"علاء" يعلو على السّجان ويُبصر النور خارج الزنزانة
وكالة "قدس برس" انترناشيونال
9-9-2021
كانت الأسيرة المحررة أنهار الديك على ثقة وقناعة أنها لن تضع مولودها داخل السجن، نظراً لثقتها الكبيرة بهبة شعبها وحملته التي نجحت في الضغط على الاحتلال والإفراج عنها قبل أسبوع، ووضعها رهن الإقامة الجبرية.
"أنهار"
كانت قد هيأت نفسها لأسوأ الاحتمالات، أمام تعنت سلطات الاحتلال وتعاملها مع
الأسرى، ونظراً لأن هناك حالات سابقة لعدد من الأسيرات اللواتي وضعن أطفالهن داخل
السجن، في ظل أوضاع صحية ونفسية سيئة جداً دون مراعاة أوضاعهن واحتياجاتهن من
الرعاية الصحية، ودون توفر لها العلاج الضروري، خاصة في الأشهر الأخيرة من الحمل.
وضعت "أنهار" اليوم الخميس مولدها "علاء" في المستشفى الاستشاري بمدينة رام الله في
الضفة الغربية، ومنحته هذا الاسم "علاء" لأنه "علا على السجّان، وقفز من قلب
الزنزانة المعتمة، ليبصر النور خارج السجن، بحسب حديثها المقتضب لـ"قدس برس" بعد
قليل من وضعها لمولودها.
من جهته الخبير والمختص في شؤون الأسرى عبد الناصر فروانة قال لـ"قدس برس": إن
سلطات الاحتلال اعتقلت العشرات من النساء الحوامل، بعضهن أطلق سراحهن بعد أن أمضين
فترة وجيزة في الاحتجاز والتحقيق، وبعضهن اضطررن للإجهاض بعدما توفيت الأجنة في
البطون على إثر ما تعرضن له من عنف وقسوة.
وأضاف "أن هناك عدداً من الأسيرات الفلسطينيات طالت فترة اعتقالهن، وأجبرن على الولادة والإنجاب داخل السجن الإسرائيلي، بعد أن اعتقلن حوامل، أربعة من الأسيرات اللواتي أنجبن داخل السجون، وضعن مولودهن منذ اندلاع انتفاضة الأقصى عام 2000، وهن: ميرفت طه من القدس، منال غانم من طولكرم، سمر صبيح وفاطمة الزق من قطاع غزة".
وتابع الحقوقي الفلسطيني: لولا الحملة التي أطلقها الشعب الفلسطيني، لكانت أنهار الديك الخامسة التي ستلد في السجن، ولكن الضغط الشعبي أجبر الاحتلال على إطلاق سراحها لتلد خارج السجن وتنجب طفلها علاء.
وشدد فروانة على أن الحمل أو الميلاد لم يشفع للمرأة الفلسطينية التي اعتقلت داخل
سجون الاحتلال من التعذيب أو خضوعها لبقية الإجراءات التي يخضع لها الأسرى الذكور
وتعامل بشكل قاسٍ ووحشي دون مراعاة وضعها الخاص، وبشكل غير إنساني.
وقال "إن سلطات الاحتلال لم تميز خلال استهدافها للمرأة الفلسطينية واعتقالها، فلا
تتردد في اعتقال المرأة الحامل ووضع القيود في يديها والأغلال في رجليها وعصب
عينيها وجرها بعنف ودفعها بقسوة إلى العربات العسكرية، ولا تمتنع عن إجراءاتها
التعسفية بحق الأسيرات الحوامل، أو تتحفظ عن استخدام بعض أشكال التعذيب نظراً
لظروفهن الخاصة، ولا تراعي أوضاعهن واحتياجاتهن من الرعاية الصحية، ولا توفر لهن
العلاج الضروري، خاصة في أشهرهن الأخيرة من الحمل أو بعض الإنجاب ولا احتياجات
الطفل المولود".
وأضاف "أن معاناة الأسيرة الحامل لا تقتصر على مرحلة الولادة، ومشكلتها لا تنتهي بانتهاء عملية الولادة، بل تمتد إلى ما بعد ذلك، حيث يُعاد تقييدها بالسلاسل في السرير الذي ترقد عليه، ويتم معاملة الطفل الجديد كأسير، وليس كطفل مولود رضيع يستحق العناية الخاصة، وبحاجة إلى توفير مستلزماته الخاصة من راحة وعناية صحية فائقة وغذاء وحليب وتطعيمات ضرورية وغيره".
