الأسرى يريدون تطبيق الاتفاق

 

بقلم / عبد الناصر فروانة

8-5-2011

 

كان للانقسام " ودون أدنى شك نتائج سلبية وآثار مؤلمة وتداعيات وخيمة على مجمل قضيتنا الفلسطينية، وباختصار شديد مزقّ الوطن والمجتمع ، وفتت وحدة النسيج الاجتماعي ،  وأدى إلى ضعف موقفنا السياسي وتراجع نضالنا السلمي ومقاومتنا المشروعة ، وأدى وأدى .. .

وربما القلائل هم الذين كانوا يعتقدون بأن داعيات " الانقسام " لم تصل للأسرى ، وأن تأثيراته الوخيمة لم تمس وحدتهم ، أو تؤثر على مسيرتهم النضالية وقدرتهم في مواجهة السجان وإدارة السجون .

فيما الكثيرين – وأنا واحد منهم – واستناداً لبعض الوقائع والشواهد ، كانوا على قناعة بأن " الانقسام " امتد وطال وحدة الأسرى ، وأثرَّ سلباً على مجتمعهم الخاص بعاداته وتقاليده المميزة وشبكة علاقاتهم الداخلية ، بل وأدى لتراجع قوتهم في مواجهة السجان وعدم قدرتهم على الرد ، مما أتاح لإدارة السجون فرص الاستفراد بهم والفصل فيما بينهم وفقاً للسكن والانتماء الحزبي ً ، وتغذية الاختلافات والتعارضات الداخلية ، وتصعيد إجراءاتها القمعية وقوانينها التعسفية ، وهذا ما يُفسر تصاعد الانتهاكات الجسيمة والجرائم المتعددة التي ارتكبت بحق الأسرى خلال سنوات الانقسام بشكل غير مسبوق.

بل وبسبب " الانقسام " أغلقت مؤسسات ناشطة ومتميزة في مجال الدفاع عن الأسرى ، وصُودرت مقتنياتها وأملاكها ، كـ " جمعية الأسرى والمحررين " حسام " ومنظمة أنصار الأسرى في قطاع غزة ، وأغلقت جمعية " نفحة " في الضفة الغربية .

وفي أحياناً كثيرة وجراء " الإنقسام " فُرضت مضايقات وعراقيل كثيرة على عمل بعض اللجان والأنشطة المساندة للأسرى ، فيما تلقى بعض الناشطين رسائل مستفزة ومهينة والبعض الآخر من النشطاء اعتقل في السجون الفلسطينية ، أما عائلات الأسرى فلم تعد توحدهم معاناة أبنائهم .

وفي هذا السياق برزت مشاهد مؤلمة تعكس واقع الحال المتأزم والمؤلم جراء " الانقسام " أمام مقار الصليب الأحمر بغزة وفي مناسبات ومواقع مختلفة  .

 مما يدعونا هنا لأن نجدد دعوتنا بالسماح للمؤسسات المغلقة والمعنية بالأسرى بإعادة فتح أبوابها واستئناف أعمالها ومزاولة نشاطها بشكل طبيعي ، وأن تُسلم لها مقراتها و يُعاد إليها أملاكها ومقتنياتها التي صُودرت منها عقب إغلاقها والاستيلاء عليها ، واطلاق الحرية للعمل من أجل الأسرى دون قيود أو عراقيل .

وقد عبرت في أكثر من مناسبة وعبر العديد من التصريحات والبيانات الصحفية ، وتطرقت في أكثر من تقرير لتأثيرات الانقسام على الأسرى في سجون الاحتلال وعلى من يقف خلفهم خارج السجون ، بل وأعتَبَرتُ أن " الأسرى " هم أكثر فئات الشعب الفلسطيني تضرراً ، وأن سنوات " الانقسام " لربما كانت الأخطر والأسوأ على الأسرى منذ عقود مضت .

وبالتأكيد فان أبرز ما ميز " الأسرى " خلال أربعة عقود سبقت الانقسام كانت وحدتهم ، وتسلحهم الدائم بمعنويات عالية ، وصلابة موقفهم وقدرتهم على مواجهة السجان ، والتصدي الحازم لاستفزازاته وانتهاكاته في أي وقت و بشتى الوسائل والسبل الممكنة بما فيها الإضراب المفتوح عن الطعام أو ما يُعرف بـ " الإضراب الإستراتيجي " ، وشعورهم بقوة ووحدة من يقف معهم ويساندهم خارج السجون .

