|
ستون عاماً على الإعلان العالمي لحقوق الانسان
و"اسرائيل" تُمعن في انتهاكاتها
*بقلم / عبد الناصر عوني فروانة
9 ديسمبر 2008
يصادف يوم غدٍ الأربعاء العاشر من كانون الأول / ديسمبر الذكرى الستين على الإعلان العالمي لحقوق الإنسان وهو اليوم الذي أعلنت فيه الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 1948 الإعلان العالمي لحقوق الإنسان ، ليضع أسس عالمية جديدة في التعامل مع الإنسان وإحترام إنسانيته وكرامته وقدسية الحياة الإنسانية ، والإعتراف بالكرامة المتأصلة في جمع أعضاء الأسرة البشرية وبحقوقهم المتساوية الثابتة كأساس للحرية والعدل والسلام في العالم .
ولقد تضمن الإعلان العالمي لحقوق الإنسان ثلاثين مادة ، تكفل للبشرية حياة تتمتع فيها بالكرامة والحرية والأمن والآمان ، كجوهر لكرامة الإنسان ، وتحيي هذه المناسبة العديد من المؤسسات المعنية بحقوق الإنسان بطرق وأشكال مختلفة ، وفي باريس وسط العاصمة الفرنسية سيكون الإحتفال هذا العام مختلفاً حيث سيشهد قصر " شايوه " ، حفلاً يوم الأربعاء القادم سيحضره ممثلون عن الامم المتحدة والمفوضية الاوروبية ومنظمات غير حكومية من مختلف أنحاء العالم ، وبالمناسبة " قصر شايوه "هو ذات القصر الذي شهد الإعلان قبل ستون عاماً.
ولقد كفل الإعلان العالمي لحقوق الإنسان ، للإنسان حقه في الحياة ، أي حق الإنسان في حريته وأمنه الشخصي ، ونصت المادة الأولى " يولد جميع الناس أحراراً متساوين في الكرامة والحقوق، وقد وهبوا عقلاً وضميراً وعليهم أن يعامل بعضهم بعضاً بروح الإخاء " ، فيما كفلت المادة الثانية حق الإنسان بالتمتع بكافة الحقوق والحريات الواردة في هذا الإعلان، دون أي تمييز، كالتمييز بسبب العنصر أو اللون أوالجنس أواللغة أوالدين أو الرأي السياسي أو أي رأي آخر، أو الأصل الوطني أو الاجتماعي أو الثروة أو الميلاد أو أي وضع آخر، دون أية تفرقة بين الرجال والنساء.
كما وتضمنت المواد الأخرى حق الإنسان في الحياة والحرية وسلامة شخصه والحق في التعلم والعمل والضمانة الإجتماعية وحرية الرأي والتعبير، بما في ذلك حرية اعتناق الآراء دون أي تدخل، وحمايته من الرق والإستعباد والتعذيب والمعاملات القاسية والإعتقال أو الإحتجاز التعسفي والنفي القسري والإبعاد .
ومنحت الإنسان حق التنقل واختيار محل إقامته داخل حدود كل دولة ، وحظرت التدخل التعسفي في حياته الخاصة أو حياة أسرته أو مسكنه أو مراسلاته أو الحملات على شرفه وسمعته، واعتبرت ان كل انسان متهم بجريمة هو بريء إلى ان تثبت ادانته قانوناً بمحاكمة علنية وعادلة تؤمن له فيها الضمانات الضرورية للدفاع عنه ، والكثير من الحقوق المدنية والإجتماعية والإقتصادية والثقافية الأخرى غير " القابلة للتجزئة " التي تضمنها الإعلان العالمي لحقوق الإنسان ، والتي كانت أكثر من رائعة في نصوصها وكلماتها فيما لو احتُرِمَت وتُرجِمَت على أرض الواقع .
كما وأن الإعلان العالمي لحقوق الإنسان كان المصدر الاول المباشر للمعاهدة الدولية ضد التمييز بحق النساء عام 1979 ، وأيضاً المعاهدة الدولية ضد التعذيب عام 1984 ، بالإضافة للمعاهدة الدولية لحقوق الطفل عام 1990 وانشاء المحكمة الجنائية الدولية عام 1998.
وباختصار شديد فإن ذاك الإعلان كان المقدمة الأساسية كما قلنا في البداية لأسس عالمية جديدة في التعامل مع الإنسان واحترام انسانيته ، وأن الحقوق الطبيعية الأساسية للإنسان ،هي تلك الحقوق التي لا نستطيع العيش كبشر بدونها ، وانها تمكننا من أن نستعمل على نحو كامل خصالنا الانسانية ، وأن نطور قدراتنا العقلية ومواهبنا وضمائرنا ، وأن نفي بإحتياجاتنا الروحية وغيرها.