مشهد أنهار وطفلها "علاء" أبكى الأسيرة المحرر فاطمة الزق التي وضعت قبل 13 عاماً طفلها "يوسف" داخل السجن وهي مكبلة اليدين والرجلين، وتقف سجانة إسرائيلية فوق رأسها وهي تنهرها وتكيل لها الشتائم، بدلاً من أن تكون أمها "تطبطب عليها".
وتروي الزق لـ"قدس برس" كيف عاشت الحمل والمخاض والولادة داخل السجن بعد اعتقالها في 20 أيار/ مايو من العام 2007 على حاجز بيت حانون شمال قطاع غزة، حيث كانت حاملاً في شهرها الأول، وأمضت في سجون الاحتلال 30 شهراً موقوفة، لتخرج في الثاني من تشرين ثاني/ نوفمبر 2009 في إطار ما عرفت بـ"صفقة شاليط"، حيث أفرج عن عشرين أسيرة فلسطينية آنذاك، ولم تخرج وحدها كما دخلت السجن، بل برفقة طفلها "يوسف" الذي وضعته في السجن، حيث كان عمره آنذاك 21 شهراً.
وشددت على أن الاحتلال لم يرحمها ولم يشفق بحالها كونها حاملاً أو بعد وضع مولودها، بل ساومها خلال التحقيق معها وحاول إجهاضها بشتى الطرق، وظلت المساومات لها حتى اليوم الأخير من وضعها.
وأمست الزق أنها حينما اعتقلت لم تكن تعرف أنها حامل، حيث تعرضت للتعذيب والإذلال قبل نقلها من حاجز بيت حانون إلى سجن عسقلان.
وقالت الزق "في سجن عسقلان وفي إطار الفحص الطبي العادي، سألها أطباء السجن إن كانت حاملاً؟ فأجابت بداية لا لست حاملاً. ولكن بعد أن وضعت في زنزانة طالبت من طبيب السجن أن تجري فحصاً للحمل، وذلك بعد أن شاهدت رؤية في السجن أن معها طفلاً يمسح على رأسها وصدرها".
وأشارت إلى أنها وخلال قيام الاحتلال بشبحها وتعذيبها، أخبرها الضابط أنها حامل،
فحزنت كثيراً لأنها لا تريد أن يولد هذا الطفل في السجن، ويرى هذه الويلات
والعذابات، وفي الوقت نفسه، رأت أنه منحة وهدية من الله، لكي يؤنس وحشتها، وأنه نعم
الهدية.
وأوضحت الزق أن ضباط الاحتلال والجنود، وبعدما عرفوا أنها حامل، زادوا من شدة
التعذيب عليها، سواء في الشبح أو المنع من النوم والأكل، مشيرة إلى أنها أعلن
الإضراب عن الطعام سراً دون إعلام الضابط، والذي بدوره كان يقول لها يجب ان تتغذي
لأنك حامل، وهي ترفض الغذاء، مؤكدة أنها كانت تشعر "أن الله يطعمها".
وأكدت أن جنود الاحتلال وضباطه حاولوا مراراً إسقاط جنينها، سواء من خلال الاعتداء المستمر عليها، أو من خلال الممرض الذي وصفته بـ"المجرم" الذي كان يعطيها حبوباً مهدئة، لكي تتناولها، ولكنها ترفض ذلك، حيث تأخذ الحبوب وتتخلص منها في الحمام.
وأوضحت الزق أن مجندات اقتحمن عليها زنزانتها وجروها في منتصف الليل، وحاولوا إعطاءها الحبوب غصباً عنها، إلا أنهم لم ينجحوا، وبعد ذلك جاءها الضابط وقال لها سأرسلك إلى "بيت الكلب"؛ وهي زنزانة عفنة لا تطاق رائحتها من شدة الأوساخ والقاذورات، وكذلك مياه الصرف الصحي التي بها، مشيرة إلى أنها ظلت تطرق على باب هذه الزنزانة لمدة ست ساعات لإخراجها منها، إذ كانت لا يمكنها التقاط نفسها من شدة الأوساخ بها، حيث أصابها نزيف حاد بعد ذلك.
وأكدت أنها بعد ذلك تمكنت من أن تقابل ممثل اللجنة الدولية للصليب الأحمر، وكذلك
المحامي، وأبلغتهما ما حدث معها، حيث قام الأخير برفع دعوة في محكمة العليا في
القدس، وطلب بسرعة نقل الأسيرة إلى المشفى، لأن معها نزيفاً حاداً وهي حامل وحياتها
في خطر، مشيرة إلى أنه بعد ذلك جاءها الضابط وقال لها "أنت سوف تعفني في الزنازين
ولن تخرجي حية".