فالوحدة هي الأساس في تحقيق الانتصار وانتزاع الحق ، ولولا وحدة الأسرى وصلابة موقفهم ، ووحدة من يقف خلفهم ، لما استطاعوا أن يغيروا في واقعهم شيئا ، ولما تمكنوا من تحقيق أي انتصار يُذكر طوال العقود التي سبقت الانقسام .

ورسالة الأسرى كانت وستبقى الوحدة الوطنية أولا وثانيا وثالثاً ، وهم من ناضلوا وضحوا وأفنوا زهرات شبابهم وسنوات طويلة ، بل وعقود من أعمارهم ، من أجل قضية وأهداف موحدة ، ووطن واحد ، وليس من أجل وطن مقسم ، ونسيج اجتماعي مفكك ، ومجتمع ممزق يتشاجر فيه الإخوة ويتقاتل فيه المقاتلون .

ولأن الأسرى هم الطليعة ، هم الأكثر قراءة للواقع والحاضر والمستقبل ، هم الأكثر حرصا على وحدة الشعب ، فلقد أصدروا " وثيقة الوفاق الوطني " والتي شكلت أساساً قويا للحوار الفلسطيني – الفلسطيني ، ومقدمة مهمة لاستعادة الوحدة الوطنية .

ليس هذا فحسب ، بل خاض مجموعة من الأسرى قبل أسابيع قليلة تزامناً مع الحراك الشعبي والشبابي ، إضراباً مفتوحاً عن الطعام للضغط على القيادات الفلسطينية لا سيما  حركتي " فتح وحماس "  لإتمام المصالحة تحت شعار " الشعب يريد إنهاء الإنقسام " .

وما أن أذيع خبر إتفاق المصالحة في القاهرة حتى انطلقت مسيرات التأييد والمباركة في كافة أنحاء فلسطين ، فيما عمت الفرحة والسرور داخل سجون ومعتقلات الاحتلال رغم الألم وقسوة الظروف ، وأحيت الحركة الوطنية الأسيرة هذه المناسبة السعيدة بتنظيم العديد من المهرجانات والاحتفالات المشتركة ووزعت خلالها الحلوى ، وأصدرت العديد من بيانات التأييد ورسائل التهاني لكافة أبناء الشعب الفلسطيني وفي مقدمتهم السيد الرئيس محمود عباس " أبو مازن " .

وأعربوا عن تقديرهم لكل الجهود والمساعي التي بُذلت فلسطينيا وعربيا لتذليل العقبات وإتمام المصالحة والوصول للتوقيع على الاتفاق ، وأعلنوا دعمهم لكل الخطوات التي من شأنها أن تترجم الاتفاق على الأرض وتقود لإنهاء " الانقسام " وطي صفحته السوداء وتعيد للنسيج الاجتماعي الفلسطيني وحدته وللقضية الفلسطينية مكانتها وقوتها ، على طريق تحقيق الأهداف المشروعة التي يناضل من أجلها الشعب الفلسطيني ، وفي مقدمتها إنهاء الاحتلال و إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس الشريف .

فهنيئاً لنا ولأسرانا وأسيراتنا ولشعبنا العظيم في كافة أماكن تواجده في الوطن والشتات ، وهنيئاً للسيد الرئيس محمود عباس " أبو مازن " ولرئيس وأعضاء المجلس التشريعي الفلسطيني ، ولكل القوى والفصائل الوطنية والإسلامية ومؤسسات المجتمع المدني والتجمعات الشبابية والشعبية ولجنة الوفاق والمصالحة وتجمع الشخصيات المستقلة بهذا الاتفاق الذي يُعتبر بداية المشوار... ولنواصل حراكنا الشعبي وجهودنا الوطنية تحت شعار " الأسرى يريدون تطبيق الاتفاق " ، وفاءً لتضحياتهم ومعاناتهم وللأهداف التي ناضلوا واعتقلوا من أجلها ، فالوحدة الحقيقية هي طريقنا لإنهاء الاحتلال وتحرير الأسرى وضمان تحقيق أهدافنا الوطنية .

 

أرشيف مقالات الكاتب

عبد الناصر فروانة