الأسـرى والهبَّـة الجماهيرية .. واقع وطموح

 

* بقلم / عبد الناصـر عوني فروانـة

21 أغسطس 2004 م

 

معركة الأسرى قد بدأت ... معركة الأمعاء الخاوية لتضاف لسلسلة المعارك التي خاضتها الحركة الأسيرة عبر تاريخها الطويل .. وذلك في كافة السجون والمعتقلات ، وانتفض الأسرى العُزَّل من خلف القضبان ومن داخل جدران زنازين الموت ... انتفضوا ليعلنوا رفضهم لكل الممارسات القمعية والإستفزازية التي تمس كرامتهم وإنسانيتهم وتهدف لإذلالهم وإهانتهم ، وشروط حياتهم التي لا تليق بالحد الأدنى للحياة البشرية ، رافعين شعار " نعم لآلام الجوع ولا لآلام الركوع " متسلحين بالأمل والعزيمة  وبعدالة القضية ، و بمساندة ذويهم وإخوانهم الأسرى المحررين و جماهير شعبهم وكافة الأحرار في العالم ... وبملء حناجرهم صرخوا ، واستغاثوا ، و صرخاتهم تلك واستغاثاتهم هذه تجاوزت القضبان والجدران .. تجاوزت الحدود ومئات الحواجز ووصلت إلينا ، بل ولقوتها ومصداقيتها اخترقت  آذاننا وآذان  الآلاف بل الملايين و سُمع صداها ...... فهل من مجيب ؟؟

آذان جماهير شعبنا الوفية المخلصة إستقبلت استغاثتهم جيداً ، وكانت عند حسن ظنهم وسرعان ما لبت ندائهم ، فهبَّت هي الاخرى في كافة بقاع الوطن وانطلقت الى الشوارع في مسيرات ضخمة واقامت عشرات الخيام التضامنية ورفعت الأعلام خفاقة وزينت الشوارع والجدار بالشعارات المساندة ، ووزعت البوسترات والصور المعبرة ، ونشطت الأقلام المخلصة ، وسُلمت العشرات من الرسائل والمناشدات الى المؤسسات الدولية والقناصل والسفراء والمؤسسات الحقوقية ... والعشرات من ذوي وأمهات الأسرى والناشطين وأسرى محررين بدأوا  إضراباً مفتوحاً عن الطعام منذ أيام وفي أماكن مختلفة ، واليوم يلتحق بهم العشرات في خيمة الإعتصام المركزية بغزة ، وقد يلتحق بهم العشرات بل المئات خلال أيام .... إلخ ولا زالت الفعاليات الجماهيرية متواصلة .

 

هذه الهبَّة المستمرة والتي إزداد حجمها واتسعت رقعتها الجغرافية وارتفع منسوبها.. وامتدت الى خارج الوطن خاصة في مخيمات الشتات في لبنان وسوريا والأردن .... تسعدنا وتثلج صدورنا ، وتضيف الكثير لأسرانا وتعزز من صمودهم و تساندهم في مطالبهم الإنسانية وتؤكد للعالم أجمع بأننا شعبٌ لن يترك أسراه لوحدهم في المعركة ، وعلينا أن نسعى جاهدين  لأن تشكل هذه الهبة بداية إنتفاضة جماهيرية واسعة و تحمل إسم " إنتفاضة الأسرى " .

 

فالمعركة مصيرية وليس هناك من بوادر تلوح بالأفق على المدى القريب بأنها ستحسم خلال أيام ، بل بالعكس كل المعطيات والتقديرات تشير بأنها ستستمر لأسابيع عدة ، وهذا ما حملته في طياتها رسائل الأسرى وكلماتهم عبر إتصالاتهم من أجهزة النقال المهربة ، وما عبرَّت عنه أيضاً وثيقة مطالبهم ، بالإضافة لما يتردد لمسامعنا من المحامين ومن أسرى محررين حديثاً وما تطالعنا به وسائل الإعلام المختلفة عن معاناة أسرانا وإنتهاكات حقوقهم الإنسانية الدنيا والأوضاع المزرية التي تشهدها السجون ، وبالمقابل اصرار أسرانا على خوض المعركة بهدف تغيير واقع حياتهم الى ما هو أفضل وبما يليق بإنسانيتهم وبما يتوافق والإتفاقيات والمواثيق الإنسانية ، رغم كل تهديدات سلطات السجون والتي انتقلت الى حيز التنفيذ مع بدء الإضراب ، حيث صّعدت من إجراءاتها القمعية والإستفزازية لإفشال الإضراب بدءاً  من تصريح وزير الأمن الداخلي " هنغبي " والذي قال لن نلبي لهم مطالبهم حتى ولو ماتوا وهذا مؤشر خطير ويعني ضمنياً تشريع بقتل الأسرى ويحمل عنصرية خطيرة ، ومروراً بممارسات شرطة مصلحة السجون والوحدات الخاصة والتي اقتحمت الغرف وصادرت كافة المواد الأساسية والمقتنيات الخاصة للأسرى وحرمتهم من كل شيء بما في ذلك الملح والسجائر  بل وأقدموا على أكل المشويات والحلويات و...إلخ

أمام أعين الاسرى المضربين ، وليس أخيرا تصريح وزير الصحة " داني نافيه " بالأمس والذي أعطى تعليمات لكافة المستشفيات بعدم استقبال الأسرى المرضى وبالتالي حرمانهم من العلاج اللازم  الأمر الذي يهدد حياتهم ويخالف آداب المهنة الطبية .

