الرازم ثلاثة عقود من المعاناة خلف القضبان

أسرى القدس بين ظلمة السجن.. وتنكر الاتفاقيات

..والقوانين المجحفة

 

 

*إعداد: عبد الناصر فروانة

أسير سابق، وباحث مختص في شؤون الأسرى

10-2-2011

    الأسرى المقدسيون .. هم جزء لا يتجزأ من الحركة الوطنية الأسيرة، شاركوا إخوانهم المقاومة والجهاد ضد إدارة مصلحة السجون " الإسرائيلية "، وخاضوا معهم عشرات الإضرابات عن الطعام، وقدموا (16 شهيداً ) خلف القضبان منذ العام 1967 في المدينة وحدها، ومن هؤلاء الشهداء الأسرى من كانوا أعمدة أساسية للحركة الأسيرة وجزء من تاريخها، فيما حُفرت أسماؤهم في الذاكرة الفلسطينية عامة أمثال: الشهداء الأسرى قاسم أبو عكر، وإسحق مراغة، وعمر القاسم، ومصطفى عكاوي، والشهيد الأسير رائد أبو حماد الذي استشهد في السادس عشر من نيسان / ابريل من العام المنصرم.

   قوات الاحتلال تعاملت مع أهالي القدس على أنهم مقيمون دائمون لديها، رغم إدعاءها أنهم يقيمون داخل كيانها الغاصب، دون أن تمنحهم مواطنة الدّولة العبريّة كبقيّة المواطنين الفلسطينيين في الأراضي الفلسطينية منذ العام 1948، أو أن تعترف بانتمائهم  للأراضي الفلسطينية المحتلة منذ العام 1967، ولم تقر بالسلطة الفلسطينية كمرجعية سياسية لهم، ووفقاً لهذا الوضع القانوني المعقد فهي تعتبر سجن الأسرى المقدسيين والأحكام الصادرة بحقهم شأناً داخلياً وأنهم يخضعون لقوانينها الداخلية ولا يحق لأي جهة فلسطينية كانت أم عربية المطالبة بإطلاق سراحهم، وفي الوقت ذاته لا تمنح المعتقلين والأسرى الفلسطينيين أدنى الحقوق التي تمنحها للسجناء من المستوطنين اليهود، وتعاملهم معاملة الأسرى الفلسطينيين في الزنازين والتعذيب والأحكام الجائرة والظروف الاعتقالية والحياتية .. وتحرمهم من الامتيازات، التي من الممكن أن يحصل عليها هؤلاء الأسرى من افراجات في إطار العملية السلمية أو صفقات التبادل.

     وهذا يندرج في سياق محاولات الاحتلال المستمرة الهادفة إلى استبعاد قضية القدس عن جوهر الصراع العربي ـ " الإسرائيلي "، وترسيخها وتعزيزها كعاصمة للدولة العبرية المزعومة، استناداً لقرار برلمان دولة الاحتلال الذي أقر في الثلاثين من تموز/ يوليو عام 1980، وبالتالي استبعاد الأسرى المقدسيين وعزلهم عن الحركة الوطنية الأسيرة، وهذا ما يفسر التضييق المستمر عليهم ومحاولة عزلهم في أقسام وسجون لوحدهم بعيداً عن أسرى الضفة والقطاع.

***

أسرى القدس محرمون من الامتيازات، التي يحصل عليها الأسرى من صفقات التبادل ويعانون عزلهم عن الحركة الوطنية الأسيرة، ويخضعون لقوانين الاحتلال الداخلية

***

وتفيد المعطيات الإحصائية بأنه يوجد الآن في سجون الاحتلال قرابة ( مئتي أسير ) من القدس المحتلة بينهم عدد من الأطفال والنساء والمرضى وكبار السن، فيما يوجد بينهم من هم معتقلون منذ ما قبل أوسلو  وقيام السلطة الفلسطينية قبل ستة عشر عاماً مايو/أيار 1995، ومن بين هؤلاء (22) أسيراً مضى على اعتقالهم أكثر من عشرين عاماً.

