الثائر الفلسطيني جيفارا غزة 

 

 

*بقلم / عبد الناصر عوني فروانة

9-3-2014

 

التاسع من آذار هو يوم عادي لملايين البشر في هذا الكون ،  لكنه ليس عادياً للشعب الفلسطيني وقواه المناضلة والمقاومة عامةً، ولمن ناضل وقاتل وانتمى يوماً لصفوف الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين خاصة.

ففي هذا اليوم وقبل واحد وأربعين عاماً استشهد الثائر الفلسطيني والأسير المحرر والقائد العسكري الفذ " محمد محمود مصلح الأسود " الذي اشتهر باسم " جيفارا غزة " .

 

وليس مهماً أن تكون جبهاوياً أو ان تكون قد انتميت يوماًً للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين وأطرها المختلفة كي تحترم هذا الثائر وتعشق تجربته المميزة، فكفيك فخراً أنه فلسطيني وقاد مع رفاقه تجربة فدائية نفخر ونتغنى بها جميعاً، وهي علامة بارزة ومتميزة في التاريخ الفلسطيني والعربي المقاوم.

 

" جيفارا غزة " اسم لقائد فذ وشهيد حي في قلوبنا حفر في سجلات الثورة الفلسطينية، وارتبط بمرحلة نضالية مميزة ، هكذا عرفه شعبه وهكذا يتغنى باسمه رفاقه ، كيف لا وهو من أقسم بأن يحول كل حبة رمل من رمال غزة إلى لغم يتفجر تحت أقدام الغزاة، وأوفى بوعده وبشهادة العدو قبل الصديق .

"جيفارا غزة" إسم دب الرعب في قلوب جنود الاحتلال وقياداته العسكرية والسياسية، فلاحقهم ولاحق عملائهم، في شوارع المدن وأزقة مخيمات قطاع غزة، وألحق بهم الهزائم تلو الهزائم، مما دفع "موشيه ديان" وزير دفاع دولة الاحتلال آنذاك للقول "بأن قواتنا تحكم قطاع غزة نهاراً، والفدائيين تحكمه ليلاً "

 

    ولد الشهيد محمد محمود مصلح الأسود ( جيفارا غزة ) بتاريخ 6-1-1946  في مدينة حيفا وبعد النكبة 1948 نزح إلى مخيمات قطاع غزة ، وفي بدايات العام 1963 انضم لحركة القوميين العرب ليصبح عضواً ناشطاً فيها، ومن ثم انضم للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين بعد انطلاقتها في  الحادي عشر من كانون أول/ديسمبر وأصبح أحد أبرز مقاتليها وقياداتها.

وبتاريخ 25-1-1968 اعتقلته قوات الاحتلال الإسرائيلي وزجت به في زنازين سجن غزة المركزي ، وتعرض لأبشع صنوف التعذيب، لأن المخابرات كانت تدرك جيداً خطورته والمعلومات والأسرار التي يمتلكها، إلا أنه لم يبح بأسرار رفاقه ولم يخن من منحوه الثقة وأثبت أن المناضل يستحيل فك عقدة لسانه إذا ما صمم مهما كانت حجم الضغوط النفسية والجسدية التي تستخدمها قوات الاحتلال ضده، ومن ثم زج به في غرف السجن ليمكث فيها قرابة العامين ونصف .

 

وخلال وجوده في السجن لم يهدأ أو يستكين، ولم تحيده السلاسل والقضبان أو قساوة السجان عن نهج الثورة قيد أنملة، فبقيّ على علاقة تواصل مع رفاقه خارج الأسر وواصل نضاله وإصدار توجيهاته وتعليماته بشن المزيد من العمليات ضد قوات الاحتلال وإلحاق أفدح الخسائر البشرية بهم.

وبعد إطلاق سراحه منتصف العام 1970، حمل مسؤولية قيادة الجهاز العسكري والعمل الفدائي للجبهة الشعبية في قطاع غزة، وحمل اسماً حركياً جديداً هو "جيفارا غزة" تيمماً وتقديراً وإعجاباً بتجربة وشخصية الثائر الأممي "أرنستو تشي جيفارا" ، وأجاد فنون المطاردة والتخفي وسرعة الحركة والتنقل والإختفاء في الملاجئ .. إلخ من أساليب المقاومة الشعبية وحرب الشوارع، فذاع صيته وتردد اسمه بكل فخر على كل ألسنة الناس وافتخر به رفاقه وشعبه وأمته العربية جمعاء،  ويخشاه العدو وعملائه في كل زمان ومكان.

 

وفي التاسع من آذار عام 1973 تمكنت قوات الاحتلال من معرفة مكان وجوده فحاصرت البيت الذي كان متواجداً به خلف مستشفى الشفاء غرب مدينة غزة، مستعينة بآلاف الجنود والدبابات وبغطاء جوي، ورغم هذا المشهد لم يستسلم "جيفارا" ورفيقيه عبد الهادي الحايك وكامل العمصي، واشتبكوا مع قوات الاحتلال إلى أن استشهد ثلاثتهم، مما دفع وزير الدفاع آنذاك "موشيه ديان" إلى الحضور الى غزة للتأكد من استشهاد "جيفارا غزة" الذي أقضَّ  مضاجعهم .

 

"محمد الأسود" أو "جيفارا غزة" شخصية فلسطينية ثائرة، وهي عنوان لتجربة فلسطينية فدائية جماعية رائعة في العمل الفدائي وفي حرب التحرير الشعبية ضد الاحتلال الإسرائيلي امتدت لبضع سنوات، تستحق الإعتزاز والإفتخار وتقودنا إلى المناشدة لتوثيقها والاستفادة منها ومن دروسها وعبرها.

 

وفي مشهد آخر اثبت "جيفارا" والآلاف من أمثاله من الأسرى المحررين أن السجن لم ولن يستطع قتل المناضل، بل يساهم ايجابياً في إعادة إنتاجه بشكل يغدو فيه أكثر صلابة وإصراراً على المضي قدماً صوب تحقيق أهداف شعبه وأمته.

 

"جيفارا غزة" .. أنت في القلوب دوماً وفي مراحل الثورة حاضراً، وتجربتك في التاريخ الفلسطيني المعاصر محفورة، فهي مفخرة ليس للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين فحسب، وإنما للشعب الفلسطيني عامة، و من حقك علينا كفلسطينيين عشقنا ونعشق المقاومة أن نبذل قصاري جهدنا على طريق توثيقها بالشكل الذي تستحقه، فالتاريخ الفلسطيني سيبقى مزيفاً ما لم ينصف التجربة الجيفارية في قطاع غزة ويمنح الشهيد حقه.

 

جيفارا غزة .. عنوان لتجربة فدائية جماعية يفخر بها كل فلسطيني وعربي ، واسم حي في قلوب الملايين وتاريخ تتناقله الأجيال و تتوارثه الأزمنة.

 

المجد للشهيد ولكل شهداء فلسطين والمقاومة ومنا العهد والوفاء

عبد الناصر فروانة

أسير محرر ، وكاتب مختص في شؤون الأسرى

مدير دائرة الإحصاء بوزارة الأسرى والمحررين

 0599361110

Ferwana2@yahoo.com

الموقع الشخصي / فلسطين خلف القضبان

www.palestinebehindbars.org