جـدليـة ..الإنسـان ونحـن والسـجن !!

 

 

 

* بقلم / عبد الناصـر عوني فروانـة

28 / 8 /  2004 م

 

 

الإنسان أينما ومتى وجد هو إنسان بكل ما تعنتيه الكلمة من معاني ، ويجب أن تحترم إنسانيته وتُكفل له كافة حقوقه الإنسانية ، ويُوفر له حياة كريمة وحرة  وفي الوقت الذي يُضطهد فيه وتنتهك فيه حقوقه الإنسانية ويُغبن حقه وتُداس فيه كرامته ، وتُسلب أرضه ويُنتهك عرضه ويُقتلع أشجاره وتُدمر بيوته على ساكنيها ، وكلما ازداد هذا الإضطهاد سوءاً  فمن المفترض أن يُصبح الإنسان ثورياً ، وتَزداد النقمة والصلابة لديه و يثور ويثور أكثر من أجل استرجاع حقوقه المسلوبة وخلق ظروف إنسانية تليق بإنسانيته ، و حياة حرة كريمة تليق بخصائصه البشرية ... ومن يقبل بغير ذلك بمعنى من يقبل بالإضطهاد والظلم وحياة مُذلة فلا بأس فيما لو عُومل معاملة العبيد .

 

وشعبنا الفلسطيني وأينما وجد هو نموذج حي  للإنسان الثائر الغيور على أرضه وعرضه وضحى بالغالي والنفيس من أجل استرجاع حقوقه المسلوبة وخاض وما زال موجات وموجات من النضال من أجل حريته واسترجاع أرضه ومن أجل حياة كريمة .

 

وأسرانا الأبطال هم جزء من هذا الشعب بل وجزء أساسي ، وتربوا في كنف الثورة ورضعوا حليبها منذ نعومة أظافرهم وعانوا من الإحتلال وإفرازاته على مدى سني حياتهم ، فأمضوا طفولتهم بين أزقة المخيمات وتحت أنقاض البيوت المهدومة ، وافترشوا مع  آبائهم وأمهاتهم الأرض وإلتحفوا السماء ، وعرفوا السجون قبل المدارس وشبك الزيارة قبل مقاعد الدراسة ، وكبروا وترعرعوا على مشاهد الموت والدمار والحرمان ، فأدركوا المعادلة مبكراً وما أن اشتد عودهم حتى إلتحقوا بالثورة وبدون تردد ، فكان السجن نصيبهم ، كما كان الإستشهاد من نصيب زملائهم ، فصنعوا خلف القضبان ملحمة البطولة وسطّروا صفحات مجد لم تسطرها ثورة من قبل ، وقدموا للعالم نموذج يحتذى !

 

 وفي السنوات الإخيرة وفي إطار الهجمة الشرسة الممنهجة على شعبنا عامة ، تفاقمت الظروف وحشية في السجون والمعتقلات الإسرائيلية وأخذت إدارات السجون تتفنن بتعذيبها للأسرى وإنتهاكاتها الفاضحة لحقوقهم الإنسانية ، وتبتدع أساليب قمعية لإذلالهم والمساس بكرامتهم وحرمانهم من أبسط الحقوق الأساسية بدءاً بالتفتيش العاري المذل ومروراً بالقمع المتواصل والعزل الإنفرادي لسنوات والحرمان من زيارات الأهل وليس إنتهاءاً بالإعتداء بالضرب المبرح والغاز السام وسكب الماء المغلي والرصاص المطاطي ،  وقائمة الإنتهاكات طويلة وطويلة ولا يتسع المجال هنا لتناولها ، ليس هذا فحسب بل طالت الهجمة كل الإنجازات التاريخية والتي تحققت بفضل تضحيات أجيال واجيال سبقت .

 

متوهمة - كما شارون وحكمومته بنظرتهم تجاه شعبنا - بأن الأسرى عُزّل ولا يملكون مقومات وعوامل المواجهة ، متجاهلة طبيعة الإنسان الفلسطيني ، و متناسية تاريخ الحركة الوطنية الأسيرة ، والتي خاضت معارك عدة وحققت مئات الإنتصارات وسطَّرت صفحات مشرقة من المجد والبطولة في كل شيء وعلى كافة الصعد ،  وقدمت عشرات الشهداء ...  وكان لها في سجل التاريخ الفلسطيني والعربي سطوراً مضيئة لكل الأجيال المتعاقبة ، وإذا أُريد للأجيال القادمة أن تفخر بمحطة ما في مسيرة الثورة ، فعليها أن تفخر بهذه التجربة الرائدة .

 

فالإنسان الفلسطيني الأسير وأينما وجد في غرف نفحة أو عسقلان ، في خيام النقب أو عوفر، أو في عزل السبع و أيلون ، في زنازين التعذيب في المسكوبية وغوانتاناموالإسرائيلي ... هو شعب أُختزل بشخصه وهو يعكس صورة النحن ، لم ولن يقبل بالظلم والإضطهاد ولا بسلب حقوقه الإنسانية ، مثلما لم ولن يقبل من قبل بسلب حقوقه الوطنية والتاريخية ، وكما لم ترهبنا الميركافاة وطائرات الأباتشي والإف 16 … إلخ فلم ترهبه السلاسل والسجان فإنتفض وتعملق وأشعلها ثورة وأطلقها صرخة في الخامس عشر من آب الحالي معلناً معركة الإضراب المفتوح عن الطعام ، معركة الأمعاء الخاوية وتحت شعار " نعم لآلام الجوع ولا لآلام الركوع " ، ومعلناً رفضه لكل أشكال الذل والإهانة ومقدماً وثيقة بعشرات المطالب الإنسانية .. وها هو يواصل معركته لليوم الخامس عشر على التوالي ويسير بخطى ثابتة و إرادة فولاذية وعزيمة لا تلين وإصرار لا يتزعزع وثقة راسخة بحتمية الإنتصار ، بالرغم من كل ما يتعرض له من تهديدات وإعتداءات وممارسات وحشية .

 

وجماهير شعبنا الوفية المخلصة كانت عند حسن ظنهم ، فهبت هي الأخرى ونظمت عشرات بل مئات الفعاليات المساندة لأسرانا في معركتهم البطولية ، وكلما إزداد الفعل الجماهيري أكثر ، كلما تعزز صمود أسرانا أكثر واقترب موعد حسم المعركة ، والمطلوب وعلى وجه السرعة التحرك والعمل الجاد على إتساع رقعتها ولا سيما في الدول العربية والإسلامية وفي الدول الأوروبية والعمل أيضاً على ارتفاع منسوبها وزخمها أكثر ، وإثارتها بجدية في كل المحافل الدولية الحقوقية والإنسانية ... وآمل أن تشكل بداية إنتفاضة جماهيرية نطلق عليها " إنتفاضة الأسرى " ولتستمر حتى تحرير أسرانا ومعتقلينا ، وشعبنا قال كلمته بأن أي إتفاق سياسي لن يكفل تحريرهم لن يكتب له النجاح ، وعلى العالم أجمع أن يدرك بأننا شعب لن ينسى أسراه ولن يتركهم وحدهم في المعركة ، ولا أمن ولا إستقرار في المنطقة دون الإفراج الشامل واللامشروط عن كافة الأسرى والمعتقلين وإزالة كل الأثار المترتبة عن الإعتقال والتعذيب والسجن   .