 ويعتبر الأسير " فؤاد الرازم " المعتقل منذ 29-1-1981 هو عميد الأسرى المقدسيين وأقدمهم، حيث مضى على اعتقاله ثلاثين عاماً بشكل متواصل، فيما هناك بعض الأسرى أمضوا فترات متقاربة على فترتين أمثال علي المسلماني، علاء البازيان، عصام جندل وغيرهم.

ثلاثون عاماً ... خلف القضبان

عميد الأسرى المقدسيين وابن "حركة الجهاد الإسلامي" "فؤاد قاسم عرفات الرازم" (53 عاماً ) من مواليد 9-12-1957، أعزب، وكان قد اعتقل من بيته في ليلة الثلاثين من يناير عام 1981، وتعرض لصنوف مختلفة من التعذيب والتنكيل على مدار شهرين ونيف، اعتقلت قوات الاحتلال خلالها والده ووالدته بهدف الضغط عليه ومساومته، كما اعتقلوا عدد من أشقائه وشقيقاته لذات الغرض، وبعد انتهاء التحقيق معه عقدت ما تسمى بالمحكمة المركزية في دولة الاحتلال أكثر من ثلاثين جلسة لمحاكمته وبعد عام ونصف من الجلسات المتتالية، أصدرت  بحقه حكماً بالسجن المؤبد، وترفض تحديد فترة المؤبد .

أمضى "الرازم" في سجون الاحتلال ثلاثين عاماً ، أي ما يفوق ما أمضاه من عمره قبل الأسر ببضع سنوات، وقد تنقل خلال فترة اعتقاله الطويلة في عدة سجون منها: عسقلان وبئر السبع والمسكوبية وجلبوع وشطة وإيشل ونفحة، فيما يقبع الآن في سجن هداريم.

ويُعتبر "الرازم" واحد من عمداء الأسرى عموماً، وأحد "جنرالات الصبر" (وهو مصطلح يُطلق على من مضى على اعتقالهم أكثر من ربع قرن في الأسر بشكل متواصل ولا زالوا معتقلين)، بل ويعتبر رابع أقدم أسير على الإطلاق، فيما يُعتبر أيضاً عميد الأسرى المقدسيين وأقدمهم.

ووالده " أبو سمير" يقطن في وادي قدوم في رأس العمود بالقدس المحتلة  مع زوجته الثانية، فيما البيت الذي ولد فيه فؤاد وتربى وترعرع بين جدرانه، واعتقل منه يقع في حي سلوان ولازال موجود باسمه ويحتوي على كل ما له علاقة به من ملابس ورسائل وغيرها، ويمتلك الثقة ويتسلح بالأمل بالعودة له يوماً.

وداع خلف القضبان ..

ويضيف فروانة في مقلته : بالرغم من مرور ثلاثة عقود من الزمن ، فان الأسير المقدسي "فؤاد الرازم" سيبقى عنوان للإرادة القوية والصمود.

وخلال مسيرة حياته واعتقاله الطويلة تعرض الأسير "فؤاد الرازم" للكثير من المواقف المؤلمة والمحزنة، المؤثرة والمعبِّرة، أهمها وفاة والدته قبل خمسة أعوام تقريباً، و حرمانه من رؤيتها طوال أكثر من ست سنوات سبقت وفاتها، وحينما اشتد عليها المرض، وانتقلت إلى المستشفى في وضع صحي خطير للغاية، تقدم بطلب لإدارة السجن للسماح له بزيارتها ولو لبضع دقائق حيث كانت ترقد في غرف العناية المركزة، إلا أن الإدارة رفضت طلبه، وبعد إلحاح شديد وتدخل بعض المؤسسات الحقوقية، سُمح بإحضار والدته من غرف العناية المركزة وعلى سرير الموت داخل سيارة الإسعاف، لتزوره بسجن "أهلي كيدار" في بئر السبع حيث كان يقبع هناك، وسمح لهما بالتقاط بعض الصور التذكارية المؤلمة والقاسية للقاء صعب وكأنه لقاء الوداع الأخير وذلك في أغسطس/ أب 2005، ولم تمضِ سوى أيام حتى فارقت الحياة بتاريخ 13/ سبتمبر أيلول من نفس العام، ليُحرم من رؤيتها والى الأبد ، ودون أن تُكحل عيناها برؤيته خارج قضبان السجن كما كانت تحلم دوماً.