 

وأمام هذه المخاطر الجمة والتي قد تؤدي الى استشهاد العديد من الأسرى ، ورغم الصورة الإيجابية لمجمل التفاعلات الجماهيرية والإعلامية مع انتفاضة الأسرى ، إلاّ أنني ومن خلال تقييمي لها في غضون الأيام المنصرمة لا أرى فيها ما يوازي حجم المخاطر التي يتعرض لها أسرانا ، فهي حقيقة واقع  يُرضى عنه ولكنه ليس بمستوى الطموح .

 

ومن واجبنا العمل بجد أكثر وبدون كلل أو ملل من أجل تفعيل المشاركة الجماهيرية التضامنية أكثر وزيادة حجمها وزخمها ونوعيتها وإتساع رقعتها وإشراك جماهيرنا العربية والإسلامية ، والجاليات العربية في مختلف العالم ... فلتتوحد الجهود ولنصرخ بصوت واحد وبملء حناجرنا " الحرية لأسرى الحرية ولنضحي من أجل من ضحوا من أجلنا " ولنسمع صوتنا للعالم أجمع .

 

وللمساهمة في تحقيق ذلك أرى من الأهمية بمكان الإشارة الى التالي :

- فإني أحيي  كل صحافتنا المحلية وتلفزيون فلسطين على دورهم في تغطية هذه القضية وتداعياتها ومن هنا تكمن ضرورة إشراك إعلاميين متخصصين في الهيئة العليا لقيادة الفعاليات وفي مقدمتهم  نقابة الصحفيين ومندوبين عن تلفزيون فلسطين وقناة فلسطين الفضائية ، ومندوبين عن وزارة الإعلام ومندوبين عن الصحف والإذاعات المحلية ، وإيكال  لهم مهمة إثارة القضية اعلامياً أكثر فأكثر خاصة على المستويين العربي والدولي ، وعمل فلاشات سريعة عن الأسرى تبث على المحطات الفضائية العربية حتى ولو كانت مدفوعة الأجر وأخرى تبث باللغة الإنجليزية في محطات أجنبية .

- على كافة السفارات الفلسطينية وفي كافة دول العالم وخاصة الشقيقة والصديقة أن تعقد مؤتمرات صحفية وندوات و تفتح أبوابها وتعلن حملات للتضامن مع الأسرى وتنشر قضية الأسرى وما يتعرضون له من إنتهاكات لحقوقهم الإنسانية الدنيا على المستويين العربي والدولي ... كما يقع على عاتق القوى الوطنية والإسلامية والجاليات العربية في كافة اماكن تواجدها ان يقوموا بالدور ذاته وينظموا حملات دولية لمساندة الأسرى.

وفي الختام لا يسعني إلاّ أن أوجه الدعوة إلى إخواني ورفاقي الأسرى المحررين والذي يفوق عددهم على النصف مليون أسير محرر ، أدعوهم للإنخراط أكثر فأكثر في الفعاليات ، فالهجمة التي تشنها إدارات السجون لم تقتصر على الأسرى فقط بل تطال إنجازاتنا ، إنجازات أجيال واجيال سابقة ومن واجبنا كأسرى محررين الذود عنها ، ولنكن جاهزين للأيام المقبلة وللتصعيد المقبل ، ولطالما دعوت وأدعو جماهير شعبنا لتفجير الطاقات وشحذ الهمم والإنخراط في الفعاليات المساندة لأسرانا وإضرابهم الرائع ومطالبهم الإنسانية .

فإنتفاضة الأسرى بدأت و ستطول ، ولم تحسم إلاّ في حالة تحقيق مطالب فعلية ، فما كان يتعرض له أسرانا يفوق ما يتخيل العقل البشري ... وما تعرض له إخواننا الأسرى العراقيون في سجون الإحتلال الأمريكي في أبو غريب وغيره وما شاهده العالم أجمع ، ما هو إلاّ حلقة من سلسلة حلقات تجري داخل السجون الإسرائيلية ، والفارق فقط هو أن سجون الإحتلال الإسرائيلي بلا شهود وبلا صور وبعيدة عن أنظار العالم ، ومن هنا وبالمناسبة فإنني أناشد كل الشرفاء وكل دعاة السلام والديمقراطية وحقوق الإنسان في العالم للتحرك الجاد من أجل تشكيل لجان دولية حقوقية وفاعلة تقوم بزيارة السجون والمعتقلات للوقوف على الظروف اللاإنسانية التي يعيشها الأسرى الفلسطينيون والعرب في السجون الاسرائيلية واتخاذ اجراءات من أجل إلزام سلطات الاحتلال بالاتفاقات والمواثيق الدولية ذات الصلة .