وفاءً لشهداء الحركة الأسيرة

فروانة : الشهيد الأسير عبد القادر أبو الفحم في سطور .. !

 

* بقلم / عبد الناصر عوني فروانة

7-3-2011

لقد شكّلت الحركة الوطنية الأسيرة معلماً بارزاً في تاريخ نضال الشعب الفلسطيني ، وسجلت عبر مسيرتها الطويلة تجارب رائعة ( لا ) يمكن حصرها ، رغم مرارة القيد وقسوة السجان وبشاعة معاملته .

هذه التجارب إكتسبت روعتها وعظمتها من نضالات مجموع الأسرى عبر كافة المراحل والأزمنة ، وصمودهم الاسطوري ، وتضحياتها الجسام رغم معاناتهم الفائقة .

وخلال مسيرتها الطويلة قدمت الحركة الوطنية الأسيرة قافلة طويلة من الشهداء كانت ولا زالت نبراساً للحركة الأسيرة ، فامتزجت دمائهم برطوبة الجدران وصمت الزنازين وآهات المعذبون ، ومن هؤلاء الأسرى من استشهدوا خلال مشاركتهم في الإضرابات عن الطعام أو ما يُرف في قاموس الأسرى " معارك الأمعاء الخاوية " ، ولعل أبرز هؤلاء وأولهم هو الشهيد الأسير عبد القادر أبو الفحم .

( عبد القادر جبر أحمد أبو الفحم ) انضم لقافلة شهداء الحركة الأسيرة قبل واحد وثلاثين عاماً ، وكان أول الشهداء خلال " معارك الأمعاء الخاوية "  وذلك خلال مشاركته في الاضراب الشهير عن الطعام في  سجن عسقلان أوائل مايو / آيار عام 1970 ، فبقىّ اسمه رمزاً للنضال خلف القضبان ومواجهة بطش السجان ، وتأكيداً على حق الأسرى في النضال بشتى الوسائل الممكنة لإنتزاع الحقوق وصون الكرامة  .

ومن الأهمية بمكان هنا التأكيد على أن " الإضراب عن الطعام " لم يكن يوماً هو الخيار الوحيد أمام الأسرى ، ولا حتى الخيار الأول ، وانما يلجأ اليه الأسرى رغماً عنهم بعد فشل كافة الأشكال النضالية الأخرى والأقل معاناة .

" الإضراب عن الطعام " هو شكل نضالي متقدم ، يخوضه الأسرى تحت شعار " نعم لآلام الجوع و( لا ) لآلام الركوع "، متسلحين بارادة صلبة وعزيمة ( لا ) تلين ، متحديين الجلاد بجوعهم وعطشهم لأيام طوال وصلت إلى الشهر وما يزيد في بعض الإضرابات .

نعم .. هي سياسة نضالية ينتهجها الأسرى للذود عن كرامتهم وحقوقهم ، وكثيراً ما خاضت الحركة الأسيرة اضرابات استراتيجية عن الطعام ، امتدت لأيام طوال تجاوز العشرين يوماً وأحيانا الشهر وما يزيد ، وشملت كافة السجون والمعتقلات أو غالبيتها ، واستطاعت من خلالها انتزاع العديد من الحقوق الأساسية وحققت من خلالها كثير من الإنجازات ، فيما قدمت خلالها العديد من الأسرى شهداء أمثال أبو الفحم و راسم حلاوة والجعفري ومراغة ، وأنيس دولة وعبيدات وآخرين ، فيما يعتبر الشهيد أبو الفحم كما قلنا آنفاً هو أول أسير يستشهد خلال الإضراب عن الطعام ..

من هو أول شهداء الإضرابات عن الطعام  ..؟

 

ولد الشهيد في قرية برير في فلسطين سنة 1929 م ، وهاجر مع أسرته سنة 1948 م ، وأقام في مخيم جباليا بقطاع غزة ولحتى اليوم تقيم عائلته في جباليا البلد – الجرن ، واصل شهيدنا في تعليمه الى الصف السابع وتزوج وأنجب ابنة وأسماها فتحية وابنا اسماه حاتم .

إلتحق بالقوات المصرية سنة 1953 م وحصل على عدة دورات عسكرية ورفّع بعدها الى رتبة عريف ثم الى رتبة رقيب ، وحصل على دورة رقباء أوائل سنة 1960 م ، في مصر وكان الأول على الدورة ، فرفّع الى رتبة رقيب أول ، وكان مثالاً يحتذى به ، وحاز على إحترام وثقة كل من عرفه من ضباط مصريين وفلسطينيين ، وكان صاحب نكتة ، لطيف المعشر ، أمين وصادق ، ولما بدأ تكوين الجيش الفلسطيني كان " أبو حاتم " هو المسؤول عن مركز تدريب خانيونس وخاض حرب 1956م وحرب 1967 وكان ضمن كتيبة الصاعقة التي قاتلت بشراسة يعرفها العدو ذاته .