وبعد زيارة والدته له كتب "الرازم" قصة يصف فيها لقائه الأخير بوالدته قبل وفاتها بعنوان " زيارة أُم مودعة " وورد فيها " لا يعرف قلب الأم إلا الألم، الأيام والسنون في قلب السجون تسرق الأعمار دون رقيب أو حسيب ودون أن يشعر الإنسان، ويبقى الشوق والحنين حبيس الصدور إلى الأهل .. الأم، الأب .. الأخوة والأخوات، ولكل أبنائهم وبناتهم، ولكن تبقى الأم هي العنوان، فرغم ما يمر بها من آلام  وأحزان، رغم قسوة المرض المزمن الذي نال من جسدها حتى أصبح نحيلاً وجعلها حبيسة المنزل ملاصقة الفراش، متنقلة بين المنزل والمستشفيات، يبقى قلب الأم هو قلب الأم ، القلب الرؤوف الرحيم الحنون".

وفي نهاية روايته قال: "عاد شريط اللقاء في مخيلتي وفكري، تذكرت همسات أمي " الله يرضى عليك ... الله يفرجها عليك والموقف سامحيني يا أمي، وذرفت عيناي بالدموع مرة أخرى وكل ما أريده وأتمناه أن تذهب إلى العالم الآخر وهي راضية عني".

ويعاني عميد أسرى القدس من أمراض عدة أبرزها المعدة وضعف النظر وآلام مستمرة في الرأس لا يُعرف سببها، في ظل سياسة الإهمال الطبي المتبعة مع كافة الأسرى مما يفاقم من معاناتهم وتؤدي إلى استفحال الأمراض واحتمالية بروز أمراض جديدة في أية لحظة، لاسيما وأن ظروف الاحتجاز قاسية ولا إنسانية وتفتقر لأبسط حقوق الإنسان.

وبرغم المرض وظروف السجن اللاإنسانية والقضبان الحديدية وقسوة المعاملة وإجرام السجان ومرارة ثلاثة عقود من الأسر وماحملته في طياتها من مآسي وأحداث ومحطات مؤلمة، إلا أن فؤاد كان ولازال وسيبقى هو العنوان، عنوان الإرادة الفذة والصلبة والمعنويات العالية.

ويتطلع أسرى القدس وسط المعاناة المزدوجة من ظلم الاحتلال وظلمة السجان، أن تتحقق "صفقة شاليط" الجندي "الإسرائيلي" الأسير لدى المقاومة، وتؤتي ثمارها بخروجه وتحررهم جميعاً .

 

عبد الناصر فروانة

أسير سابق ، وباحث مختص في شؤون الأسرى

مدير دائرة الإحصاء بوزارة الأسرى والمحررين في السلطة الوطنية الفلسطينية

0599361110

Ferwana2@yahoo.com

الموقع الشخصي / فلسطين خلف القضبان

www.palestinebehindbars.org

يذكر أن فروانة كان قد شارك في مؤتمر الرباط وأثناء عودته لغزة عبر معبر رفح اندلعت الأحداث في مصر وأغلق على أثرها المعبر ، ولا يزال عالقا في القاهرة ويتابع أوضاع الأسرى قد الإمكان من هناك ورقمه 0164119321