وأضحت الزق أنه وبعد 21 يوماً من التحقيق والتعذيب تم نقلها إلى سجن النساء "تلموند
هشارون".
وأشارت إلى أن نقلها إلى سجن النساء كان نوعاً جديداً من المعاناة، لا سيما وأنهن
كن 8 أسيرات في زنزانة واحدة، وكان الحمل يتقدم وهي بحاجة إلى غذاء، وكذلك تهوية
ومشي بالإضافة إلى الأمراض المعدية داخل الزنزانة، موضحة أنها في الشهر الرابع
للحمل كانت تصاب باختناق.
وأكدت الزق أن محاولات إدارة السجن لم تتوقف مع كبر عمر الجنين، وواصلت إجهاضها من
خلال إعطائها حبوباً مجهولة كانت ترفض تأخذها، أو من خلال طلب أن تأخذ ما عرف باسم
إبرة "فحص ماء الرأس"، وقد رفضت أخذها ووقعت حينها على عريضة برفضها ذلك وتحملها
المسؤولية.
وعن نقص الغذاء أشارت إلى أنها كانت تعوض نقص الغذاء بأكل "حلاوة الطحينة" لتعوض
نقص الغذاء، فبيضة واحدة في اليوم لا تكفي لحامل.
وأوضحت الزق أنها ذهبت للولادة ثلاث مرات، وفي المرتين الأوليين كانت تتكبد تعب الطريق 8 ساعات في سيارة الإسعاف مكبلة اليدين والرجلين من سجن النساء إلى مستشفى "كفار سابا"، ومن ثم تطلب العودة نظراً لعدم وجود طلق، لأنها لا تمشي وتطلب أن تمشي، إلا أنه وقبل المرة الثالثة سمح لها في المشي بعد تقديم شكوى لدى الصليب الأحمر.
وأوضحت الزق أنه في يوم السابع من كانون الثاني/ يناير 2008 اشتد بها الطلق وطلبت الذهاب إلى المشفى وأخذوها حيث فحصتها في البداية طبيبة فلسطينية من الداخل المحتل وقالت لها أنت ستلدين اليوم.
وأضافت بعد ذهاب الطبيبة الفلسطينية استلمتها طبيبة أخرى من المخابرات الإسرائيلية وصفتها بأنها "مجرمة"، حيث تركتها لمدة أربع ساعات دون أن تعطيها أي إبرة لتسهيل عملية الطلق، مشيرة إلى أنها لم تشعر أنها في مشفى بل في ساحة حرب.
وأضافت الزق "بعد الأربع ساعات جاءت تلك المجرمة وسبت لها الذات الإلهية، وقالت لها لماذا لم تلدي حتى الآن، فكانت معركة على سرير الولادة شعرت خلالها بالإهانة الكبيرة، وتحملت إلى أن وضعت المولد وكان وزنه 3.5 كيلو جرام، وهو أكبر أبنائي ينزل
وقررت الزق أن تطلق اسم "يوسف" على مولودها تيمننا بسيدنا يوسف عليه السلام الذي
عاش في السجن، رافضة بذلك طلب إدارة السجن أن تطلق عليه اسم مدير السجن "نبيل".
وأشارت إلى أنه بعد وضع هذا الولد، بدأت مرحلة جديدة من المعاناة، كانت بدايتها
أنهم حرموها ضم طفلها دون قيود، حيث أعادوا القيود لها بعد انتهاء العملية وظلت
القيود لمدة ثلاثة أيام، إذ كان الطفل في الحضانة ولا يفك القيود إلا حينما تقوم
بإرضاعه.
وتطرقت الزق إلى المعاناة خلال عودتها من المشفى وهي مقيدة والطفل وحده في الحاضنة "الكوتة" والقيود بأيديها وأرجلها ولا تفك إلا عند إرضاعه.
وقالت الزق "كنت أتمنى أن الحملة الشعبية التي دشنها الشعب الفلسطيني للتضامن مع أنهار الديك قد حظيت بها حتى لا أمرّ بما مررت به من آلام أنا وابني يوسف".
وأضافت: يجب الاستمرار في هذه الحملات الشعبية للضغط على الاحتلال للإفراج عن كل الأسرى والأسيرات في سجون الاحتلال، لا سيما في ظل ثورة السجون الحالية.
قدس برس