العالم يحتفل و" اسرائيل " تُمعِن في انتهاكاتها
ويضيف الكاتب عبد الناصر فروانة في مقالته : و في الوقت الذي تحتفل فيه الأمم المتحدة ومؤسسات دولية أخرى بالذكرى الستين ، فأن مبادئ للإعلان العالمي لحقوق الإنسان ، وما تلاها من إتفاقيات ومواثيق ذات العلاقة ُتداس وتُنهك على مدار اللحظة وأمام مرأى ومسمع المجتمع الدولي الذي صاغ وأقر تلك النصوص ، دون أن يحرك ساكناً ، ولا زالت تلك النصوص بمجملها حبراً على ورق بالنسبة للشعب الفلسطيني عامة وأسراه خاصة ...!
ولا زالت حقوق الإنسان الفلسطيني الإنسانية والإقتصادية والإجتماعية والثقافية تنهك على مدار اللحظة وبشكل لم يسبق له مثيل .
فحياة الإنسان الفلسطيني وحياة أسرته وأطفاله ليست آمنه ، فيما يستمر حرمانه من العمل والعلاج والطعام والتنقل والسفر والتعلم وحتى من المواد الغذائية الأساسية ، في ظل تصاعد سياسة القصف والإغتيالات واقتلاع الأشجار والتشريد والإبادة ، والإستمرار في بناء الجدار العنصري واقامة مئات الحواجز التي قطعت أوصال الوطن والحصار الخانق على قطاع غزة ، وحرمان آلاف الأسرى من زيارة ذويهم و..الخ .
ولا زالت عشرات السجون والمعتقلات الإسرائيلية مكتظة بآلاف المواطنين الأبرياء بينهم مئات الأطفال والشيوخ والنساء ، بينهم القائد السياسي والنائب المنتخب ، والطبيب والمعلم والطالب ، في ظل تصاعد حملات الإعتقال التعسفي واختطاف المواطنين العزل واحتجاز مئات المواطنين ادارياً بسبب آرائهم ومعتقداتهم السياسية ، وتعرضهم لتعذيب قاسي ومميت مشرع قانوناً وبحصانة قضائية .
بالإضافة الى مئات جثامين الشهداء محتجزة منذ سنوات لدى سلطات الإحتلال في ما يُعرف " بمقابر الأرقام " أو ثلاجات الموتى عقاباً للشهداء بعد موتهم ، وعقاباً جماعياً لذويهم وحرمانهم من اكرامهم ودفنهم وفقاً للشريعة الإسلامية ، في جريمة تعتبر وفقاً للقانون الدولي جريمة أخلاقية ودينية وقانونية .
ولا زال قطاع غزة تحديداً يخضع لحصار سياسي واقتصادي خانق ، أدى الى ازدياد أعداد المرضى والوفيات ومعدل البطالة والفقر بين سكانه ، مما حوله إلى سجن هو الأكبر في العالم ، بل قد تكون الأوضاع الإنسانية في بعض السجون في العالم أفضل حالاً من "سجن قطاع غزة " .
فالجرائم الإسرائيلية تتواصل والإنتهاكات تتصاعد وتتفاقم ، لتصل الى مصاف جرائم الحرب بحق المواطنين الأبرياء والأسرى العُزل قائمة انتهاكات حقوق الإنسان الفلسطيني لا حدود لها ، والسؤال من يكفل للإنسان الفلسطيني حقوقه الانسانية ؟.
ومن هنا نناشد المجتمع الدولي لاسيما المنظمات الدولية والأمم المتحدة وممن سيجتمعون في باريس يوم غد الأربعاء ، أن يتحملوا مسئولياتهم الأخلاقية والإنسانية وأن يعملوا على حماية القانون الدولي وأن يصونوا اتفاقياتهم التي تُضرب بعرض الحائط من قبل سلطات الإحتلال، وأن يضمنوا تطبيقها وتنفيذها على كافة شعوب العالم بما يكفل للإنسان أينما وجد حقوقه الأساسية وكرامته وحقه في الحياة ، وأن يكفوا عن ممارسات التمييز والتسييس وازدواجية المعايير والكيل بمكيالين والانتقائية وثنائية المفاهيم ...الخ .
نناشدهم بالعمل الفوري من أجل رفع الحصار المفروض على قطاع غزة ، ووضع حد للجرائم الخطيرة التي تقترفها قوات الإحتلال بحق شعبنا الفلسطيني عامة والأسرى خاصة ، .
واليوم مناسبة للتأكيد على حق شعبنا في أن ينعم بالأمن والسلام وبحياة حرة كريمة تُحترم فيها حقوق الإنسان الفلسطيني وتصان كرامته ، في ظل دولة فلسطينية حرة ومستقلة وعاصمتها القدس الشريف ، ولقد آن الأوان لأن يصدر عن قصر " شايوه " في باريس يوم الأربعاء القادم " الإعلان العالمي لصون حقوق الإنسان الفلسطيني من الجرائم الإسرائيلية المتواصلة والتي لا حدود لها .. وذلك صوناً للإعلان العالمي لحقوق الإنسان .
* أسير سابق وباحث مختص بشؤون الأسرى وموقعه الشخصي " فلسطين خلف القضبان "
http://www.palestinebehindbars.org/