 ويضيف فروانة في مقالته : ولم تثنيه " الهزيمة " عن النضال فكان من المؤسسين لفصيل قوات التحرير الشعبية وشارك في تدريب المناضلين عسكرياً كما شارك في عمليات عسكرية عديدة ومميزة نظراً لكفاءاته العسكرية التي كان يُضرب فيها المثل ، فجّند العديد من الشبان في صفوف قوات التحرير الشعبية ودربهم على السلاح ، وكان قائداً للتشكيلات العسكرية لقوات التحرير في قطاع غزة ، وخلال إحدى عملياته العسكرية سنة 1969م جرح جراحاً بالغة حيث أصيب جسده بعدة رصاصات وكأنهم كانوا يقصدون تصفيته وبقّى يعاني من هذه الجراح حتى يوم إستشهاده ، فإعتقلته السلطات الإسرائيلية وحكمت عليه بالسجن المؤبد عدة مرات ، وداخل السجن كان نموذجاً رائعا في العطاء والصمود والأخلاق الحميدة ، ويمتلك علاقات واسعة أهلته لأن يكون شخصية محورية مؤثرة في تنظيم صفوف الأسرى وقيادة نضالاتهم ضد ادارة السجون .

وبتاريخ 5 آيار 1970 م كان الإنفجار المذهل ، إنفجرت الإرادة الإنسانية الثائرة معلنة ساعة الصفر فكانت إنتفاضة الأسرى ، وكان أول إضراب عام للحركة الأسيرة في سجن عسقلان ، ونظراً لسوء وضعه الصحي رفض الشهيد إعفاءه من المشاركة في الإضراب عن الطعام وأصر على المشاركة رغم جراحه وآلامه ، فأبى إلا أن يكون في الصفوف الأمامية وفي المقدمة دوماً ، فكان هذا الرجل يمتلك من الإرادة والصلابة ما يكفي لقهر الأعداء ، فلجأت السلطات الى ممارسة أبشع الأساليب القمعية بهدف إنهاء الإضراب والتأثير على إرادة  المعتقلين وصمودهم إلا أن الإرادة والعزيمة لدى أسرانا الأبطال كانت الأقوى والأصلب .

وفي مساء العاشر من آيار عام 1970م ، تفاقم وضع أبو الفحم الصحي سوءاً ، فأخرجه الأسرى للعيادة ، وحمل السجانون جسد " أبو حاتم " الى عيادة السجن للعلاج ، لكنهم وكعادتهم وفي اطار سياسة الإهمال الطبي تآمروا عليه ولم يقدموا له العلاج اللازم ، وفي اليوم التالي وتحديداً بتاريخ 11-5-1970م كان الموعد مع الشهادة ، فنسى الجميع من المعتقلين آلامهم الخاصة وبكوا قائدهم وحبيبهم الشهيد … الذي سيبقى رمزاً ومعلماً ثورياً لأجيال المقاومة على درب التحرير .

" أبو الفحم سطَّر اسطورة وكان لشعبي شعلة ، وروحه في عسقلان وردة "

شهيدنا أبو الفحم كان قائداً عسكرياً ووطنياً فحظى بحب الجماهير وإحترامهم ، أحبهم فأحبوه ، قادهم في مسيرة النضال قبل وبعد الإعتقال وخلف الأسر .. فكان من أوائل الشهداء … وما أن أذيع خبر إستشهاده حتى إنطلقت الجماهير الوفية لتشييع جثمانه بحشد جماهيري مميز ، لتؤكد وفائها له ولكل الشهداء ، ولا يزال الشعب الفلسطيني بشكل عام ، والحركة الأسيرة بشكل خاص وفية له ، وتحفظ اسمه الخالد عن ظهر قلب .

لفتة وطنية ووقفة تكريمية هي الأروع في الفترة الأخيرة

واليوم الإثنين الموافق السابع من مارس / آذار ، وبعد واحد وثلاثين عاماً مرت على استشهاده تزحف الجماهير الغزية المخلصة والوفية من مقر الصليب الأحمر بغزة إلى مقبرة الشهداء في منطقة الفالوجا شمال القطاع حيث يوجد ضريح الشهيد عبد القادر أبو الفحم ، لتجدد وفائها له ولكافة شهداء الحركة الأسيرة في لفتة وطنية ووقفة تكريمية هي الأروع في الفترة الأخيرة ، وآمل أن تستمر الوقفات مع شهداء الحركة الأسيرة بطرق وأشكال أخرى ، والحديث هنا يطول.

" عبد القادر أبو الفحم " عشت بطلاً ومت بطلاً وستبقى رمزاً من رموز الحركة الوطنية الأسيرة خاصة و الثورة الفلسطينية عامة ، وتاجاً على رؤوسنا .

 

أرشيف الكاتب من المقالات  

ملاحظة / هذا المقال اعتمد في مضمونه على مقال سابق كتبناه ونشرناه في مايو 2008