من مدينة خان يونس أمام بوابة اللجنة الدولية للصليب الأحمر، وبدأ الأهالي في النزول وهم يحملون صور أبنائهم.
كانت وجوههم تحمل كثيراً من معاني الحزن والقلق على مصير أبنائهم الذين غيبتهم غياهب السجون منذ فترات طويلة، لكنهم عندما اندمجوا مع أهالي الأسرى من المحافظات الأخرى شعروا بنوع من التوحد في الألم والمعاناة.
كانت باحة الصليب الأحمر التي يكسوها العشب الأخضر، ممتلئة تماماً بالكراسي والمقاعد الخشبية التي ضجت بمن فيها، فوقف الذين لم يجدوا لهم مكاناً فوق درجات السلم المؤدي إلى المكاتب.
الحاجة وفاء إبراهيم دقمان "أم فادي" (52 عاماً) من مدينة خان يونس، جلست على المقعد الخشبي صامتة، واكتفت بمراقبة النسوة والرجال الذين اصطفوا في المكان للمطالبة بإطلاق سراح أبنائهم.
قالت "أم فادي" بصوت حزين: "جئت للمطالبة بإطلاق سراح ابني شادي محمد جاد الله أبو الحصين الذي اعتقلته قوات الاحتلال العام 2003.
وأردفت: اعتقلوا شادي (28 عاماً) على حاجز أبو هولي الذي كان يفصل مدينتي خان يونس ودير البلح، وحكموا عليه بالسجن سبع سنوات بتهمة العضوية في حزب الله اللبناني وممارسة أنشطة مقاومة.
منذ اعتقال شادي لم تسمح قوات الاحتلال لوالدته بزيارته في السجن لأنها لا تملك بطاقة هوية، فهي لبنانية الأصل من قرية مرجعيون بجنوب لبنان.
قالت وهي تحاول مداراة حزنها العميق، إنها لم تشاهده منذ اعتقاله، لافتة إلى أنه متزوج ولديه توأمان (شهاب ووعد 5 سنوات(
وتابعت: بعد اعتقال شادي ذهبت زوجته وأبناؤها إلى بيت أهلها، وصرت أشتاق لابني في السجن ولأبنائه في السجن الكبير.
معاناة "أم فادي" بدأت بعد دخولها إلى قطاع غزة قادمة من اليمن عام 1995 مع أبنائها الستة (4 أولاد وبنتان)، ولم تكن تملك وأولادها بطاقات هوية تخولها البقاء في غزة، لكنها أصرت على البقاء داخل الوطن.
وقالت: بعد حرب لبنان خرجت مع زوجي إلى اليمن، وهناك استشهد تاركاً خلفه وصية وحلم العودة إلى أرض الوطن، وبالفعل عدت إلى فلسطين حالما سمحت لي الظروف بذلك.
وتابعت: ذقت مرارة الغربة والبعد عن الأهل والوطن ولا أرغب في أن يعيشها أبنائي، فقررت أن أعود بهم إلى وطنهم وأهلهم في قطاع غزة.
كل يوم اثنين تترك "أم فادي" أولادها وتتوجه إلى مقر الصليب الأحمر في مدينة غزة، للمشاركة في الاعتصام الأسبوعي الذي يقيمه الأهالي منذ سنوات.
"أحاول أن أجعله يراني على شاشة التلفزيون بعد أن أصبح من المتعذر عليّ زيارته"، قالت بحزن ثقيل.
وتابعت: حاولت مرات كثيرة أن أزوره إلا أن قوات الاحتلال منعتني، والسبب عدم امتلاكي هوية.
"أم فادي" تشتاق بشكل كبير لابنها الذي يقضي حكماً بالسجن لمدة سبع سنوات، وعندما كانت تتحدث عنه سالت دموعها صامتة، فاكتفت بمسحها وواصلت الحديث: "أشتاق لرؤيته مثلما يشتاق الإنسان للماء والهواء، خاصة وأن أحداً من العائلة لا يزوره".
وتتابع "أم فادي" أخبار ابنها شادي عن طريق أهالي الأسرى الذين يتمكنون من رؤية أبنائهم في السجون.
وقالت: آخر خبر سمعته أن قوات الاحتلال نقلت شادي من سجن النقب إلى سجن نفحة.
"أم فادي" تفكر دائماً في ابنها شادي الذي لا يغيب أبداً عن ذاكرتها، لأنه كان متميزاً جداً في علاقته بالأسرة.
وقالت وهي تغالب دموعها ثانية: "كان شادي إنسانا بمعنى الكلمة، وعندما كان خارج السجن كان يملأ البيت ضحكاً وحيوية تميز بها عن باقي إخوانه".
وتصر "أم فادي" على أن شيئا من التوحد الروحي كان يربطها بابنها شادي عندما كان خارج الوطن، قائلة: عندما كنت أريده لأي سبب كنت أجده بجانبي، وكان لدينا اتصال روحي معاً.
شوق "أم فادي" لا يمكن وصفه بكلمات، وعندما بدأت تتحدث عن شوقها للابن القابع في السجون منذ أربع سنوات، سالت دموعها غزيرة لكنها كانت صامتة.
ومن بين الكلمات قالت: أريد أن يعود، لقد كان يملأ حياتي حباً وحنانا، لكنه اختار المقاومة لأنه كان يكره الظلم ويدافع عن المظلومين حتى لو كلفه ذلك حياته.
لم يعد في جعبة "أم فادي" مزيد من الكلمات فلاذت بصمت غريب، وحلقت عيونها في سماء المكان كأنما ترى ابنها وزوجها وقريتها مرجعيون في جنوب لبنان